سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مقامر أنيق خسر في ليلة واحدة أزيد من عشرين مليون سنتيم لطيفة سجلت نفسها في اللائحة السوداء لكنها عادت لتدفع الرشوة للحراس ليسمحوا لها بالدخول إلى صالة القمار
صالة للقمار يؤمها رجال ونساء تتقاسمهم آمال زائفة بتحقيق الثراء كفراشات تجذبها الأنوار دون أن تدري أنها تسعى إلى حتفها. صالة تزينها الألوان، لكنها رغم بهرجها فهي أشبه بفك تمساح، لا ينجو منها إلا من رحم القهار. رابحو اليوم قد يكونون من أسوء خاسري الغد، وخاسرو اليوم قد لا تقوم لهم قائمة بعد اليوم.. تدخل بألف وتخرج بمليون، وتدخل بمليون فلا تجد ثمن أجرة الطاكسي بعد أن راهنت حتى على سيارتك... سلسلة حكايات القمار والليالي الملاح، قصص حقيقية بأسماء مستعارة احتراما لخصوصيات الآخرين من مدينة طنجة . ضاعت دراهم لطيفة. تتوارى عن الأنظار لتعود بعد أن عدلت زينتها. أحمر الشفاه هذه المرة أكثر إعلانا عن شخصيتها أو ربما مهنتها. جلست إلى طاولة فيها فتاتان أخريان. يبدو أن الثلاث من المقامرات الدائمات والمدمنات، يتهامسن عن الحظ. لا حظ لهن هذه الليلة. لطيفة تراهن بحذر على اللون الأحمر، يبتسم لها الحظ هذه المرة، تنسحب لتناول العشاء. لا يوجد حاجز بين المقامرين فهم أكثر ألفة وأكثر انشراحا وتقاربا. اقتربت منها طالبا أن أشاركها العشاء المجاني الذي يقدمه الكازينو للرابحين والخاسرين معا، إذ هو ربما الربح الوحيد الذي يشترك فيه الجميع. سألتني عن هويتي فقلت لها إني سائح سمعت بالكازينو وجئت لزيارته. عرفتني على نفسها بتهكم: «لطيفة خبيرة تجميل ومقامرة». بعد أخذ ورد حول أحوال القمار والمقامرين بدأت تشكو «أملك صالون حلاقه أشقى طوال النهار لأضيع ما أجنيه بالليل، وعبثا حاولت منع نفسي من ارتياد الكازينو، فسجلت اسمي في القائمة السوداء التي تمنع بعض الزبائن من ارتياد الكازينو، لكني لم أستطع أن أقاوم وعدت ودفعت رشوة للحرس ليسمحوا لي بالدخول لأني لا يمكن أن أترك القمار». وتضيف لطيفة «أقتطع ما يكفي أطفالي الثلاثة وأمي العجوز وأراهن بالباقي على أمل أن يبتسم لي الحظ وأعوض كل الخسارات التي تعرضت لها، ولكنه لم يأت هذا اليوم». تسكت كأن صوتا أمرها بالسكوت. تترك صحنها نصف مملوء وترجع للعب، تخسر ما لديها من نقود قبل أن تنزوي في مكان يجلس فيه الخاسرون أو بالأحرى الخاسرات لبدء فصول أقدم مهنة عرفتها البشرية. يناديها أحد الزبائن فتجلس إلى جواره، وترافقه إلى حيث غرفته... هكذا ستعيش لطيفة غدا قصة جديدة الراكض خلف الحظ الساعة تشير إلى منتصف الليل. وجوه رجالية أوروبية حليقة براقة تتوزع على طاولات «الروليت» لإدارة لعبة الحظ رفقة حسناوات من فئة الوجوه البيضاء الجامدة. بكامل أناقتهن ينتصبن كإشهارات الحلوى التي نراها ولا نتذوقها. الحركة في الكازينو عند منتصف الليل تشهد نشاطا ودينامية، فالمقامرون يتفاءلون بالمقامرة في ساعات الصباح الأولى. رفيقنا لهذا اليوم شاب وسيم متوسط الطول، في نهاية العقد الثالث، يرتدي ملابس أوروبية أنيقة وغالية ويتزين بثلاثة خواتم وبقلادتين، إحداهما ظاهرة وكبيرة. يتجه مباشرة إلى حيث يتم صرف النقود، يدفع للمحاسبة مبلغ 10آلاف أورو. لا يحتاج مراقب المقامرين جهدا لمعرفة قيمة المبالغ التي يودون استبدالها بالعملة المغربية، فكل شيء يظهر على شاشة أمام المحاسب. يتجه إلى أقرب طاولة ليغير النقود بأقراص من فئة 1000 درهم، يبتعد بهدوء عن «الروليت»، يقف كعسكري في حالة استعداد، يأخذ نفسا عميقا ويحث الخطى موزعا أقراصه على ست طاولات دفعة واحدة، ثم يتركها ليتجه نحو الطرف الآخر من الممر نافخا دخان سيجارته، ومحتسيا كأسا من الويسكي دفعة واحدة. النتيجة أن اثنتين من الطاولات الست اقترن حظه بهما. إنه زكرياء الراكض وراء الحظ، يختلف عن كل المقامرين، فهو يختار رقما ويراهن عليه في ست طاولات أو أقل أو أكثر حسب إمكانياته. زكرياء شخص محبوب وابن عائلة معروفة، لكن الله ابتلاه ببلوى القمار. اقتربت منه في محاولة لفك طلاسم طريقته الماراثونية في اللعب، وسألته عنها ممازحا، فقال لي إن الحديث عن طريقته قد يجلب له النحس، وتركني بلطف واتجه إلى موائد الطعام، دار على اللحوم البيضاء بعناية، وبدأ يتفحص الطعام ويعطي ملاحظاته للمشرف على الموائد، هواية تشي بمهنته، أو أنه صاحب مجموعة مطاعم. ينهض زكرياء ليوزع أقراصه على الأرقام 8و9 و10 في كل طاولة، لكن طاولة واحدة ابتسمت له، وكان مقدار ما ربحه يعادل تقريبا ما وضعه. لم أفهم الحكمة من المراهنة بمبالغ كبيرة على أكثر من طاولة لتعود إليك هذه الأموال بقليل من الزيادة أو النقصان. يعيد زكرياء الكرّة. مقدار ما راهن به على أربع طاولات هو 50 ألف درهم، تبخرت كلها في أقل من دقيقة. يجلس إلى الطاولة الأقرب إلى الباب وكأنه يستعد للخروج، لكن ما حدث أنه دفع 5 آلاف أورو مرة أخرى وبدأ يراهن على الأرقام الخمسة الأخيرة حتى خسرها عن آخرها. لم تمر ساعة واحدة حتى انتقلت 15 ألف أورو من جيب زكرياء إلى خزانة الكازينو. ولم أعرف لماذا اختفت أناقة زكرياء في عيني بعد خسارته، ربما هو هاجس نفسي. يخرج زكرياء من الصالة، فيما بقيت أبحث عن قصة جديدة. جذبني منظر امرأة عجوز عرفت فيما بعد أنها نصف أوروبية، أخذت أراقب طريقة لعبها ساعة واحدة قبل أن يفاجئني زكرياء بالعودة بملابس أخرى أكثر أناقة وبهاء وفخامة. الكثير من المقامرين يستبدلون ملابسهم لجلب الحظ، والأمر سهل بسبب امتياز يقيمه الكازينو للمقامرين الكبار بمنحهم غرفة فاخرة في الفندق المجاور له. تركت المرأة لأعود إلى زكرياء. 5 آلاف أورو تتحول إلى دراهم مغربية، ومن ثم إلى أقراص لعب من فئة 250 درهما، وبنفس الطريقة أيضا يضيع القسم الأول من ال5 آلاف أورو. يسترخي ويراهن على الرقم 1بنصف المبلغ المتبقي. الكرة البيضاء الشيطانية تدور ليستقر بها المقام فوق الرقم 1. لم يحرك زكرياء ساكنا ثواني قبل أن يصرخ فرحا بشكل هستيري. يبدو أن الضغط النفسي يخرس اللسان. استعاد زكرياء ما خسره بضربة حظ واحدة. كنت أتمنى لو انه ينسحب، لكن ما جناه في دورة الحظ الأخيرة جعله يستمر ويراهن بمبالغ كبرى. في مرحلة من مراحل اللعب اجتمع بين يديه من الأقراص ما قيمته 40 ألف أورو، لكنه لم يتوقف وعاد إلى ماراثونه الذي لم يجن منه شيئا يذكر. احتسى زكرياء أثناء اللعب العديد من كؤوس الويسكي والتهم ثلاثة طيور من الحمام، والحصيلة النهائية لأربع ساعات من القمار خروج زكرياء خاوي الوفاض عكس ما كان عليه قبل أن يدخل. الأصدقاء المقامرون بداية معرفتي بعالم القمار انطلقت خلال رحلة عمل إلى طنجة لمقابلة بعض الشخصيات العربية، التي تربطني بها علاقات صحفية ومهنية. أصدقائي كانوا مدعوين إلى المغرب ويسكنون في فندق موفنبيك في طنجة، ضمن فعاليات ملتقى دولي. بعض من هؤلاء الأصدقاء من المدمنين على المقامرة، لذا اقترحوا علي أن أشاركهم اللعب، فقبلت من باب الفضول لكوني أسمع بعالم القمار ولم أجربه. وفعلا اتجهنا إلى الكازينو، فتوزع الأصدقاء بين الآلات وطاولة «الروليت» روسية الأصل، واكتفيت أنا بالفرجة الأولية من بعيد.