أمام طلبة كلية الحقوق في الدارالبيضاء، ألقى والي بنك المغرب محاضرة مهمة حول «المغرب والأزمة الاقتصادية وما بعدها». صفق الطلبة طويلا للجواهري في أكثر من مناسبة، فالوالي، رغم الأزمة، لم يفقد خفة ظله المعهودة، خصوصا عندما قال إن المغرب لن يسمح للمستثمرين الأجانب في المستقبل بأن يقلونا في زيتنا، في إشارة إلى مستثمرين عرب وأوربيين يأتون إلى المغرب بحقائب ثيابهم ومشاريعهم على الورق ويقترضون المال من بنوك المغرب ويستفيدون من أراضي المغرب وحسن ضيافته، وفي الأخير يعودون إلى بلدانهم بحقائب مليئة بالمال تاركين لنا أطلال مشاريعهم نصف المكتملة. ثم صفق الطلبة عندما قال والي بنك المغرب إنه لا يخاف من «الطيران» من فوق كرسيه لأنه غير متشبث به. لحسن الحظ أن محاضرة والي بنك المغرب لم تكن كلها نكتا وطرائف. فما إن «جبد» أحدهم «حس» الزيادة في الحد الأدنى للأجور حتى «قوس» الجواهري حاجبيه ممتعضا ووجه رسالة عتاب وتحذير إلى النقابات التي تطالب بالرفع من الحد الأدنى للأجور في وقت تعاني فيه خزينة المملكة من شح في السيولة بسبب انخفاض عائدات تحويلات المهاجرين المغاربة وتراجع مداخيل السياحة وهبوط أسعار الفوسفاط في الأسواق العالمية. كنا سنصفق نحن أيضا لوالي بنك المغرب لو أنه انتقد الزيادة الأخيرة والسمينة التي وافق عليها الوزير الأول، والتي منحها وزير الخارجية لسفرائه، والتي وصلت إلى حدود مليون سنتيم للراس. تلك الزيادة التي لم يصدر بشأنها أي تكذيب من ديوان الوزير الأول أو وزير الخارجية إلى الآن. «على خدمتهم الزينة»، فبسبب النوم العميق الذي يغط فيه أغلب سفرائنا أصبح لدى انفصاليي البوليساريو صوت مسموع في أكثر من عاصمة عالمية. وعوض أن نفتح جريدة أو مجلة ونقرأ حوارا للسفير المغربي بمدريد يشرح فيه للقراء موقف المغرب من قضية «أميناتو»، اكتشفنا نهاية هذا الأسبوع أن السيد عزيمان وزوجته فتحا إقامتهما بمدريد لمبعوثي النسخة المغربية من مجلة «HOLA» المتخصصة في نشر صور وأخبار النجوم والمشاهير، حيث استفاضت السيدة حرم السفير في شرح الدور الدبلوماسي الذي يقوم به زوجها، كما نورت الرأي العام حول مسألة مهمة تتعلق ببعض التحسينات المغربية التي أدخلتها على مقر إقامتهما بمدريد والشهيوات المغربية التي تعدها لضيوف زوجها. وقد كان هذا «اللقاء الصحافي الهام» والأول من نوعه في الحياة الدبلوماسية المغربية مناسبة لكي تستعرض حرم السفير بعض «التكشيطات» و«الجلابات» مزاوجة بين «البلدي والرومي» في الصور التي التقطها لها مصور المجلة. إذا كان وزير الخارجية قد زاد في رواتب سفرائه مليون سنتيم من أجل قيام زوجاتهم بعضهم بعروض الأزياء في مجلات المشاهير، فليسمح لنا أن نقول له إن الوقت اليوم ليس وقت قفاطين و«تكاشط»، وإنما الوقت وقت جد وعمل، خصوصا في مدريد التي تمارس هذه الأيام ضغطا كبيرا على المغرب في قضية جواز سفر أميناتو. أيضا كنا سنصفق لوالي بنك المغرب لو أنه انتقد الزيادة الأخيرة في رواتب الكتاب العامين والمدراء بالوزارات، والتي لم يصدر أي تكذيب حولها من أي ديوان وزاري إلى حدود الآن. وكنا سنصفق له لو أنه انتقد الميزانية الباهظة التي خصصتها بعض الوزارات لاقتناء سيارات جديدة، ثمن السيارة الواحدة منها يفوق خمسين مليونا. من يسمع والي بنك المغرب يتحدث عن خطورة الزيادة في الحد الأدنى للأجور على مستقبل المغرب المالي، يتصور أن مشكلة المغرب الوحيدة هي «مزاليطه»، وينسى أن أغنياءه يتحملون القسط الأوفر من المسؤولية في الوضعية المالية الصعبة التي يعيشها المغرب. واليوم، مثلا، هناك سباق محموم من طرف «الجمعية المغربية للمشروبات» والتي تدافع عن مصالح شركات «الموناضا» للاستمرار في الحصول على سبعة ملايير سنتيم كدعم على السكر، مستعملين كل قوتهم وتأثيرهم الإعلامي لإسقاط الضريبة الداخلية على الاستهلاك التي فرضها قانون المالية الجديد والتي تصل إلى 30 درهما عن كل هيكتوليتر. فقد فهم «مالين الموناضا» أن صندوق الموازنة، عندما ترك لهم درهما عن كل كيلوغرام من السكر عوض درهمين التي تبرع بها عليهم الطالبي العلمي عندما كان وزيرا للشؤون الاقتصادية ومزوار عندما كان وزيرا للتجارة الخارجية، لم «يقسم» معهم الصبر وإنما أعطاهم بيد منحة سيأخذها منهم مفتش الضرائب بيد أخرى على شكل ضريبة اسمها الضريبة الداخلية على الاستهلاك. ولذلك خرج كبيرهم الحاج زنيبر، «مول الروج»، بنفسه لكي يدافع عن مصالح شركته ومصالح شركات أصدقائه المنخرطين معه في «الجمعية المغربية للمشروبات». وإذا كان والي بنك المغرب يرى أن مطلب الطبقات المتوسطة بالرفع من الحد الأدنى للأجور هو ما يهدد السلم الاجتماعي، فإن الحاج زنيبر يتخذ من هذه الطبقات ذريعة للدفاع عن مصالحه الرأسمالية ومصالح زملائه أصحاب شركات «الموناضا» الذين يشترون «الروج» من شركة كوكاكولا ويخلطونها بالغاز والماء والسكر ويبيعونها للشعب. ومن يقرأ مرافعة الحاج زنيبر في يومية «ليكونوميست» حول صراعه وصراع زملائه لخلق مناصب الشغل والحفاظ عليها بفضل «الموناضا»، والدفاع عن مصالح «مول الحانوت» وشاربي «الموناضا» يعتقد للحظة أنه يستمع إلى المحجوب بن الصديق «فياماتو» وليس إلى ملياردير خرجت العشرات من الفلاحات المستخدمات في ضيعاته بنواحي مكناس، قبل أيام، للاحتجاج على حرمانهن من حق التسجيل في صندوق الضمان الاجتماعي. «أنوض باركة من القوالب»، الهدف الأول والأخير من وراء دفاع شركة north africa bottling company المملوكة لمستثمرين إسبان، أو شركة atlas bottling company التي ضمها إبراهيم زنيبر إلى مجموعته «ديانا هولدينغ» منذ 1974، أو شركة «الماء المعدني لوالماس» المملوكة لعائلة بنصالح الثرية، وغيرها من شركات المشروبات الغازية وغير الغازية الأخرى، ليس هو مصالح الطبقة الكادحة وأصحاب «الحوانيت» الذين يريد زنيبر إقناعنا بأن «الموناضا» تأتي مباشرة بعد الحليب والخبز في لائحة أكثر المواد مبيعا لديهم، وإنما الهدف من وراء هذا الدفاع المستميت هو مصالح شركاتهم الرأسمالية أولا وأخيرا. «غير خرجو ليها نيشان، لاش دايرين السبة بالمزاليط». صحافي بالجريدة التي نشرت الاستجواب مع زنيبر، والمعروفة بدفاعها الشرس عن مصالح «الباطرونا»، لم يقتصر على الدفاع عن المطالب «المشروعة» لأصحاب «الموناضا»، وإنما ذهب إلى حد اقتراح طرق جديدة لربح معركتهم. فقد نصحهم بالابتعاد عن خوض المعركة من خندق مالي مهني صرف، والتوجه نحو خنادق أخرى أكثر قربا من الشعب للاحتماء به، كالتأكيد على مناصب الشغل التي يضمنها قطاع «الموناضا» وعائدات مبيعاتها على أرباح أصحاب «الحوانيت»، وغيرها من «الكرامات» التي تحققها «الموناضا» لبسطاء هذا الشعب، بل ذهب صاحبنا إلى حد اقتراح تخريجة «واعرة» تجعل من «الموناضا» مادة غذائية أساسية لطبقة واسعة من المغاربة، وذلك بربطها بمادة غذائية أخرى هي «الخبز والطون». وحسب صاحبنا، فالحاج زنيبر وزملاؤه يجب عليهم أن يقنعوا السادة المستشارين في الغرفة الثانية خلال هذا الأسبوع بأن «الخبز والطون والموناضا» وجبة أساسية لشرائح واسعة من الشعب المغربي، وهكذا إذا صوت السادة المستشارون بالموافقة على فرض 30 درهما كضريبة داخلية على الاستهلاك على كل هكتوليتر من «الموناضا»، فإنهم بذلك سيتسببون في تعريض ملايين المغاربة للمجاعة. أنظروا كيف يستعملون المغاربة البسطاء الذين يشتغلون في أوراش البناء ويقتاتون على «المحراش والطون والموناضا» كدروع في معاركهم المدافعة عن مصالحهم الاقتصادية. لكن هؤلاء الأذكياء ينسون أن «الموناضا» ليست من الضروريات، وإذا لم يجد هؤلاء البناؤون ما «يدوزون» به الخبز والطون، فإنهم سيعودون إلى قناني «الموناضا» الفارغة لكي يملؤوها بالشاي البارد ويغلقوها بأصبع «ديال خيزو» كما كان يفعل أجدادهم في السابق. ولكي يجعلوا أكلتهم أشهى فإنهم سيضيفون إليها «درهم ديال الحرور»، لأن «الحرور» يفتح الشهية ويجعل كل ما تأكله ذا مذاق واحد يشبه «العيشة الحارة» التي يكابدها أغلب الذين ينتظرون زيادة في الحد الأدنى للأجور. تلك الزيادة التي يحذر والي بنك المغرب الحكومة من الرضوخ لها، وينسى بالمقابل تحذير الحكومة من كل الزيادات والامتيازات والمنح التي يستفيد منها كبار موظفيها وأصحاب الشركات الرأسمالية الكبرى التي تريد أن تجعل من «الموناضا والخبز والطون» الطبق الرسمي الجديد للمغاربة.