يسود شعور لدى المعطلين، الحاصلين على إجازات فما فوق بالمغرب، بضرورة تجاوز حالة السبات العميق الذي لازمهم طيلة سنوات، ولزوم التخلص من جمودهم ولامبالاتهم اتجاه قضيتهم الأساسية والمصيرية، ألا وهي المطالبة بحقهم في الشغل ولا شيء غير الشغل، وإن أي نكوص أو تردد في ذلك معناه إقامة صلاة الجنازة على أمنية الحصول على وظيفة أو عمل قار والتي هي أمنية كل الفئات المعطلة في هذا البلد. ضرورة هذا التقديم ما بات يشهده مسلسل التشغيل مؤخرا من تصعيد في العنف الموجه ضد المعطلين المرابطين بالرباط للمطالبة بحق من حقوقهم الدستورية، ومن أفعال تنحو نحو إقبار قضية التشغيل من طرف الدولة، أو تجزيئها وحصرها في فئات دون أخرى أو مجموعات دون غيرها من قبل بعض المجموعات المرابطة بالعاصمة، وهو ما يجعل المشهد غامضا وغير مفهوم. لنتصور من باب التوقعات فقط، لو فكر كل معطلي المغرب في الالتحاق بالرباط للتظاهر والمطالبة بحقهم في الشغل. لنتأمل جيدا هذا السؤال، على بساطته، خصوصا وأن أي احتجاج للمعطلين في الوقت الراهن يجد كامل مشروعيته ومسوغاته في ما يلي: - عجز الحكومات المتعاقبة عن صياغة حلول ناجعة لأزمة البطالة، وفشل كل المقترحات التي ابتدعتها من عقد ندوات وطنية للتداول حول التشغيل، وتجريب استراتيجيات معظمها آل إلى الفشل (برنامج التشغيل الذاتي، برنامج مقاولتي، الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل...). كما أن الآمال التي عقدت على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لم تعمل سوى على إنعاش جيوب المسؤولين القائمين عليها ومن هم تحت إمرتهم بمداخيل إضافية لا أقل ولا أكثر. - زيادة أفواج العاطلين الحاصلين على إجازات سنة بعد أخرى. - وعود الأحزاب المشكلة للحكومة قبيل الانتخابات التشريعية بتخصيص 250 ألف منصب شغل سنويا. - عدم قيام القطاع الخاص بالأدوار المنوطة به في ما يخص قضية التشغيل... إن تفاقم أزمة البطالة سببه، عمليا، هو عجز الدولة، من خلال فشلها في تدبير آفة البطالة وتوفير بدائل قمينة باستيعاب الأفواج المتزايدة من خريجي الجامعات. ثم ألا يعتبر هذا الأمر مبعثا للتساؤل والاستغراب، إذ في الوقت الذي تؤكد فيه الجهات الرسمية عدم وجود مناصب شغل، يستمر مسلسل إنتاج أفواج من المعطلين، فترسخت بذلك مقولة: «شهادات أكثر مما يجب ومناصب شغل أقل مما يجب». هذا في وقت يتم فيه إغفال وتجاهل جملة إجراءات وحلول قد تثبت نجاعتها وقابليتها للتطبيق، وبالتالي قد تكون لها نتائج وانعكاسات إيجابية على سوق الشغل. ومن بين هذه الإجراءات نذكر ما يلي: إعادة النظر في كيفية إجراء امتحانات التوظيف التي لازالت تعتمد على مستوى البكالوريا. تخفيض أجور الوزراء وكبار موظفي الإدارات والمؤسسات العمومية... إعادة النظر وبكل جرأة في الغرفة الثانية المكونة للمؤسسة التشريعية دون مردودية تذكر. إعادة النظر في تعويضات نواب الأمة في الغرفة الأولى... إن مواجهة معضلة البطالة صار مطلبا حتميا ومستعجلا لاحتواء حالات الإحباط واليأس البادية ملامحها على جل المغاربة صغارهم وكبارهم، والتي من شأنها أن تؤدي إلى وقوع قلاقل واضطرابات اجتماعية. وإذا كانت الدولة قد استطاعت إخماد بعض الإحتجاجات هنا وهناك (صفرو وسيدي إيفني نموذجا) فلا أحد بإمكانه التكهن بما يخبئه المستقبل في ظل ضغط الحياة المعيشية واستمرار الغلاء الفاحش وتفشي الفساد وهلم جرا..