قدر لأبي الجعد، أو «جعيدان» كما تفضل أن تسميها الساكنة، أن تظل مدينة الولي الصالح بوعبيد الشرقي. وهو ما كاد يحولها إلى مزار ديني صوفي، أكثر منها تجمعا سكنيا بمواصفات حضارية. وعلى الرغم من أنها تأسست حوالي سنة 1008 هجرية من طرف سيدي بوعبيد الشرقي، إلا أنها لم تتمكن من التخلص من علامتها المميزة كأرض للشرفاء الشرقاويين، رغم أنها حاولت أن تقوم بدور تجاري بالنظر لموقعها الجغرافي في وسط المغرب. كانت أبي الجعد مجرد زاوية صنفت من بين الزوايا المهمة في تاريخ المغرب، لذلك قامت بمهمتها الروحية والاقتصادية. كما كانت لها مشاركة وازنة في الفعل السياسي، خاصة خلال القرن 19 الميلادي، حيث نجحت في لعبة التوازنات السياسية رغم كل الظروف الصعبة التي كانت يجتازها مغرب ذلك القرن. ونظرا لقيمتها، فقد ظلت تتمتع بظهائر الاحترام والتوقير ومظاهر الإنعام. كإسقاط الضرائب، وأخذ العطايا والأعشار والزكوات، خصوصا على عهد الدولة السعدية ثم العلوية، خصوصا أن الروابط كانت متينة بين الزاوية والمخزن. قبل أن تتحول في بعض الفترات إلى ملجإ للناقمين والمتذمرين من تصرفات المخزن، لذلك عانت أحيانا من التضييق الذي مورس عليها. وهو ما دفع العديد من أبناء الزاوية إلى الهجرة خارج أبي الجعد، بل إن العلاقة وصلت أحيانا إلى حد الاصطدام، كما وقع في عهد الشيخ محمد العربي حيث خرب السلطان محمد بن عبد الله الزاوية، ونفى شرقاوة إلى مراكش سنة 1757 ميلادية. كما تمت على عهد السلطان المولى سليمان الإغارة على قبائل بني زمور، وهم خدام الزاوية الشرقاوية، بعد أن تم نهب أموالها، ونفي الشيخ العربي إلى فاس. لا تملك الساكنة اليوم إلا هذا التاريخ الديني للمدينة. وتحكي عن حاضرها بالكثير من الأسى بعد أن توقفت جل مشاريع التنمية التي انتظرها أهل جعيدان، ومن ذلك أن المدينة لا تزال إلى اليوم تفتقر لمياه الشرب الصالحة، حيث كثيرا ما اكتشف أهل أبي الجعد أنها ملوثة. أما الطرقات، ورغم صغر المدينة، إلا أنها لا تزال محفرة ولم تخضع للإصلاح. لذلك تردد ساكنة أبي الجعد حكاية طريفة تقول إن المجلس الجماعي للمدينة «مكان نحس». هل لأن به زاوية شرقاوة التي تراقب المكان، أم لأن جل الذين تعاقبوا على تسيير وتدبير المجلس الجماعي فشلوا في مهمتهم. لقد كتب أحد أبناء أبي الجعد يقول إنه «ما مرت تجربة من التجارب التي عرفها المجلس على خير ولا استمرت فيه «أغلبية» على حالها حتى نهاية الولاية. بل أنكى من ذلك ألا معارضة استمرت معارضة فيها. فالعجيب أن أغلبيتها مهددة دائما بأن تكون في أي وقت يراد لها أن تصبح فيه معارضة. ومعارضتها تصبح حاكمة بالأمر الواقع، ولو كرهت صناديق الاقتراع» ونكتشف كيف أن المدينة ثابتة لا تتحول. اليوم تتمنى المدينة أن يصلها القطار، بعد أن سارعت لوضع ملتمسها بشأنه، حيث تأمل أن يربط مدينة وادي زم بمدينة بني ملال عبر مدينة أبي الجعد، لما له من أهمية في التنمية، وفي رفع التهميش عن هذه المدينة التاريخية. كما أن مرور الخط السككي عبر أبي الجعد وتادلة لن يكلف الكثير نظرا لشساعة أراضي الجموع من وادي زم إلى تادلة، فضلا عن وجود مجموعة من الدواوير والجماعات القروية التي ستستفيد من هذه الخدمة، دون إغفال أعداد الجنود العاملين بالثكنات العسكرية لتادلة. لا تملك أبي الجعد اليوم، بعيدا عن موسمها الديني وحركيتها الصوفية المرتبطة بالولي بوعبيد الشرقي، غير بعض الأنشطة البسيطة كما هو الأمر مع الصناعة التقليدية، وخاصة في مجال النسيج، والفخار والجير. لتجعل منها مجالا للسياحة القروية، والسياحة التضامنية بوجود للزربية البجعدية والزمورية. إضافة إلى تربية الماشية التي تشمل الأغنام الصفراء ذات الجودة العالية. كما تلعب الثروة الغابوية كسيدي الغزواني ومنتزه بني زرانتل، دورا مهما في النشاط الاقتصادي للمنطقة خاصةً الرعي وقنص الخنزير البري. إضافة إلى وجود محمية لنوع نادر من الغزلان، يطلق عليه اسم «آدم». ولعل موقع المدينة هو الذي فرض عليها هذا النوع من النشاط الاقتصادي حيث توجد على هضبة ورديغة بين هضاب الفوسفاط وسهل تادلة. وهي منطقة كلسية تكسوها تربة الحمري والبياضة قليلة الحصوبة. أما مناخها فشبه قاري، حيث يكون حارا صيفا، وباردا شتاء. مع تساقطات ضعيفة وغير منتظمة مما يفسر صعوبة قيام نشاط زراعي قار مما يعطي للرعي بالمنطقة الاهتمام الأكبر. المجال الصحي هو واحد من البؤر السوداء التي تعاني منها المدينة. وعلى الرغم من وجود مستشفى الحسن الثاني، إلا أنه لا يزال في حاجة لأطر طبية كافية ومعدات. ولذلك كثيرا ما تخرج الساكنة للاحتجاج كما حدث في السنة الماضية حينما خرجت ساكنة أبي الجعد للاحتجاج على تدهور وتردي الأوضاع الصحية بقطاع الصحة العمومية بالمدينة، وتفاقم حدة المشاكل التي يعاني منها المواطنون يوميا بسبب صعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية بمستشفى الحسن الثاني. هذه هي أبي الجعد، مدينة الولي بوعبيد الشرقي والتي اختلفت المصادر في تسميتها، فقد كتب المؤرخ الضعيف الرباطي أنها «بجعد»، وقال الرحالة الفرنسي شارل دوفوكو «ولد جعد». وأحيانا هي «جعيدان» أو أبو الجعدة، أو أبو جعادة، التي تعني الذئب. أما موقعها فقد قال عنه المؤرخون ما معناه إنه «مكان صحراوي خال لا توجد به غير الذئاب والوحوش والأسود». وكتب «دوفوكو» الرحالة الفرنسي الذي زار المدينة سنة 1883 في سياق وصفها «إن وضعية أبي الجعد، بين تموجات سهل محجر ضخم وأبيض، قاسية، فقر فيها المياه، فقر فيها الحدائق، وبدون أهمية المدينة كمركز ديني، وبدون الطابع الذي تعطيه الأضرحة، فإنها تستحق اسم مدينة». اليوم يتداول أهل أبي جعد وعدا كان قد قدمه أحد وزراء الثقافة لجعل المدينة تراثا عالميا، غير أن هذه الترقية لن تكون من أجل حاضرها البئيس، ولكن احتراما لتاريخها، ودورها الديني والصوفي الذي لعبته الزاوية الشرقاوية.