أسبوعية "أخبار الأدب" المصرية تعيد فتح أزمة المآذن السويسرية توظيف الأزمة الاقتصادية وأطماع الاستحقاقات الانتخابات تقفان وراء اندلاع الأزمة "موضوع رفض بناء المآذن وما قد يكون وراءه من فوبيا الإسلام يٌشبه النكتة غير الموجودة إلا في أذهان النخب السياسية السويسرية والإعلام العربي!"، بهذه الخلاصة المثيرة، افتتح الأديب والصحافي المصري عزت القمحاوي، ملفا قيّما للغاية صدر في العدد الأخير من أسبوعية "أخبار الأدب" القاهرية، (عدد مؤرخ في 14 فبراير الجاري)، حول تبعات أزمة المآذن في سويسرا، وذلك في ختام زيارة قام بها لمدن زيورخ وبرن وبازل وبادن، التقى خلالها بالعديد من النخب السويسرية في الفكر والسياسة والأدب. وتميز الملف بإجراء سلسلة حوارات مع هذه النخب، صبّت على الخصوص في التأكيد على البعد السياسي والانتخابي لأزمة المآذن بسويسرا، كما صبّت في تحذير المسلمين المقيمين في الغرب، من مطبة توظيف الأحزاب اليمينية بأوروبا لانعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية على أوضاعهم في الدول الأوروبية. برأي مُعد الملف، لا يمكن تفسيرما جرى يوم الأحد 29 نونبر 2009 (يقصد تاريخ تصويت حوالي 57 في المائة من السويسريين على مقترح يدعو إلى حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا)، وحدها رهاب الإسلام أو "الإسلاموفوبيا" (islamophobie) الذي بدأ اليمين السيوسري في تنميته، معتبرا في آن، أن المسلمين في سويسرا عموما، يتحملون جزءا من المشكلة، حيث نجد أن هناك مجموعات مختلفة من المسلمين، بعضها ينتمي إلى دول واتجاهات بعينها، تتصارع فيما بينها، حيث يتحدث الكل باسم الإسلام، والسويسريون يستقبلون كل هذه التصرفات على أنها الإسلام. وأضاف الأديب عزت القمحاوي أن استفتاء المآذن نجح على الخصوص في وقف المزيد منها في سويسرا بإرادة شعبية، تتعارض مع مواثيق حقوق الإنسان، ولكنه فتح بابا للنقاش حول قدرة الشارع على اتخاذ القرارات الصائبة، وبالتالي حول مخاطر الديمقراطية المباشرة التي تنفرد بها سويسرا بين دول العالم، وهي للمفارقة، أقرب إلى أسلوب الشورى في الإسلام، يضيف القمحاوي. من جهته، أشار جيري موللر، عضو حزب الخضر، ويشغل العديد من المناصب البرلمانية وناشط سياسي في أكثر من مجال، أن سويسرا تضم أقلية مسلمة يناهز عددها 370 ألف، "لم نكن نعرف أنها مسلمة، لأنها تذهب إلى العمل وإلى النادي، تفعلون ما نفعل، ولم تكن هناك تجارب سيئة مع المسلمين في سويسرا، لولا أنه تم الشروع خلال السنين الأخيرة في نقل صور من دول مجاورة تُصوّر المسلمين على أنهم لا يندمجون"، وأضاف جيري موللر الذي يشغل منصب رئيس لجنة السياسة الخارجية وتسيير الأعمال بالمجلس الوطني، ورئيس الاتحاد المهني السويسري للتمريض، ومنسق حملة "الزحف العالمي ضد عمالة الأطفال"، أن منبع المشكلة، يُشبه مشكلة طفل يخشى النمر، ورغم أن سويسرا لا تعرف النمر، إلا أن اليمين السويسري، قام بترويج صورة هذا النمر لدى الرأي العام، مُعتبِرا أن قطاعات عديدة ممن وافقوا على حظر المآذن الجديدة، صوّتت في الواقع ضد الأجانب. أما جوسيان أوبرى، رئيسة لجنة العلوم بالبرلمان، فاعتبرت أن الحسابات السياسية طغت في خلفيات الأزمة، مؤكدة في هذا الصدد، أن أغلب الاحزاب المعنية، كانت معنية بعدم فقدان الناخبين في حالة الوقوف ضد المبادرة، ولم تتردد في الإقرار بأن بعض النخب السياسية السويسرية، "تعرضت للخيانة في واقع الأمر"، خاصة عندما نستحضر أن "التيار اليميني استمال نساء اليسار لصالح منع المآذن من خلال الحديث عن أوضاع المرأة في الإسلام". بالنسبة لتوامس لايلي، مدير المكتب الدولي لمؤسسة بروهلفيسا الثقافية (مؤسسة دولية مرموقة)، فأكدّ بدوره أن الضجة التي أثيرت حول المآذن، ليست دينية في المقام الأول، ولا علاقة لها بالإسلام، وإنما جزء من لعبة سياسية، والسياسة جزء من الواقع المعقد، مختصرا الأزمة في مبادرة من حزب يميني حاول أن يكسب أصواتا انتخابية في الواقع، محذرا بدوره من استغلال هذه الأحزاب صعوبة المعيشة وحشد خوف المواطنين من فقدان أعمالهم، وهو الحشد، الذي يتم اليوم في سياق العولمة، يخدم خطاب التخويف من الأجانب والتلميح بخطر الإرهاب. وأخيرا، اعتبرت الكاتبة إلما راكوزا، أن الذين صوّتوا لصالح حظر بناء المآذن، تعرضوا لأبواق اليمين الذي بث في المصوتين الرعب من مجيء الأجانب الذين سيأخذون أعمالهم ثم يشرعون في بناء المآذن، أي أن تركيبة غريبة من المخاوف هي التي حركتهم وعبروا عنها في شكل رفض المآذن، واصفة بصراحة أدبية جليّة بأن الأمر برمته سيء للغاية، ومقرة في آن أنها تشعر بالخجل لأن هذا الاستفتاء تم في سويسرا.