هو شبيه، في فرادته وحماقاته وغرائبه، بأسواق المغرب الحضرية الشهيرة كدرب غلف بالبيضاء وسوق الأحد بأكادير وسوق العفاريت بآسفي، إلا أن حرارة وخفة التعامل المراكشي تعطيانه صبغة خاصة وانفرادا عجيبا بين شخوصه وزبائنه وعوالمه التي تختلط فيها النكتة والحيلة مع العار والخفة، وبراعة الاحتيال مع كثير من حكايات الواقع التي تظل تتردد وتتداول على كل لسان لما فيها من عجائبيات البيع والشراء. بباب الخميس بمراكش، هناك شعار سري وساري المفعول بين الباعة، يقول باختصار وحكمة شديدين: «الشاري عما»، أي أن المشتري أعمى، يبقى فقط على البائع أن يحسن ويعرف كيف يستغل الفرصة ليبيع معروضاته بأثمان خيالية، خاصة تلك التي تكون فيها عيوب خفية تظل مختبئة حتى يغادر الزبون السوق ويكون البائع قد قبض ثمنه وانفض المجمع، ولا يهم لو ظهرت العيوب بعد ذلك، فكأنك اشتريت حليبا وشربته وبعدها تأكدت أن تاريخ صلاحيته منتهٍ، لكن بعد فوات الأوان! «المْدَرَّح»، الاصطلاح الذي يطلقونه للدلالة على السلع المغشوشة بباب الخميس، يبتدئ من الزرابي والمفروشات والتجهيزات الخشبية الحديثة، إلى التحف القديمة والهواتف والحواسيب النقالة، التي تجاور اللوحات التشكيلية وقنينات الزجاج الفارغة ومتلاشيات أوربا حتى أسرة المستشفيات القديمة وأواني السجناء، وأفرشة تراثية وثمينة لعجائز من عائلات عريقة توفوا وتركوا كؤوس «البلار» وساعات حائطية ألمانية وأفرشة صالات «الموبرة الحرة» وأواني فضة بن جلون وريشار رايث البريطانية. بباب الخميس، الذي يمتلئ يوميا حتى درجة الازدحام بزبائن الهواتف النقالة كما يزدحم الموظفون على شبابيك البنوك نهاية كل شهر، بيعت لوحات تشكيلية أصلية للرسام العالمي الشهير بيكاسو على رصيف الأرض بثمن لا يتعدى ثمن «دجاجة رومية» هزيلة الوزن. وبذات السوق، اشترى زبون أجنبي ثري ساعة حائطية قديمة جدا في شكلها ب15 مليون سنتيم ولما فتح محركها، بعد مدة، وجده يشتغل بمحرك ساعات الصين رخيصة الثمن التي تباع ب10 دراهم وتشتغل ببطارية صغيرة الحجم. الغفلة هي ملكة وسيدة اللحظة المناسبة بدون منازع بسوق باب الخميس، والفرصة هناك كحذاء.. إما أن يكون على مقاسك أو لا يكون حتى تدخل إليه رجليك وتمشي بدون عثرة في ممشاك. وهنا يمكن أن تجد 40 فردا يتدافعون بالأيدي والأكتاف ويطيلون الأعناق من أجل هاتف نقال تافه، فيما واحد بمفرده يشتري جنبهم كؤوس «بلار» أو أطباق طاووس إنجلترا أو قفطان «ملف النمس» بخيط الذهب أو لوحة لبيكاسو أو فان غوغ أو جاك ماجوريل، لم ينتبه إليها أحد غيره ولن تعاود الظهور لتعرض للبيع مجددا، فقط لأن صدفة التلاقي مع النادر والنفيس بثمن بخس أصبحت اليوم كصدفة العثور على أرقام «اللوطو» مجتمعة. هل كان بيكاسو، أو أي أحد غيره يعرف حقيقة قيمة لوحاته، سيذهب إلى باب الخميس بمراكش ليزدحم من أجل شراء هاتف نقال بألف درهم ويترك لوحة تشكيلة ب50 درهما، فيما قيمتها الحقيقية تساوي ثمن فيلا فاخرة على الصفوف الأمامية لغولف النخيل؟ في باب الخميس بمراكش... فعلا «الشاري عما» والفرصة «عمية» لا تأتي دائما في الوقت المناسب ولا تختار دوما الشخص المناسب...