احتضنت مدينة أبي الجعد في الفترة مابين 15 و 19 أكتوبر الماضي، فعاليات الموسم الديني السنوي للولي الصالح سيدي بوعبيد الشرقي تحت شعار « موسم الولي الصالح سيدي بوعبيد الشرقي بابي الجعد : فضاء للإشعاع الديني والروحي والثقافي ، ودعامة للرأسمال اللامادي »، وهو شعار يأتي في جوهره بعيدا كل البعد عما يتضمنه البرنامج العام لهذه التظاهرة التي تعتبر حسب المنظمين مناسبة للإسهام في تنمية وتشجيع الحركة السياحية الداخلية للمنطقة، وخلق دينامية قوية على مستوى مختلف الواجهات ،كما تستهدف حسب المنظمين دائما إبراز الهوية الثقافية والدينية للزاوية الشرقاوية . ومن الغريب أن تأتي هذه التطلعات بصيغة رصف الكلمات المنمقة ، أمام الواقع المزري الذي ظلت تعيش عليه هذه المدينة العريقة التي مازالت تتعثر في طريقها نحو التنمية الحقيقية ، مفتقرة إلى أبسط المقومات المتعلقة بالبنيات التحتية على مستوى مختلف الواجهات: شباب يعاني من الفراغ والبطالة والإقصاء، وانتشار المخدرات بشكل مهول، وافتقار المدينة إلى الفضاءات التربوية والمرافق الثقافية بما في ذلك المكتبات ودورالشباب المؤهلة وفق المخططات التربوية الحديثة، أما الحديث عن مجال التنمية المحلية بمدينة أبي الجعد، فكل المؤشرات الراهنة تشير إلى أن كل الآليات بالمجلس البلدي مشلولة حد الموت، فكيف لجهاز محلي بهذه الوضعية أن يمتلك العزيمة على تحقيق التنمية بهذه المدينة وفق تطلعات ساكنة المنطقة ومتطلباتها؟ أحرى أن نحلم بآفاق موازية تدخل في نطاقها صياغة تصور يقوم على أسس رصينة من اجل وضع مخطط تنموي يعتمد الفعل الثقافي بصياغة تظاهرة على شكل (الموسم السنوي)، يعتمد في أبعاده التنموية استيعاب كل الطاقات بالمنطقة، وبرغم أن موسم مدينة أبي الجعد يعد بحق من أقدم المواسم بالمغرب، إلا أنه فاقد للأهمية التي كان ينبغي أن يكون عليها ، وذلك أمام غياب تصور وجيه يمكن أن يقوم على أساسه هذا الموسم السنوي، فكل المواسم ببلادنا تتطور وتكتسي حللا جديدة إلا موسم مدينة أبي الجعد، الذي لا يميزه في كل سنة إلا مجرد شعارات براقة تتجدد مع كل دورة ، والتي تحتوي تطلعات تظل مجرد رصف لكلمات لا تتجاوز تزيين واجهة المدينة وفضاءاتها أمام بعض الزوار الذين يتوافدون بالمناسبة على هذه المدينة ، ولا يجدون المأوى إلا باكتراء منازل بعض الساكنة من الفقراء الذين يقطنون بجوار ضريح الولي الصالح سيدي بوعبيد الشرقي، والتي توجد في أزقة جد ضيقة تفتقر إلى النظافة من لدن المصالح المختصة، وأفتح قوسين هنا وأتساءل : مدينة عريقة مثل مدينة أبي الجعد، يرجع تاريخ تأسيسها في إطار الزاوية الشرقاوية إلى حدود القرن السادس عشر، مدينة بهذه الحمولة التاريخية لايوجد بها فندق واحد، فكيف بعد هذا أن يتحدث منظمو موسم أبي الجعد عن إمكانية تعزيز تموقع هذه المدينة كوجهة سياحية وهي تفتقر لأبسط البنيات في هذا المنحى؟ كما يلاحظ أيضا غياب / تغييب وسائل الإعلام المحلي بالمدينة، وكذا المثقف البجعدي من هذه التظاهرة، وعلى المستوى التنظيمي يلاحظ أيضا غياب مندوبية وزارة الثقافة في الوقت الذي يتحدث برنامج التظاهرة عن اهتمام المنظمين بالمكونات الثقافية للمنطقة، والتعريف بالمؤهلات التراثية لمدينة أبي الجعد، هذه المدينة الزاهرة التي استطاعت في عهد مضى أن تلعب الدور الفاعل في مختلف المجالات العلمية والصوفية والحضارية حتى كانت بالفعل أحد أهم مراكز الإشعاع العلمي والثقافي والحضاري بالمغرب ، فكيف باليوم أن يخبو إشعاع هذه المدينة، التي أصبحت ترسف في أسوأ الأوضاع على مستوى جميع الواجهات؟ وأعود للتساؤل حول سبب أو أسباب غياب مندوبية وزارة الثقافة من موسم أبي الجعد بخلاف العام الماضي، لأتساءل عن الجهة التي يمكن اعتمادها للإشراف على التطلعات الثقافية التي وردت ضمن البرنامج المسطر في هذه الدورة ؟ وبالمناسبة ، فإن ذكر مندوبية وزارة الثقافة بهذه المنطقة يأتي كالضرب على الوتر الحساس خصوصا عندما نستحضر الحمولة التاريخية التي تتمتع بها حاضرة شرقاوة بهذه المدينة المباركة ، التي لايزال أهلها الطيبون يعيشون أمام غياب مخطط تنموي هادف ووجيه فقط على بركة الولي الصالح سيدي بوعبيد الشرقي، فإن المخطط الثقافي لهذه المندوبية فارغ عن آخره في هذا الاتجاه المتعلق بمدينة أبي الجعد ،ويعمل بدوره أيضا على ترسيخ هذا الفراغ الثقافي والفكري والإبداعي بهذه المدينة مجلسها البلدي ، مدينة ضاعت ذاكرتها أمام غياب الاهتمام بالتوثيق لهذه الذاكرة المحلية ، التي تزخر بالعديد من الأعلام الذين أعطوا في مختلف مجالات العلم والفكر والثقافة الروحية ، هذه الذاكرة التي تزخر أيضا بالعديد من الأحداث والوقائع بما فيها البطولات الوطنية وحركة المقاومة التي أعطت رجالا افدادا استحقوا بالفعل أن يخلدوا في الذاكرة الوطنية ، فلا يكاد يعرف عنهم أبناء هذا الجيل أي شئ أمام هذا التهاون وعدم الاعتبار لهذه القيم الحضارية الرفيعة لمدينة أبي الجعد ، فمثل هذه المكونات التي تجسد للقيم الحضارية هي التي كان يجب أن تتصدر برنامج موسم المدينة ، ليكون التصور العام هو ربط الماضي العريق للمدينة بحاضرها المجيد ، المتطلع إلى الآفاق الزاهرة ،وذلك بإحياء ذاكرة المدينة ، واستحضار أمجادها وأعلامها ، ومثل هذا التصور لا يمكن أن يتحقق للجهات التي تشرف على تنظيم موسم أبي الجعد ولا يستقيم لها إلا بإشراك المجتمع المدني بالمدينة ممثلا في جمعياته بمختلف مجالات أنشطتها ، إلى جانب مفكري المدينة ومثقفيها والمهتمين بتراثها وعادات أهلها وتقاليدهم . وأسأل المنظمين ختاما : هل حققت تظاهرة موسم مدينة أبي الجعد هذه السنة محتوى شعارها ، أم هو مجرد شعار/ ديكور يتصدر التظاهرة ؟ هذا، وعلى إيقاع الفوضى العارمة التي عرفتها الساحات والأزقة الضيقة في آخر يوم من أيام موسمها السنوي ، عاشت مدينة ابي الجعد ليلة ليلاء بين الرعب والارتباك والفوضى ، مازال أبناء المدينة يروونها كما تروى الأساطير والحكايات الى جانب ضريح الولي الصالح (سيدي عثمان ) .