سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مقامر يراهن بمبالغ خيالية على رقم واحد وزوجان يدخلان قاعة القمار متصالحين ويغادرانها متخاصمين بسبب الخسارة الآسيويون غير مرغوب فيهم في صالات القمار لأنهم مشهورون بالغش
صالة للقمار يؤمها رجال ونساء تتقاسمهم آمال زائفة بتحقيق الثراء كفراشات تجذبها الأنوار دون أن تدري أنها تسعى إلى حتفها. صالة تزينها الألوان، لكنها رغم بهرجها فهي أشبه بفك تمساح، لا ينجو منها إلا من رحم القهار. رابحو اليوم قد يكونون من أسوء خاسري الغد، وخاسرو اليوم قد لا تقوم لهم قائمة بعد اليوم.. تدخل بألف وتخرج بمليون، وتدخل بمليون فلا تجد ثمن أجرة الطاكسي بعد أن راهنت حتى على سيارتك... سلسلة حكايات القمار والليالي الملاح، قصص حقيقية بأسماء مستعارة احتراما لخصوصيات الآخرين من مدينة طنجة . هاهي الدراهم بدأت تتطاير من جيوب أصدقائي لتدخل جيوب أصحاب الكازينو في مفارقة تعكس حال الدنيا، لكن طاولة «الروليت» فيها من السحر ما يجذب أجلد الرجال إذا ما راقب دورة الحظ فيها والكرة الشيطانية التي تهوي بناس وترتفع بآخرين في دورة واحدة. يبدو أن أصدقائي كانوا من المراهنين السيئين فلا أرباح تذكر تلوح في سمائهم حتى اللحظة. أسر لي أقربهم إلي بأنهم صرفوا مبلغ المشاركة التي حصلوا عليها من دولهم وسيعودون بلا حقائب إن استمر النحس هكذا. لم يتركوا رقما لم يراهنوا عليه، راهنوا على أرقام مولدهم ومولد أبنائهم ومولد زوجاتهم وأرقام حظهم واستشاروا حبيباتهم، ولكن لا أمل. مقامر مختلف في هذه الأثناء حدثت جلبة في آخر الصالة: رجل في نهاية عقده الخامس يشتم شابا أوروبيا كان يدير طاولة «الروليت» التي يلعب فيها ويطالب باستبداله فورا، وفعلا حدث له ما يريد. كيف لا وهو يقامر بعشرات الآلاف من الدراهم. طريقة هذا الرجل غريبة فهو يضع مبلغا كبيرا على رقم واحد، يعني أنه يراهن على رقم ويترك 35 رقما، أي أن حظه، حسب منطق الاحتمالات، صعب للغاية. مبالغ كبيرة يخسرها في كل مرة. عصبية الرجل ترتفع، وإدارة الكازينو تبدل الشاب تلو الآخر إرضاء للمقامر الخاسر. في لحظة جنونية وربما انتحارية قرر الرجل أن يراهن بمبلغ 100 ألف درهم مرة واحدة على اللون الأحمر. و أخيرا تستقر الكرة على اللون الأحمر ليتضاعف المبلغ ويعود إلى طريقته السابقة. كؤوس المشروبات الكحولية تتسابق بين أيدي الحسناوات لتستقر أمامه، ويستمر اللعب، وبدأ حظ بعض أصدقائي في التحسن، أما أنا فحدث ولا حرج، أضع المائة درهم على الصفر فتستقر الكرة على رقم 36، و أضعها على رقم 36 فتستقر على الصفر، يبدو أنها إشارة ربانية لي بعدم الانجراف وراء بهرج هذه اللعبة القاتلة. النسبة الكبرى من أصدقائي خسروا كل نقودهم، واثنان منهم احتفظا بالنقود بنقصان طفيف، وواحد فقط ربح مبلغ 1000درهم. العملية معناها ربح الكازينو وخسارة الأصدقاء. أما صاحبنا فقد تبرع بآخر 2000 درهم لنادلة جميلة وانصرف بهدوء. هنا قررت أن أخوض تجربة اختراق هذا العالم المغري والمتناقض لعلي أعرف الأسباب الكامنة وراء هذه الآفة الخطيرة، خاصة إذا علمنا أن العرب هم النسبة الغالبة في صالات القمار العربية وأن الأوروبيين يكتفون بالمشاهدة عن بعد في غالب الأحيان، وأما الآسيويون فغير مرغوبين في صالات الشرق والغرب لأنهم معروفون بالغش والاحتيال في اللعب. وللإشارة، توجد في المغرب اليوم سبعة كازينوهات، يعود وجودها إلى المرحلة الاستعمارية، حين أقدمت السلطات الفرنسية إذ ذاك على إنشاء الكازينوهات ليقامر فيها الأجانب، وقد لقيت حينها مقاطعة من المغاربة الذين يؤمنون بأن القمار محرم، وبعد فترة الاستقلال بدأ المغاربة في ارتيادها، خاصة الأغنياء منهم، لكن القانون المغربي منع ممارسة القمار بمختلف أنواعه، بسن عقوبة مالية تبلغ 50 ألف درهم لكل مغربي يجلس في طاولة قمار. الزوجان المقامران تخبرنا الأرقام الواردة في الإحصائيات الدولية أن 45 في المائة من المقامرين الكبار لديهم أطفال تقل أعمارهم عن 18 عاما يعيشون في المنزل ويسحبون جزءا كبيرا مما يخصص لأطفالهم من أموال لإدارتها في صالات القمار، بشكل مرضي يفشل المقامر في السيطرة عليه في أغلب الأحيان، وأن القمار يتسبب ب 80 في المائة من الصراعات الأسرية أو الزوجية للمقامرين، وأن 73 في المائة من المقامرين يواجهون صعوبات في دفع الفواتير، واستخدام 87 في المائة من المقامرين مدخراتهم في المقامرة، وأن ما يقرب من 40 في المائة من المقامرين الكبار نشؤوا في أسرة يقامر فيها أحد الأبوين، فكيف إذا كان الأبوان مقامري؟ تعالوا إذن نتعرف على خديجة وحسن الزوجين المقامرين. خديجة امرأة أنيقة وجذابة لكن هناك هالة سوداء تحت عينيها لم تفلح مساحيق التجميل الكثيفة في إخفائها. هالة يعرفها أرباب القمار بأنها هالة السهر حتى تباشير الصباح الأولى رفقة التوتر والترقب وحالات الانهيار العصبي أثناء ليالي الخسائر. أما حسن فهو رجل مهمل لمظهره لا يكترث كثيرا بما يلبس، ويترك لحيته طويلة، ويرتدي الألوان كيفما اتفق. اعتاد الاثنان أن يراهنا مجتمعين وإليكم تفاصيل يوم قمار في حياة الزوجين. يتوجه حسن وخديجة في بداية ليل القمار إلى مائدة الطعام. تنتقي خديجة الطعام بعناية خوفا على قوامها، بينما يصب حسن صحنين آو ثلاثة في كرشه الذي بدأ يحجب عنه النظر إلى قدميه. يتوجهان معا إلى إحدى طاولات القمار. الطاولة رقم 2 هي طاولتهما المفضلة بحكم قربها من موائد الطعام. كؤوس الويسكي تستقر أمامهما وتبدأ الجولة. 10 آلاف درهم تدفع باتجاه الشاب الذي يدير الطاولة لتتحول إلى أقراص من فئة 250 درهما. تراهن هي على الأرقام 3 و5 و1، بينما يراهن هو على ثلاثة أرقام من العشرينات، تستقر الكرة البيضاء على الرقم 1، فتقفز خديجة متحدية إياه «يبدو أنه يومي». الزوجان متفقان على أن الرابح الأول منهما هو من يقود دفة الليلة، على أن يراهن كل منهما على ثلاثة أرقام فقط. اليوم هو يوم خديجة. تنتقل الأقراص بلطف إلى جوارها ويبدأ الرهان. ساعتان من الشد والجذب وخديجة تحافظ نوعا ما على ما بين يديها من أقراص، تربح مرة وتخسر مرات، فيقرران أن يكسرا حالة التعادل بالتوجه نحو طاولة ال«بلاك جاك«. الأقراص تتضاعف على ال«بلاك جاك». ليس هنالك أشطر من خديجة في هذه اللعبة، ولكنها لعبة غير مسلية فالمقامرون يحبون «الروليت» تلك الطاولة التي اخترعها الشعب الروسي الذي يعيش درجة الاندماج ليشعر بدفء الربح، الذي لم تشعر به باقي الشعوب التي ابتليت بهذه الطاولة. رجع الزوجان إلى طاولتهما التي كانت مزدحمة ووقفا جانبا يراقبان دوران كرة الحظ، التي لا تستقر في مكان، ويبدو أن التخمين هنا سيد الموقف وليس تسلسل النتائج كما يعتاد المقامرون على فعل ذلك. لم يستمر الزوجان طويلا في وضع المتفرج وبدأت رحلة جديدة من المقامرة انتهت بدفع 10آلاف درهم أخرى وارتفاع حدة النقاش بين الزوجين اللذين يعرفهما رواد الصالة، الذين يؤكدون أن لحظات العسل عندهما مقرونة بالربح، والنكد وقلة الاحترام مقرونة بالخسارة، وبهذا يخرج الزوجان بخفي حنين وهما يتبادلان الشتائم في نزال يبدو أن خديجة هي المتفوقة فيه. كنت أتوقع أن لا أراهما ثانية، لكني عدت وشاهدتهما أكثر من مرة يقامران، يربحان مرة ويخسران مرات ولله في خلقه شؤون وعبر.