عندما تم تطبيق الإصلاح بالتعليم العالي بالمغرب في سنة 2003، كان المقصود من ذلك استبدال النظام التعليمي المتحجر بنظام الوحدات الأكثر مرونة. وهذا كان يعني، من الناحية النظرية على الأقل، إحداث تحول من المقاربة التعليمية التلقينية المتجاوزة إلى مقاربة بنائية تشجع الابتكار، وتحفز على التفكير المستقل، وتهدف إلى إعداد المتعلمين لمواجهة التحديات التي يفرضها عالم يتغير بسرعة فائقة. فقد كان من المفترض أن تؤسس المرونة، التي يتسم بها نظام الوحدات، فلسفة جديدة للتربية تقتضي إشراك الطلبة في العملية التربوية، وتجعلهم مسؤولين عن تحديد كفاياتهم والغايات التي يرومون تحقيقها. ونظرا إلى الإرباك الذي خلقه نظام الوحدات، فإن العديد من الأساتذة والطلبة، على حد سواء، ما انفكوا يعبرون عن حنينهم إلى النظام القديم. إن هؤلاء التواقين إلى هذا النظام يفتقدون ما يعتبرونه اليقين والسلاسة المميزيين لنظام كان، في نظرهم، خاليا من المتاعب والمشاكل، نظام كانت تمليه، في الحقيقة، سلطة عليا تعتبر نفسها على دراية بما هو الأفضل لنا جميعا. ففي تلك الأيام، كان الأستاذ يلقن دوما مجموعة من الدروس الجاهزة لحشود من الطلبة مجهولي الملامح. وبدورهم، كان هؤلاء الطلبة، الذين تم تزويدهم بهذا النوع من «المعرفة» الملقنة والجاهزة، يقومون بإرجاعها إلى صاحبها مرة كل سنة، وذلك عبر امتحان سنوي كفيل لوحده بإقرار النجاح واجتياز السنة. وبمعنى آخر، يصبح الامتحان، في هذه الحالة، بمثابة طلقة وحيدة في الظلام، أو خبطة عشواء قد تصيب وقد تخطئ، خلفت، على مدى العقود الماضية، أعدادا لا حصر لها من الضحايا التي عجت بها جنبات المسار الأكاديمي. وعلى الرغم من أن المقام ليس مناسبا لسرد أوجه القصور والنقص في النظام القديم، تجدر الإشارة إلى أن كلفة استكمال الدراسة من أجل الحصول على الإجازة كان يستدعي من الطالب قضاء ثماني سنوات على المتوسط وفقا للإحصائيات الرسمية. وعلى الرغم من فشل النظام القديم، فإن نظام الوحدات لم ينل، إلى حد الآن، الدعم والحماس اللازمين من قبل المربين والمتعلمين على السواء. وإذا كان غياب الحماس والدعم يعود، بالأساس، إلى الفجائية التي طبعت أجرأة هذا النظام وتفعيله، وكذا إلى غياب الاستعداد، وانعدام الموارد المادية والبشرية بشكل عام، فإن ذلك يعود أيضا إلى عدم استيعاب الدعامات الفلسفية والخلفيات البيداغوجية لنظام الوحدات. فالتحول من النظام القديم إلى النظام الجديد كان تحولا في المقاربات التربوية. فعلى الرغم من تعود الجميع على آليات هذا النظام التربوي، وعلى الرغم من معرفتنا بكيفية اشتغاله، فإننا لا نمتلك، على العموم، فهما عميقا وإحاطة متمثلة ودقيقة بالمبادئ التي يقوم عليها والدواعي الكامنة وراءه. فالتقنيات الخاصة بالإصلاح الجامعي قد رددت حتى الغثيان، غير أن الأساس الفلسفي لهذا الإصلاح ظل مهملا بشكل كبير. لا يسمح المقام بعرض مفصل ودقيق للمبادئ الفلسفية لنظام الوحدات والتوجهات الكامنة فيه، ولكن المراجعة السريعة لبعض هذه المبادئ مهمة وضرورية: أولا: إن السمة الرئيسية لهذا النظام هي الانفتاح والمرونة. فكلنا، باعتبارنا أساتذة، نتذكر الزمن الذي كان فيه المنهاج الدراسي غير قابل للتغيير كما لو كان منقوشا على صلد الحجر. كما نتذكر، أيضا، الإحباط الذي ما فتئنا نشعر به، آنئذ، لعدم قدرتنا على تغيير حصة دراسية بأخرى عندما تصبح هذه الحصة الدراسية عاجزة عن تحقيق المبتغى الذي سطرت من أجله أصلا، أو بكل بساطة، عندما تكون هذه الحصة قد استنفدت جدواها. إن المرونة المنبثقة من صميم نظام الوحدات لا تسمح بتعويض وحدة بأخرى فحسب، بل تسمح، كذلك، بخلق وتصميم تكوينات محددة الأهداف، استجابة لحاجيات الطلبة، وتماشيا مع المتطلبات المتزايدة والدقيقة لسوق الشغل. فهذه الحرية المميزة لعملية تخطيط المناهج الدراسية تهدف إلى ضمان النجاعة وصون الجودة في التربية والتعليم، وتنمية حس الطلبة بالمسؤولية. ثانيا: تعتبر عملية تجميع الوحدات ورسملتها مظهرا آخر من المظاهر الإيجابية في هذا النظام. فلقد ولّى الزمن الذي كان فيه الطلبة يرسبون بأعداد هائلة، ويكررون السنة برمتها على الرغم من حصولهم على معدلات جيدة في بعض المواد لأنهم لم يحصلوا، بكل بساطة، على المعدل العام المطلوب، أو حصلوا على نقطة موجبة للسقوط في مادة من المواد. إن النظام القديم بتوجهاته الفاشلة قد تم، الآن، تجاوزه بنظام ذي توجه ناجح، يسمح للطلبة بتجميع ورسملة الوحدات التي أثبتوا اجتيازها بنجاح. وتمثل هذه الميزة، بالنسبة إلى الطلبة المغاربة، ترشيدا أفضل للإنجاز الأكاديمي ومكسبا مربحا لعائدات الاستثمارات. ومن ضمن المميزات الكثيرة لنظام تجميع الوحدات ورسملتها تسهيل عملية تحويل المكتسبات، والتنقل بين المؤسسات والشعب. وبعبارة أخرى، فإن هذا الطابع الإيجابي لنظام الوحدات يخلق جسورا بين مختلف التكوينات، ويتيح اعترافا أفضل بالمكتسبات التعليمية القبلية للطلبة، مما يؤدي حتما إلى دينامية أكثر في التنقل أفقيا وعموديا. ثالثا: إن مراكمة الاعتمادات ورسملتها المعروفة في الجامعات الأنجلوساكسونية باسم (Crédit Accumulation and Capitalization) يمنح الطالب الاختيار الذي ظل منعدما في النظام القديم. فكل وحدة مثبتة ينجح الطالب في اجتيازها، تصبح، على الفور، وحدة مكتسبة بصفة نهائية في رصيد الطالب، مما يتيح للطلبة اختيار الإيقاع والمكان والمدة الزمنية الخاصة لدراستهم. وكما أسلفت القول، فإن عملية تجميع الوحدات ورسملتها تسهل قابلية فعل الانتقال من شعبة إلى أخرى، أو من مؤسسة إلى أخرى. كما أنها تتيح للطلاب، في الآن نفسه، تسجيل أنفسهم باعتبارهم طلبة بدوام جزئي (Part-time Students)، والسير وفق إيقاعاتهم المدرسية تماشيا مع قدراتهم وظروفهم الأكاديمية والشخصية. إن هذا النظام المتمركز حول الطالب يعزز قيمة التنمية الشخصية والمهنية عبر التكوين المستمر أو الفصلي دون التقليل من الصرامة الأكاديمية. في هذا الصدد، فنحن الأساتذة نتذكر الزمن الذي كنا نستسلم فيه لاستعطاف الطلبة وتوسلات الذين لم يتمكنوا منهم من الحضور المستمر لأسباب مهنية أو عائلية. فقد كنا نضطر، في مثل تلك الحالات، إلى الرد على استعطافاتهم إما بالنفي القاطع أو بإظهار غير ملائم للشفقة، أي على حساب الصرامة الأكاديمية. بينما يتيح نظام الوحدات لأمثال هؤلاء تسجيل أنفسهم في نظام الدوام الجزئي، ومتابعة القسط المستطاع من عدد الوحدات التي يستطيعون التعامل معها. وبعبارة أخرى، فإنهم يدرسون بحسب ظروفهم، وليس على حساب المتطلبات والصرامة الأكاديمية التي يقيد بها النظام باقي الطلبة في نظام الدوام الكامل.