في كل الدول الأوربية التي تعيش بها جالية مسلمة كبيرة، يحاول اليمين اليوم إثارة نقاشات مرتبطة بالمهاجرين ومدى اندماجهم في النسيج المجتمعي الأوربي. عندما خرج الفرنسيون من أصل جزائري إلى جادة الشانزيليزيه للاحتفال بتأهل المنتخب الجزائري للمونديال، حاملين الأعلام الجزائرية، استغرب الفرنسيون الموقف واستنتجوا أن هؤلاء الفرنسيين من أصل جزائري ليسوا فرنسيين مائة في المائة. وتزامن هذا الاستنتاج مع طرح الرئيس الفرنسي وحزبه نقاشا عموميا حول الهوية الوطنية. وفي إسبانيا، أعدت الحكومة قانونا جديدا حول الهجرة موجها أساسا لتقييد هجرة واستقرار عائلات المهاجرين المغاربة في شبه الجزيرة الإيبيرية. في إيطاليا، هناك عودة قوية لتحالف الشمال الذي يدعو إلى تضييق الخناق على المهاجرين، خصوصا منهم المغاربة، وذلك بتسليط الأضواء عليهم في قضية الحجاب والصيام. يجب أن نتذكر، بهذا الخصوص، أن هذا التحالف كان وراء إجبار العمال المغاربة المهاجرين على الإفطار في رمضان أثناء العمل. وبينما يخلط الرئيس الفرنسي، عن قصد، بين البرقع كلباس وبين الإسلام كدين، نجد أنهم في سويسرا استبقوا الأمور وصوتوا لصالح حظر بناء المآذن في مساجد المسلمين. هل هي مصادفة، إذن، أن تتزامن كل هذه النكبات على مسلمي أوربا في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها القارة العجوز. ليس هناك مكان للصدفة، كل شيء مخطط له بإحكام شديد. فالقرن الواحد والعشرون، كما تنبئ له بذلك أندريه مالرو، سيكون دينيا أو لا يكون. لكن هذه الحرب، الخفية تارة والمعلنة تارة أخرى، ضد الوجود الإسلامي في أوربا، تأخذ أشكالا «ديمقراطية» و«قانونية» حتى لا يظهر العالم الحر والمتقدم عاريا على حقيقته، فتتحطم الصورة المثالية التي يريد تقديمها عن نفسه كمجتمع يعطي الدروس حول الأخلاق والمبادئ الديمقراطية لدول العالم الثالث وبلدان العالم «المتوحش». لذلك، فالعالم «الحر» يتخذ قراراته من أجل التضييق على المسلمين بطريقة ديمقراطية، وذلك عبر الاستفتاء والتصويت وقوانين الهجرة التي يصوت عليها ممثلو الشعب في البرلمان ومجالس الشيوخ. وهكذا، مثلا، عوض أن ينصب النقاش الإعلامي اليوم في إسبانيا على قانون الهجرة الجديد الذي يعد الأسوأ في تاريخ إسبانيا، بعد قانون الاشتراكي «فيليني غونزاليس»، نظرا إلى تشدده مع المغاربة، خصوصا في ما يتعلق بالتجمع العائلي، نجد أن النقاش اتجه نحو اقتراح الرئيس الإسباني الاشتراكي تقديم إسبانيا اعتذارها الرسمي على طرد الكنسية الكاثوليكية للموريسكيين من الأندلس نحو شمال إفريقيا، والمغرب على وجه الخصوص. شخصيا، وجدت أن هذا النقاش يبعث على قدر كبير من السخرية. فإسبانيا، التي تخطط لأكبر عملية طرد «قانونية» للمغاربة من فوق أراضيها، منشغلة بقضية الاعتذار إلى مغاربة مسلمين سبق لها أن طردتهم من أراضيها قبل قرون. وإذا كانت الكنسية الكاثوليكية هي من تولى طرد العرب والمسلمين من الأندلس قبل قرون على عهد الملكة «إزابيلا» والملك «فيرديناند»، فإن بصمات الآلة الكنسية المتحكمة في دواليب القرار في قصر المونكلوا بمدريد، عبر وسائل إعلامها وصحافييها ومثقفيها النافذين في الحزب الشعبي اليميني، ليست بعيدة عن صياغة بعض بنود القوانين المتشددة مع المهاجرين المغاربة الذين يشكلون أغلبية المهاجرين بعد الجالية الأمريكية اللاتينية. ما يقلق الكنسية الإسبانية هو سرعة توالد المهاجرين المغاربة، حيث قفزت نسبة الجالية المسلمة في إسبانيا من 3.2 في المائة عام 1998 إلى 13.4 في المائة في 2007. ما يقلق الكنيسة الكاثوليكية الإسبانية أيضا هو ارتفاع أعداد الإسبان الذين يعتنقون الإسلام. وهذا ما أكده مدير مسجد غرناطة مؤخرا، «عبد الحسيب كاستينيرا»، عندما قال إن عدد الإسبان الذين يدخلون في الإسلام أكثر من عدد معتنقيه في كل الدول الأوربية الأخرى. وأضاف: «في مسجد غرناطة لا يمر أسبوع إلا ويدخل في الإسلام واحد، اثنان أو ثلاثة. فقد أصبح عادة عندنا النطق بالشهادتين بعد صلاة الجمعة». والخوف من الإسلام وقدرته الكبيرة على الانتشار ليست مقتصرة على إسبانيا، ففي روسيا أعربت دوائر أمنية صراحة عن مخاوفها من زيادة نسبة الأشخاص المعتنقين للدين الإسلامي من أصل روسي مؤخرا. وأشارت معطيات نشرتها صحيفة «أزفيتسيا»، الصادرة في موسكو، إلى أن هناك 300 ألف روسي اعتنقوا الإسلام مؤخرا. وألمانيا، على سبيل المثال، يفوق عدد المسلمين بها عدد المسلمين بلبنان. أما صحيفة «الديلي تليجراف» البريطانية فقد نشرت مؤخرا تقريرا حذر من أن أوربا تواجه قنبلة زمنية ديموغرافية تتمثل في تزايد مطرد للجاليات المسلمة المهاجرة، مما يهدد القارة بتغيرات جذرية لا يمكن تدارك أبعادها خلال العقدين المقبلين. والأفكار والأرقام التي نشرتها «الديلي تلغراف» ليست سوى ترجمة أمينة للأرقام والمعطيات التي قدمها «فيلدرز»، الأمين العام للحزب اليميني الهولندي المتطرف «هولندا الحرة» ومخرج فيلم «فتنة»، والذي طالب في خطاب وجهه إلى حكومة هولندا والحكومات الأوربية، بوصفه عضواً بالبرلمان الأوربي، بضرورة اتخاذ إجراءات من شأنها إلزام المسلمين المهاجرين إلى أوربا بتحديد النسل، والاكتفاء بطفل أو طفلين كالأسر الأوربية، مؤكدا أن الديموغرافيا السكانية تسير لصالح المسلمين، فبحلول عام 2050 سيشكل المسلمون نسبة %20 من سكان أوربا بعد أن كانوا لا يزيدون على %5، أي أن الأسماء التي ستكون أكثر تداولا في أوربا بعد أربعين سنة من الآن هي محمد وآدم وريان وأيوب ومهدي وأمين وحمزة، وهذا وحده يشكل بالنسبة إلى الفاتيكان كابوسا مخيفا. لذلك، بدأت كل الحكومات الأوربية في التنسيق في ما بينها على الصعيد الأوربي لوقف هذا الزحف الأخضر. فجاءت قوانين فرنسا لحظر ارتداء الحجاب في المدارس قبل سنوات، وتبعها حظر ارتداء البرقع الأفغاني، مع أنه لا علاقة له بالإسلام بل هو زي «ابتدعه طالبان، وتبعته بريطانيا عندما وضعت قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب، اتضح أنها كانت موجهة أساسا لتجفيف منابع تمويل الجمعيات الإسلامية الخيرية في بريطانيا. ووصلت هذه الحمى إلى إسبانيا عندما منعت مدارسٌ دخولَ طالبات بالحجاب، ومنع قاض محامية مسلمة تضع الحجاب من دخول قاعة المحكمة قبل أسبوعين. لكي نصل، في نهاية المطاف، إلى كارثة تصويت السويسريين لصالح منع بناء المآذن في المساجد الإسلامية فوق أراضيهم استجابة لدعوة عنصرية أطلقها الحزب اليميني وباركتها الحكومة من وراء الستار بقبولها عرض المسألة للتصويت. ورافق التشدد والصرامة في تطبيق هذه القوانين تراخ واضح في التصدي للجرائم العنصرية التي يتعرض لها المهاجرون المسلمون في كثير من الدول الأوربية. والرسالة التي تريد هذه الحكومات الأوربية إيصالها إلى مسلمي أوربا واضحة بما لا يدع مجالا للشك، وهي أن المكان لم يعد يتسع للجميع، عليكم أن تختاروا: إما أن تندمجوا معنا كليا أو أن ترحلوا إلى بلدانكم حيث تستطيعون القيام بما يحلو لكم. هذا هو عمق دعوة ساركوزي حول قضية الهوية الوطنية. فإما أن يقبل المسلم في فرنسا بالانسلاخ والتجرد من جذوره الإسلامية العربية أو الإفريقية أو الأمازيغية لكي ينتمي بالكامل إلى العرق الفرنسي والثقافة الفرنسية والهوية الفرنسية، وإما أن يعود إلى حيث توجد جذوره التي يفتخر بها. إن وضع أوربا، كقارة تجمع دولا تتفق جميعها على احترام المبادئ الديمقراطية، لا يسمح لها بأن تقوم بإحياء محاكم تفتيش جديدة على الطريقة الكاثوليكية لطرد العرب والمسلمين من أراضيها كما وقع في إسبانيا، ولذلك تلجأ إلى استعمال القوانين للضغط وإحراج ومضايقة وإهانة هؤلاء المهاجرين حتى يفهموا أن الخلاص يكمن في عودتهم إلى بلدانهم. إنها، في نهاية المطاف، حلقة جديدة ومعدلة ومنقحة من مسلسل «محاكم التفتيش» التي اعتاد الغرب المسيحي القيام بها كلما أحس بزحف الإسلام والمسلمين على أراضيه. وما وقع في سويسرا مؤخرا ليس سوى المئذنة التي تخفي الغابة.