يقع مسجد الإمام سيدي عبد الجبار في قلب قصر المعيز بمدينة فجيج التي تحتضن قصورها السبعة عددا كبيرا من المساجد، متفاوتة الأهمية التاريخية أقدمها مسجد الصومعة الحجرية بقصر الوداغير، والذي يعتبر تحفة أثرية تقليدية من المفاخر العمرانية بفجيج. مسجد سيدي عبد الجبار، نسبة إلى مؤسسه العلامة الإمام عبد الجبار الفجيجي المتوفى حوالي 918 هجرية، شرع في إنشائه بعد عودته من رحلته العلمية الطويلة أواسط القرن التاسع الهجري، وشهد عمليات ترميم وتوسيع قام بها أبناؤه وحفدته من بعده، كان آخرها التجديد الذي خضع له في ثلاثينيات القرن الماضي. ويذكر محمد بنعلي بوزيان أستاذ باحث في التراث الفجيجي وعضو المجلس العلمي المحلي بالمدينة نفسها، أن المسجد ليس في معماريته ميزة فنية فارهة تستوقف المرء وتشد انتباهه، لكن لا يخلو من لمحات جمالية فطرية بديعة، مثل دقة التماثل وروعة الانسجام بين أقواسه القائمة على قواعد مربعة سميكة جدا، يبرز في أعلاها مربع صغير كانت توضع عليه الشموع والقناديل والفتائل الزيتية، وينتهي كل قوس قبل السقف بشريط ناتئ يعكس سلامة ذوق البناء الفجيجي، وقدرته على اللعب بالطين، وقابليته للعطاء والإبداع الخلاق. أما سقف المسجد «فخط طويل من خشب النخيل المنجور بدقة عجيبة، يصل بينها غطاء من قضبان الدفلى، في شكل صفوف متراصة من المعينات، مصبوغة بالأحمر والأخضر، يتوسطها صف بلون الدفلى الطبيعي المعرى من لحائه، وهذا النوع من السقوف كان دليل نعمة وانبساط في الرزق». ويتوسط المسجد فناء صغير تحمله أربعة أعمدة مقوسة متناسقة، ذو نوافذ تحقق للمسجد الإنارة الطبيعية، ومزيد من التهوية من الجهات الأربع، وسقفه المكون من الحديد والإسمنت يؤكد أنه من الإضافات الحديثة الغريبة عن شكل المسجد ومواده التي تلائم البيئة الصحراوية، ووسائل بنائها البدائية التي يشكل الطين وخشب النخيل لحمتها وسداها. لمسجد الإمام عبد الجبار ثلاثة أبواب هي الباب الغربي، ولعله الأصلي الذي يصل بين المسجد وخلوته التي كان ينفرد بها للعبادة والقراءة والذكر، وتحتضن الآن ضريحه، تحت قبة جنائزية بيضاء شامخة، والبابان الشرقيان، أحدهما هو المدخل الرئيس الآن، وثانيهما ثانوي، وفي وسط جدارهما (جدار القبلة) يقوم منبر مجوف، تؤطره زخارف بسيطة، لا تمثل الكتابة جزءا منها. وعلى بضعة أمتار، حسب وصف الباحث نفسه، تعلو منارته المربعة حوالي ستة عشر مترا على الأرض، يمكن أن تلامس جامورها المفتوح على الفضاء الواسع بعد اجتياز عدة أدراج من خشب النخيل، وقد تم تشييدها في القرن التاسع عشر. ليس بحذاء المسجد مرافق للنظافة والطهارة، لأن الإمام استغنى عنها بالمغتسل الذي حفره والده تحت الأرض، ثم بنى فوقه مسجده، ولا زال المغتسل يقاوم عاديات الزمن في شموخ وإباء إلى اليوم، شاهدا على براعة الأجداد وشدة تفانيهم وجميل صبرهم على نحت الصخور وقهر الأعماق. وما يسترعي الانتباه في مسجد عبد الجبار الفجيجي ذلكم المنبر المنزوي في إحدى زواياه الذي صنع في عام 1933م، وهو تحفة فنية رائعة، تتميز بألوانها البديعة المتناسقة، والآيات المنقوشة بإتقان على جنباته وهي قوله تعالى من سورة التوبة / الآية 18: « لإن ما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، ولم يخش إلا الله…»