يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. كان على أوستروفسكي ورفاقه أن يشرعوا في دورة مكثفة حول فن التصوير وأن يتعلموا طرق استخدام مختلف أنواع الكاميرات وكيفية تظهير الأفلام، كما تعرفوا على مختلف أنواع العدسات والتقاط الصور من أجهزة خفية، مثل حقائب وغيرها من لوازم السفر، وأوضح أوستروفسكي أن زميلا لهم قرر تحويل دروس التصوير إلى عمل مربح، حيث توجد منطقة على طول الشاطئ الشمالي من تل أبيب ليست بعيدة عن النادي الريفي، حيث تقف بنات الهوى في انتظار زبائنهن من الرجال، الذين يأتون إلى هناك بسياراتهم ويأخذونهن خلف كثبان رملية لقضاء لحظات حميمية وينطلقوا بعدها بسياراتهم، لذلك قرر زميله أن يستخدم معدات التصوير الليلية في عمله هذا، حيث كان يقف على إحدى الكثبان الرملية ويصور الرجال وسياراتهم وينقل وقائع تلك اللحظات التي تلتقي فيها بنات الهوى مع الزبائن، ويلتقط صورا فاضحة ومثيرة في نفس الوقت. كان الزميل يفتح الجهاز على أرقام لوحات السيارات للتعرف على عناوينهم وابتزازهم، من خلال اقتحام كمبيوتر الشرطة ونيل البيانات الخاصة بالسيارة وصاحبها، لكن بعض الأشخاص تقدموا بشكوى ضده وجرى تأنيبه واعتقد الجميع أنه سيفصل من عمله لكن ذلك لم يحصل. حسب وجهة نظر الموساد، فإن التقاط مثل هذه الصور قد يكون وسيلة إقناع قوية لتجنيد العميل، وهناك رواية عن مسؤول كبير في إحدى الدول تم تصويره في الفراش مع غانية تم تجنيدها لهذا الغرض، ثم بعد ذلك قامت الموساد بعرض دليل مغامراته الماجنة ووضعوا أمامه الصور بغرض التعاون معهم لكن رد فعله لم يكن الصدمة والخوف، فقد أعجب بالصور وقال إنه يرغب في عرضها على جميع أصدقائه، وقال أوستروفسكي: «لا داعي للقول إن تلك الطريقة في تجنيده قد فشلت تماما». استمرت الدورة التأهيلية وتدرب فيكتور ورفاقه على كيفية التعامل مع وحدات الاستخبارات في مختلف البلدان العربية، كما حضروا محاضرات عن الشرطة الأوروبية ودرسوا عن القنبلة الإسلامية وزاروا عددا من القواعد العسكرية، كما زاروا المفاعل النووي في ديمونا، وقد ادعت السلطات الإسرائيلية في البدء أنه معمل نسيج ثم محطة ضخ إلى أن حصلت وكالة الاستخبارات المركزية على أدلة مصورة تثبت أن المبنى يضم مفاعلا نوويا، كما زاروا مفاعلا صغيرا للأبحاث. وبعد أن افتضح أمر المفاعل تم الإعلان رسميا عن مشروع إسرائيل النووي «السلمي»: «رغم أنه قد يكون أي شيء عدا أن يكون سلميا»، كما يبدو من خلال مكوناته والغاية منه والاهتمام الكبير الذي حظي به. وفي عام 1986 كشف إسرائيلي، من أصل مغربي، اسمه موردخاي فعنونو، والذي كان قد عمل في ديمونا قبل أن ينتقل إلى أستراليا، النقاب عن قضية مثيرة وقال إنه هرب آلة تصوير إلى داخل المفاعل، والتقط صورا لمرافق إعادة تصنيع سرية للغاية موجودة في عدة طبقات تحت الأرض والتي ذكر في حينه أنها تخزن «بلوتونيوم» خاص بالأسلحة، كما أكد أن الأسرائيليين ساعدوا حكومة جنوب إفريقيا في تفجير جهاز نووي في أقصى جنوب المحيط الهندي. ونظير «جهده»، نال فعنونو نصيبه من العقاب وحكم بالسجن لمدة 18 سنة بتهمة التجسس بعد محاكمة سرية في القدس، وقد قبض عليه الموساد بعد أن استدرجته صحفية جميلة إلى يخت في شاطئ البحر الأبيض المتوسط من روما وكانت تشتغل كصحفية في «التايمز اللندنية» وتستعد لنشر قصته والصور التي التقطها إلا أن عناصر المخابرات قامت بتخديره وتهريبه على ظهر سفينة إسرائيلية وحوكم بسرعة وسجن على الفور. وقال أوستروفسكي: «من مشاهدتي الخاصة لمفاعل ديمونا، كان وصف فعنونو دقيقا للغاية وليس هذا فحسب فقد كانت تحليلاته أكثر دقة»، وتساءل على غرار رفاقه عن سر عدم استثمار الجهاز لنباهة الإسرائيلي مغربي الأصول. خلال الدورة كان «الكاتسات» المتدربون يتعلمون أيضا آخر صيحات نظام الاتصالات الدولي، خاصة خط البحر الأبيض المتوسط الذي ينبثق من باليرمو/ صقلية، حيث يرتبط بالأقمار الصناعية ويبث أغلب الاتصالات العربية. ومن ملامح دورتهم الدراسية المنتظمة ورقة «قياس العلاقات الاجتماعية»، وهو ما يعرف لدى السوسيولوجيين ب«سوسيو ميتري دو مورينو»، وكانوا يقدمونها كل أسبوعين حيث يسجل كل واحد منهم في قائمة الأشخاص المشاركين في الدورة ويرتبهم حسب الأفضلية من نواحي مختلفة، قبل الاستعداد للامتحان النهائي، وخلال أسبوعين سيصبحون «كاتسات» مكتملي التكوين.