وأخيرا، نجح اليمين المتطرف السويسري -بقيادة التجمع الديمقراطي للوسط والتجمع الديمقراطي الفيدرالي- في مشروعه المعادي للإسلام، بتخويف المواطنين السويسريين والدفع بهم إلى التصويت لصالح منع بناء مآذن جديدة بسويسرا. وسقطت نتيجة 57 في المائة لصالح المنع كما تسقط المقصلة على بريء حكم عليه بالإعدام.. وليس هذا «الإنجاز» سوى محطة أولى في مشروع متكامل ومحكم، الهدف منه الضغط نفسيا على المسلمين والدفع بهم إلى مغادرة سويسرا، كي تبقى «سويسرا للسويسريين»، وهو الحلم الذي يغذي شرايين أحزاب اليمين المتطرف الأوربي، من بلجيكا إلى فرنسا مرورا بهولندا وألمانيا. وليست النتيجة ردة فعل لنزوة سياسية عابرة، بل محصلة نشاط إعلامي وتعبوي منظم قاده اليمين المتطرف، الذي استغل كل الشعارات الشعبوية الساذجة المعادية للأجانب والمسلمين تحديدا، ل«استهداف» وعي السويسريين. وهكذا، شحذ منذ ثلاث سنوات سكاكينه ضد الإسلام والمسلمين، حيث استغل كل الرموز والعلامات، من الحجاب إلى البرقع مرورا بختان النساء، الزواج القسري، تطبيق الشريعة ثم أخيرا المآذن، لتحويلها إلى فزاعات. في قضية المآذن، اندلع السجال ببلدة فانغين باي أولدين عام 2006 لما رخصت محكمة البلدة بتشييد صومعة بطول ستة أمتار على سقف مركز المجموعة التركية. فقد كانت تلك الشرارة الأولى لنقاش حاد في موضوع الحريات الدينية، ما لبث أن اتخذ بعدا سياسيا وطنيا. ودخل على الخط التجمع الديمقراطي للوسط والتجمع الديمقراطي الفيدرالي لشجب ما أسمياه «الزحف الإسلامي المتطرف» في سويسرا ولطرح «مبادرة شعبية»، الغاية منها منع المآذن. ومن غرائب الدستور السويسري أن أي مواطن أو حزب أو هيئة بإمكانها تغيير أحد البنود بمجرد حصول الاقتراع على 100.000 صوت، الشيء الذي استحقت عليه سويسرا لقب بلد الديمقراطية المباشرة! وبعد المقاربة بين الصومعة والصاروخ على يافطات وملصقات أحزاب اليمين، تجرأ أوسكار إيريسنجير، المؤسس لحزب الاتحاد الديمقراطي للوسط وأستاذ اللغة الألمانية بمدينة صهيون، وهي مدينة صغيرة فرانكوفونية، على تقديم تفسير فانتاستيكي لرمزية الصومعة، ك«قضيب» يرمز إلى سلطة وفحولة الرجل المسلم على المرأة، وعلى رغبة التحكم في الإسلام! ومن غرائب البلد أيضا أن «الإسلام السويسري» «إسلام أوربي» أساسا، تمثله أغلبية تنحدر من أوربا، وتحديدا من البلقان! فمن بين ال400.000 مسلم الذين يعيشون في سويسرا، 48.000 يحملون الجنسية السويسرية. أكثر من نصف هذا العدد مشكل من مسلمين أوربيين، ينحدرون من البلقان. 20 في المائة أتراك. ويمثل المغاربيون أقلية ضمن هذا العدد. ولا يتعدى عدد المآذن أربعا، موزعة على أربع مدن: جنيف، زوريخ، فينترهور، وفانغان باي أولتين. وتتواجد في البلد قرابة 130 مركزا إسلاميا، يهتم أغلبها بتعليم اللغة والدين. وإلى الآن، تعايشت الجالية المسلمة مع بقية الجاليات الدينية من دون تشنج ولا انكماش إثني، بحكم البند ال72 من الدستور الفيدرالي الذي يضمن السلم والتعايش بين مختلف المجموعات الدينية. عاشت الجالية المسلمة هذه التعددية، وبلا صدام، على الرغم من حملات التشويه التي رفعها اليمين المتطرف على اليافطات والملصقات التي حولت المآذن إلى صواريخ! لكن بعد التصويت على مقترح منع المآذن الإسلامية، سيحدث انفراط في العقد المشترك لتتحول الجالية الإسلامية على إثر ذلك إلى كبش فداء، الشيء الذي يخدم أغراض الإسلام الأصولي، ويشجع دولا أوربية أخرى على مراجعة مواقفها من الإسلام. وهكذا ما إن عرفت النتيجة حتى تصاعدت في فرنسا أصوات سياسية تمثل اليمين واليمين المتطرف، داعية إلى منع المآذن الإسلامية! يبقى السؤال: أي موقف للدول العربية الإسلامية التي تسمن أبناك سويسرا بالبيترودولارات؟