رغم الفرح الذي دب في أوساط الأحزاب السويسرية الداعية إلى حظر المآذن بسويسرا بعد ظهور نتائج الاستفتاء حول هذا الموضوع لصالحها, عبر عدد من سياسيي هذا البلد ونظرائهم الأوروبيين عن خيبة أملهم من هذه النتيجة التي عدتها صحيفة بريطانية عارا على سويسرا ومثار قلق لأوروبا كلها. كل الجهود ذهبت هباء قالت صحيفة « ديلي تلغراف» البريطانية إن كل الجهود التي بذلها كثير من رجال الأعمال السويسريين ، خاصة من لديهم مصالح بالدول الإسلامية والعربية ، وكذلك ما قامت به الحكومة السويسرية وعدد كبير من سياسييها ، كل ذلك لم يفلح في إقناع السويسريين بالتصويت ضد القرار المطالب بحظر بناء المآذن في سويسرا. ونقلت في هذا الإطار ردة فعل رئيس لجنة مبادرة حظر المآذن، وولتر ووبمان ، بعيد صدور نتائج الاستفتاء حين قال "نحن سعداء للغاية, فاختيار السويسريين حظر المآذن انتصار لسويسرا ولحريتها ولمن يريدون مجتمعا ديمقراطيا فيها, فهدفنا هو فقط وقف المزيد من أسلمة سويسرا". لكن الصحيفة نبهت إلى أن كثيرا من السياسيين الأوروبيين والسويسريين على حد سواء عبروا عن خيبة أملهم من هذه النتيجة, إذ عدها رئيس الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي ، أندريس غروس، "صفعة في وجه كل من لديه فكرة عن حقوق الإنسان". وأضاف أن هذا ينم عن نقص في المعلومات وفي التربية السياسية في سويسرا, ولهذا انجر الناخبون السويسريون وراء عواطفهم, وهذا إن دل على شيء ، فإنما يدل على أن ديمقراطية سويسرا المباشرة قد فشلت من أساسها, على حد تعبير غروس. وصمة عارفي جبين سويسرا صحيفة ال«غارديان» خصصت افتتاحيتها لنتائج هذا التصويت ، واستعرضت في البداية ما قالت إن السويسريين يدعونه لأنفسهم ، قائلة "يدعي السويسريون أن بلادهم هي واحة للحياد الإيجابي والتنوع والتسامح, وقد أصبحوا أغنياء بفعل الاتجار والصيرفة بأموال الناس من كل أنحاء العالم, كما أنهم يؤوون مهاجرين أغنياء تركوا بلدانهم هربا من الضرائب. وأضافت أن سويسرا تؤوي كذلك مقرات لمنظمات دولية عديدة, بما في ذلك عدد من المنظمات التابعة للأمم المتحدة, وأشارت إلى أن مواطني هذا البلد "تنكروا لمظهر "العالمية" الذي هو سمة لبلدهم عندما صوتوا بأغلبية كبيرة لصالح تعديل دستور بلادهم ، بحيث يتضمن مادة تحظر بناء مآذن المساجد". وتلك النتيجة -حسب غارديان- تمثل في واقع أمرها وصمة عار في جبين سويسرا ومثار قلق لكل أوروبا, إذ رغم أن هذا التصويت كان فقط حول بناء المآذن ، فقد استدرج من خلاله الناخبون عبر الدعاية الانتخابية إلى التعبير عن رأيهم بشأن الدين والعرق. وقد قبلت سويسرا أن تشمل حملة هذا الاستفتاء ملصقا انتخابيا لم يكن أي بلد أوروبي آخر ليسمح به عندما تركت أكبر الأحزاب المناهضة لبناء المآذن يعرض لافتة انتخابية تحمل رسما لمسلمة منقبة وغابة من المآذن الشبيهة بالصواريخ ، وفي الخلفية علم سويسرا بلونيه الأبيض والأحمر, على حد تعبيرها. وقد أكدت ال«غارديان» أن صورة هذا البلد قد تشوهت, وتنبأت بأن يعاني نتيجة لتصويته , غير أنها حذرت من توجيه اللوم لسويسرا وحدها, قائلة إن المعارضة المتزايدة للهجرة ، وصعود اليمين المتطرف ، ونشر الرعب والخوف من الإسلام ، تنطبق على سويسرا بنفس القدر الذي تنطبق فيه على دول أوروبية أخرى مثل بريطانيا. وأضافت "ربما لو أجريت استفتاءات حول موضوع مماثل للذي صوت حوله السويسريون في دول مثل فرنسا وبريطانيا والنمسا وهولندا، لما اختلفت النتيجة كثيرا". فكل الدول الأوروبية -حسب قولها- ترى في الهجرة مسألة شاقة, بل إن الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، هرمان فان رامبوف ، هاجم في إحدى المرات طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي بوصفه يهدد "المثل الأساسية للمسيحية", وما ينبغي للجميع أن ينتبه إليه هو أن السياسيين، الذين يزرعون بذور الكراهية ، قد يتسببون في إحداث ضرر رهيب.