«البادي أظلم»، يقول المثل الشعبي. إنما في متابعة تداعيات مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر ليس لنا بالانحياز إلى هذا الجانب أو ذاك، بل نعلن الأسى والأسف على العقل العربي الذي لم يستطع الانفتاح والتوسع بحيث يستوعب مباراة رياضية لا قبل بدئها ولا بعد إعلان نتائجها. فلقد وضع الحكام العرب نقطة على سطر أزمات شعوبهم الكثيرة، وبخاصة لجهة تأمين السقف الإنساني، وتأمين الطعام، وفي البلدين الأكبر لجهة عدد البشر والمساحة، الجزائر ومصر، وتفرغوا للمنافسة «غير الرياضية». الأزمة السياسية والرياضية والدبلوماسية بين الجزائر ومصر وتداعيات الأحداث التي رافقت المباريات الثلاث بين المنتخبين كانت محور «ما وراء الخبر» من قناة «الجزيرة». حتى الآن يكفي تلك الأزمة أن تعالج في نصف ساعة، لكن إن لم تثمر جهود الرئيس الليبي معمر القذافي في حل تلك الأزمة، وبقيت في حال تصاعد، فإننا نظن أنها ستستحوذ على عناوين كافة البرامج السياسية، ليس في «الجزيرة» وحسب، بل في غيرها كذلك. «ما وراء الخبر» عالج الأزمة الجزائرية المصرية إثر صدور دعوات «لضبط النفس» عبر الصحافة الإسرائيلية. تصوروا مدى العار الذي نعيشه! آخر دولة احتلال ودولة تطهير عرقي وعنصري تدعو شعبي مصر والجزائر إلى «ضبط النفس»! وأن نصل إلى هذا المستوى من الإذلال فهي مسؤولية حكام لاذوا بالصمت المطبق بعد المباراة الأولى التي جرت في الجزائر، وعندما تكلم أحدهم مؤخراً كان في فمه ولاّعة، وابتعد عن منطق تبريد الأجواء. ضيفا «ما وراء الخبر» المختصان في الشؤون السياسية والمنتميان إلى كل من مصر والجزائر نطقا بما يشبه الدرر. وكنا نتمنى لو كان حكامنا يتميزون في مثل هذه الأزمة برجاحة العقل والمنطق التي حلل بها الأمور كل من الدكتور عمرو الشوبكي من مصر والدكتور حسني العبيدي من الجزائر، فالأول حمّل الإعلام في كلا البلدين المسؤولية لأنه خرج عن الحدود المهنية، والثاني حمّل اللاعبين والمدربين المسؤولية لأنهم تحولوا على الشاشات وفي الصحف إلى محللين سياسيين وليس رياضيين. كما لفت إلى غياب أي تصريح رسمي مسؤول يبرد الأجواء في كل من البلدين. الشوبكي تساءل عن الأزمات الاقتصادية التي يتخبط فيها البلدان العربيان الكبيران، والعبيدي كان أكثر تحديداً عندما قال إن إطلاق ذلك الخلاف دون أفق وبلا حساب بين الشعبين هو نوع من امتصاص نقمتهما جراء فشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية للحكومات، وبالتالي تشكل تلك الأزمة المتصاعدة بين الشعبين خدمة للنظامين. لا بد من احتواء الأزمة، إنما لا خطوات عملية ظاهرة من السياسيين حتى الآن سوى حركة الرئيس القذافي. الضرورة تقتضي لملمة تلك الكارثة التي وصلت إلى حدود الجريمة بحسب قول الدكتور الشوبكي. والكارثة الأكبر أنها وصلت إلى الفن والفنانين والثقافة والمثقفين وكشفت ضحالتهم الفكرية والمعرفية. كما كشفت استعدادهم للرد غير الفني وغير الثقافي، وانزلاقهم إلى مستوى بشع من الشوفينية. الفنان عادل إمام برز من بين الفنانين المصريين بترجيح صوت العقل على صوت الغوغاء الذي انحدر إليه كثيرون. ويا ليت الآخرين يحذون حذوه، إذ تكفينا شوفينية سياسية، ولسنا بحاجة إلى شوفينية ثقافية وفنية ورياضية أيضاً. فهذا عيب والله. شهرزاد وشهرايار «The Perfect Bride» أصبح مدبلجاً بالعربية «قسمة ونصيب» البرنامج الذي بدأت «إل بي سي» بثه يوم الجمعة الماضي في دورته الثانية وجديده دخول المذيعة رزان مغربي إلى شاشة لبنانية بعدما شاهدناها طويلاً على شاشة «إم بي سي»، وجديده أيضاً مرحها بتمني أن يلحقها النصيب في هذا البرنامج تحقيقاً لرغبة مستمرة لدى والدتها في أن ترى ابنتها عروساً. في كل الحالات، يمكننا القول إن البرنامج الذي استقبل 13 فتاة من الدول العربية مقابل 7 شبان ليس بالعادل كما هي الحياة بالتمام والكمال، ذلك أن معادلة الاختيار راجحة وبقوة لصالح الشباب. وإن سألنا عن السبب سيقال لنا وبدون عجب هذه هي شروط شراء حقوق البرنامج لا أكثر ولا أقل، و13 فتاة كافيات لتأمين سيروة البرنامج على مدى 13 أسبوعا، وهي الدورة البرامجية الطبيعية. نحن بصّامون عن الآخرين ليس في الموضة والتكنولوجيا وحسب، بل كذلك في البرامج التلفزيونية. بيننا وبين الإبداع والابتكار مسافة ضوئية! نعود إلى المعادلة غير العادلة التي دللت الشباب وعززت حضورهم بوجود أمهاتهم كمراقبات عن قرب لحركة الفتيات. أما الشباب فلهم أن يبصبصوا على البنات من خلال شاشة كبيرة موضوعة في جناحهم. إنها شهرزاد التي عليها بذل كل جهد ممكن كي تفوز برضى شهريار. ليس شهريار وحسب بل والدته كذلك. تلك الوالدة التي تحمل عينها المراقبة مباشرة على الهواء وتحدد موقفها من X أو Y من الفتيات في مساء كل يوم جمعة. وبناء على رأي الأمهات وتصويت الجمهور يتقرر مغادرة هذه أو تلك من الفتيات، وذلك طبعاً بعد شرح الأسباب التي هي في الغالب سلوكية ومن طبائع البشر. وفي هذا الجانب، نشير إلى «علقة» الفتيات مشرقاً ومغرباً بعضهنّ ببعض، حيث انهمر البكاء مدراراً من إحداهنّ، نظراً إلى ضيقها من السلوك الفوقي لأخرى. ولم ينته الجدال والشريعة إلا بعد تذكير صارم من إحدى الأمهات: «نحنا ع الهوا يا بنات». تراجع الصوت واستمر النحيب بعد هذا التحذير. وبالعودة إلى صلب الموضوع من وجهة النظر الثقافية والموضوعية نسأل: أليس معيباً في عصرنا أن تعرض فتاة نفسها على الشاشة لتنتظر أن يوافق هذا الشاب وأمه على أن تكون «شهرزاد» حياته؟ حتى وإن كانت اللعبة التلفزيونية تمتاز وتهدف أولاً إلى «Entertainment»، ليس لصالح فتاة في بداية الألفية الثالثة أن تعرض نفسها كما البضاعة الاستهلاكية، وليس لصالح فتاة أن يكون هاجسها أن تتحرك وتتنفس وتتكلم وفق ما يرضي الآخر، الرجل، وإلا يقال لها كما في لعبة الشطرنج «كش برا يا بنت» وليس «كش ملك». في لعبة تلفزيون الواقع كما في برنامج «قسمة ونصيب» دخول في لعبة الزواج، وهي الأكثر دقة في حياة البشر، والأكثر خصوصية في مراحل الحياة كافة. فكيف لهذه المرحلة من الحياة أن تتم على الهواء وعلى مرأى من الملايين، بل كذلك في حضور الأمهات. كما أن السلطة في هذا البرنامج بنسبة 75 في المائة تعود إلى تصويت الجمهور، وهو الذي سيقرر الموافقة على بقاء مشروع العروس هذه أو تلك أو رحيلها. كما أن هذا الجمهور يحقق الهدف الأول والأخير للمؤسسة التي تقدم برامج من هذا النوع وهو الربح من خلال التصويت عبر الهاتف. والسلطة الثانية مسندة إلى الأمهات لأنه عليهن في كل أسبوع أن يرشحن أربع فتيات للوقوف في دائرة الخطر. فكيف لهؤلاء الأمهات أن يتعاملن مع الموقف لو كانت فتياتهن في غمرته؟ المهم أن «قسمة ونصيب» يحيي عصر «سي السيد» ويضع الفتاة في قالب التصرف والسلوك الذي يرضي العريس، وهو متابعة لسلوك اجتماعي عالمي بشكل عام وشرقي تحديداً يمكن وصفه ب«الظالم للمرأة»، إذ يضعها في موقع وموقف انتظار طلب الرجل ليدها. والسلوك الاجتماعي الحضاري، والسلوك التلفزيوني المختلف والجديد يكمن في إتاحة الفرصة للفتاة كي تختار الشاب وتطلب يده تماماً كما هي فرصة متاحة للشاب. فما الذي يمنع المجتمع من التغيير والتعديل؟ أما الخبر الأهم في «قسمة ونصيب» فهو ما تناقلته وسائل الإعلام ولم يتم تأكيده من مصدر محايد من أن باتريسيا وباسل اللذين شكلا «الكوبل» الأول الذي زفه برنامج «قسمة ونصيب» أعلن انفصاله مع انطلاق الموسم الثاني للبرنامج، فإذا كان ذلك صحيحاً فهذه بادرة غير مشجعة.