سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بوصوف: الحكومة والبرلمان يهمشاننا إذ لم يسبق لهما أن أحالا على مجلس الجالية أي قضية قال إن إمارة المؤمنين ضامنة لحرية معتقد المسلمين واليهود والمسيحيين
في هذا الحوار يتحدث عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عن النقاش الدائر حول المشاركة السياسية لمغاربة العالم، ومواقف الحكومة والأحزاب منها. كما يتطرق إلى التحديات الدينية التي تواجه مغاربة العالم، خاصة فئة الشباب التي يقع جزء منها فريسة سهلة في أيدي من وصفهم بتجار الموت. - وجهت قبل أيام انتقادات إلى الحكومة والأحزاب الممثلة في البرلمان بشأن تعاطيها مع قضية المشاركة السياسية لمغاربة العالم. هل ترى أن المجلس حُمّل مسؤولية تتجاوز مهامه الاستشارية؟ لا أقول إنهم يحملوننا المسؤولية، ولكن يقع هناك نوع من الخلط في المسؤوليات مرده غموض في فهم موقف المجلس في الفضاء المؤسساتي الوطني والأدوار المنوطة به. فمهمة المجلس استشارية وليست تنفيذية؛ لأن كل ما يتعلق بالجانب التنفيذي هو من اختصاص الحكومة. وهذا ما تعكسه في بعض الأحيان بعض الأسئلة المتعلقة بما قدمه مجلس الجالية. لكن في حقيقة الأمر هو مجلس له مهمة تتمثل في التفكير، والقضايا التي يشتغل عليها لها طابع استشاري. فموضوع الإسلام، مثلا، اشتغلنا عليه منذ سنة 2009، وأصدرنا حوله دراسات علمية تتعرض للقضايا التي نواجهها اليوم. فالمجلس كانت له نظرة استباقية للأحداث، حيث تطرقنا، على سبيل المثال، إلى ضرورة تأطير الأئمة والعمل على تكوينهم بما يتوافق وظروف الواقع الأوربي. وقد خصصنا لذلك مؤتمرا، بشراكة مع المجلس الأوربي بستراسبورغ وبرعاية أمينه العام، توج بعد ذلك بإصدار كتاب، يمكن اعتباره خارطة طريق لمعالجة هذه القضايا. وأكدنا على أن الإسلام لا بد أن يتوفر على كفاءات عالية بتكوين مزدوج، بالإضافة إلى ضرورة التحدث باللغات الأوربية. وقد سبق هذا المؤتمر حدث لا يقل أهمية، حيث طرحنا للبحث والنقاش في مدينة الدارالبيضاء موضوع «الإسلام في أوربا أي نموذج؟» تمت فيه مساءلة المختصين والأكاديميين والفاعلين في الحقل الديني في الدول الأوربية حول مدى قدرة الإسلام على التفاعل مع الواقع الجديد والاستجابة للأوضاع الجديدة التي يوجد فيها، على اعتبار أنه كان في بلدان أغلبيتها مسلمة، والآن صارت هذه الأغلبية أقلية. وقد خلصنا إلى الدعوة إلى العمل على أقلمة الإسلام وتكييفه مع واقع هذه المجتمعات الجديدة. هذه الأسئلة كما نلاحظ هي الأسئلة الحارقة التي تواجهنا اليوم، وقد تم طرحها سنة 2010، وصدرت أعمال هذا المؤتمر في كتاب يحمل نفس العنوان. - موضوع الإسلام سنعود إليه لاحقا، لكن دعنا نفصل شيئا ما في السؤال المرتبط بالمشاركة السياسية للجالية. هذه فقط أمثلة حول آرائنا الاستشارية، التي تحتاج إلى من يفعلها، فالحكومة هي الأداة التنفيذية بطبيعة الحال. أما بخصوص المشاركة السياسية، فكلما أثير هذا الموضوع ألقيت علينا المسؤولية، في حين أننا أصدرنا كتابا حول النقاشات التي راجت داخل المجلس، فكان اقتراحنا هو التدرج، بالبدء بالمشاركة على مستوى مجلس المستشارين إلى غاية إنضاج الفكرة والوصول إلى الغرفة الأولى. لقد أصدرنا الكتاب بعد مناقشات مستفيضة بين جميع أعضاء المجلس، ويتضح من خلاله أننا لا نرفض المشاركة من الناحية المبدئية، بل اقترحنا مجموعة من الآليات. لكن رغم كل ذلك هناك من يحملنا مسؤولية المشاركة السياسية، في حين أن الإمكانيات التشريعية ليست في يدنا، بل في يد الحكومة والمؤسسة التشريعية. - هل تعتقد أن الحكومة والأحزاب تنقصهما الجرأة لتحمل مسؤوليتهما في الموضوع، أم أن الملف أكبر من مجرد صراع أو تجاذبات بين الأغلبية والمعارضة؟ هذا الملف حساس ويحتاج إلى توافقات، لأنه مرتبط بمعيش أزيد من 4 ملايين مغربي، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك تصرف أحادي الجانب، بل يجب الحرص على وجود توافقات بين جميع المكونات السياسية، وحتى مع المجلس. الموضوع يحتاج إلى نوع من الهدوء لنتناقش جميعا ونتحمل مسؤوليتنا بشكل مشترك، لأن الملف لا يحتمل المزايدات. فنحن، كمجلس، لنا كامل الاستعداد للنقاش مع الحكومة في هذا الأمر والخروج بمقترح يستوعب مطالب الجالية المغربية، ويستجيب للانتظارات، ويجيب عن التحديات، كما يحفظ مصالح الدولة ومصالح هذه الجالية، بالإضافة إلى أنه يعلي من الدور الذي تلعبه الأحزاب ويثمنه. أنا لا أسعى إلى تحميل المسؤولية للأحزاب السياسية بقدر ما أدعو إلى فتح نقاش عمومي واسع للوصول إلى توافقات حول هذا الملف، لأن النجاح فيه هو نجاح لكل المغاربة من مختلف المكونات، كما أن الفشل، لا قدر الله، هو فشلنا جميعا. - لماذا ربطت المشاركة السياسية لمغاربة العالم بإمكانية قطع الطريق عليهم لتقلد مناصب عليا في البلدان الأجنبية؟ لا يتعلق الأمر، هنا، بموقف بقدر ما يتعلق بتساؤلات الغاية منها فتح نقاش عمومي واسع يأخذ جميع المعطيات بعين الاعتبار. فالملاحظ، اليوم، أن القضايا الكبرى التي تواجه الجالية تتمثل أساسا في الإسلاموفوبيا والعنصرية والتهميش والأزمة الاقتصادية. وعليه، فمن المشروع طرح مثل هذه الأسئلة. فاليمين المتطرف وحتى اليمين التقليدي يستعملان جميع الوسائل لتهميش وإقصاء الجاليات العربية والمسلمة بصفة عامة. ونحن رأينا كيف استغل اليمين المتطرف، وكذا التقليدي، انتساب نجاة بلقاسم إلى مجلس الجالية كي لا تتولى وزارة في فرنسا، لأنهم يعتبرون أن هذا الانتساب هو ولاء لبلد أجنبي ومشروع مجتمعي آخر. كما رأينا الهجوم الذي تعرض له أحمد بوطالب داخل البرلمان عندما تولى مهام كاتب الدولة في هولندا لكونه يحمل جواز سفر مغربيا. إن السؤال المطروح الذي يتوجب التفكير فيه بعمق هو: ألن تكون قضية المشاركة السياسية سلاحا في يد اليمين المتطرف في فرنسا، مثلا، لضرب الجالية المغربية؟ يجب، إذن، وبكل مسؤولية، أن ندرس ما سنربحه وما سنخسره في مثل هذه الاختيارات، لأن طرحنا هذا السؤال لا يعني رفض المشاركة السياسية، بقدر ما نريد توسيع دائرة النقاش لنأخذ موقفا على بينة من أمرنا، ولا نندم عليه فيما بعد. فدور المجلس هو طرح هذه الأسئلة، التي تغيب عن مجموعة من الفاعلين، وتوسيع النظر لتشمل مختلف العناصر المحيطة بالإشكالية، خاصة أن المسلمين، والمغاربة ضمنهم، يعيشون أياما عصيبة وتنتظرهم أيام أكثر قسوة مما هي عليه اليوم. في خضم هذه الإشكالات، كيف تقيم حصيلة هذه الحكومة فيما يتعلق بقضايا الجالية، خاصة أنك بعثت مؤخرا رسائل تنتقد غياب السفراء ومغاربة العالم عن مناصب المسؤولية؟ عندما أقول هذا الكلام أربطه بمسألة المشاركة السياسية، لأننا ننسى أن هناك أمورا جد مهمة يتم تجاهلها عندما تُثار هذه المسألة. فقد أشرت إلى غياب التعيينات في المناصب العليا، رغم أن مغاربة العالم يتوفرون على كفاءات عالية أثبتت جدارتها في تحمل المسؤولية داخل بلدان إقامتهم. وهذه أمور لا تحتاج إلى نقاش أو قوانين جديدة. لذا نتمنى أن يتم تعيين مستشارين ثقافيين من أبناء الجالية، الذين يتوفرون على إنتاجات علمية مهمة، وقد أبان معرض الكتاب الأخير بأن هذه الجالية تتوفر على نخب ثقافية ولدت وعاشت ودرست في تلك البلدان وأصبح لها موقع قدم في هذه الدول. وماذا عن إمكانية تعيين وزراء من الجالية؟ بطبيعة الحال هناك وزراء من الأحزاب السياسية، وهناك أيضا وزراء تكنوقراط، وأعتقد أن لدينا كفاءات مغربية عالية. ونفس الشيء بالنسبة إلى المستشارين الاقتصاديين في السفارات المغربية، الذين يحيطون بالمعطيات الاقتصادية للبلدان التي يقيمون بها، ولهم علاقات واسعة ستمكنهم من التعريف بالمنتوج المغربي وجلب الاستثمارات. اليوم لدينا مجالس الحكامة، التي يمكن أن يعين فيها أعضاء من الجالية، وعلى الحكومة أن تبادر إلى تخصيص المقاعد اللازمة لها. علاوة على ذلك، عندما يكون هناك نقاش عمومي حول قضايا مهمة، كإصلاح التعليم وغيره، لا بد من إشراك الجالية. أنا أعتقد أن هناك آليات للاعتراف بالكفاءات وإشراكها في الأوراش الكبرى في البلاد. ألا تدخل هذه الأمور في المشاركة السياسية بالمعنى الواسع للكلمة؟ - هل تلمسون في المجلس نوعا من التهميش من طرف الحكومة والبرلمان، خاصة أنه لم تتم استشارتكم حول مشروع قانون يتعلق بممتلكات مغاربة العالم الذين يحولون إقامتهم إلى المغرب؟ طبعا لم تتم استشارتنا، علما أن الظهير المنظم للمجلس ينص على ضرورة إحالة الحكومة مشاريع القوانين عليه لإبداء الرأي فيها. وعليه قمنا بمراسلة رئيسي مجلسي النواب والمستشارين، لكن لم يصلنا أي جواب لحد الآن. هذا نوع من التهميش العملي للمجلس، علما أنه كان بإمكان الفاعل الحكومي أن يفتح نقاشا مع المجلس حتى لو لم ينص الظهير على ضرورة إحالة مشاريع القوانين، من أجل الاستئناس بالرأي على الأقل. ما يمكن أن أقوله هو أننا نشعر بعدم المبالاة بالمجلس وعدم الاهتمام بما قد يبديه من آراء. - من طرف الحكومة أو من قبل البرلمان؟ لحد الساعة لم تتم إحالة أي قضية على المجلس، سواء من طرف البرلمان أو من طرف الحكومة. - أيمكن الحديث عن وجود توتر؟ ليس هناك توتر، بل إن المؤسسات الاستشارية التي ليست لها سلطة تقريرية ما زالت لم تأخذ بعد مكانتها المستحقة، باعتبارها مؤسسات داعمة للعمل الديمقراطي وذات فائدة كبرى. وبالتالي فالأمر لا يقتصر على المجلس، بل على المؤسسات الاستشارية بشكل عام، وقد لاحظنا النقاشات التي تمت مع مجلس المنافسة وهيئة الوقاية من الرشوة. - بالعودة إلى الدراسات التي سبق للمجلس أن أصدرها حول الإسلام في أوربا، هل توقعتم أن يكون المغاربة من أكثر الجنسيات الموجودة داخل ما يسمى ب«تنظيم داعش»؟ المغاربة بصفة عامة لديهم عاطفة دينية، ولا يعادون أي دين. فهناك دائما ارتباط بالدين ومحاولة لفهمه، لكن في غياب التأطير والمرافقة يقع الشباب المنتمي إلى الجالية المغربية في الخارج ضحية تجار الموت. فأوربا أصبحت سوقا كبيرا تعرض فيه جميع «البضائع» و«المنتوجات» الدينية، ويمكن أن أقول إن منتوجنا الديني لا يزال ضعيفا، على اعتبار أن المنتوج الغالب هو القادم من مدارس دينية غريبة عن المجتمع المغربي. فضعف هذا المنتوج وغياب المرافقة الشاملة جعلا فئة من الشباب تقع فريسة هذه الإيديولوجيات. لذا علينا أن نعيد النظر في المقاربة المعتمدة في المرافقة الدينية من أجل التأطير. أشير فقط، على سبيل المثال، إلى غياب الكتب الدينية التي تعبر عن الإسلام المغربي باللغات الأوربية. فالآن لدينا شباب مغربي في بعض المقاطعات الألمانية يتعلم الدين الإسلامي على طريقة المذهب الحنفي، لأن الأتراك هم الذين ينتجون هذه الكتب. لا بد، إذن، أن نقوم بعمل كبير من أجل ترجمة الكتاب المغربي ليوجه إلى الجاليات المغربية في العالم. وأعتقد أن نموذج التدين المغربي يصلح لهذا العصر، لأن له القدرة على الإجابة عن الإشكالات المطروحة في المجتمعات، وهو نموذج سيقتنع به حتى الأوربيون. - التشيع من الإشكالات الدينية التي تهدد أيضا فئة من مغاربة العالم. -بطبيعة الحال، وهذا يرجع إلى نفس الأسباب المرتبطة بالفراغ التي أشرت إليها سابقا. فالمذهب الشيعي لم يستهو المغاربة منذ زمن طويل، إذ كانت هناك احتكاكات مع الدولة الفاطمية التي كانت تأتي إلى المغرب، وكان المغاربة دائما يرفضون هذا المذهب، لأن حب آل البيت بالنسبة إلينا جزء من ديننا وتديننا، ولن يزايد علينا أحد في حب النبي وآل بيته. فالمغاربة كان لهم نوع من الحصانة، لكن في الغرب هناك، اليوم، فراغ يدفع الشباب المغربي الذي يحمل عاطفة دينية إلى أن يلجأ إلى ما يملأ به هذا الفراغ ويستجيب لعواطفه الدينية وحاجياته الروحية، فيتم تأطيره ب«المنتوج» الديني المعروض، الذي يرتبط بإيديولوجيات لا تمت بصلة إلى تراثنا الفقهي والحضاري أو بالتشيع الذي ينشط وسط هؤلاء الشباب من أجل توسعة قاعدته. - هذا يعني أنه يمكن الحديث عن اتساع الهوة بين شريحة من الشباب المغربي في الخارج وهويته؟ لا يمكن أن نقول بأن الهوة اتسعت، لأن الأمر يتعلق بفئة من الشباب المغربي، في حين أن نسبة أخرى مازالت تتمسك بثوابت التدين المغربي والعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتوجه الصوفي السني، وهي تمثل مجموعة كبيرة. لكننا في حاجة إلى مزيد من التأطير والعناية. وأنا أهيب بالجامعات المغربية أن تفتح أبوابها للشباب للدراسة فيها، على اعتبار أنهم يتوجهون إلى اليمن والعربية السعودية والسودان وجنوب لبنان لأنه ليست لدينا فصول داخل الجامعة لاستيعابهم. على الجامعة أن تهتم بهؤلاء الشباب، وتفتح لهم أبوابها لتدريس اللغة العربية والدين الإسلامي. الشباب الذي لديه عاطفة دينية يريد أن يدرس بعمق الدين الإسلامي، لكنه لا يجد مكانا داخل المغرب. ولا شك أن المعهد المخصص للأئمة سيساهم في التكوين، لكن الجامعة يجب أن تفتح أبوابها لهؤلاء الشباب، الذين لديهم رغبة في دراسة العلوم الإسلامية والشرعية، ولم لا تخصص لهم منحا قصد تشجيعهم على القدوم إلى المغرب، لأنهم قد يتوجهون إلى دول أخرى لديها إيديولوجيات مخالفة، وهو ما سيساهم في إنتاج نماذج متناقضة مع ثوابتنا. كما أهيب أيضا بالناشرين المغاربة بإعطاء الأولوية لنشر الكتاب الإسلامي باللغات الأوربية، وأن يتم توزيعه، كما هو الشأن بالنسبة إلى دور النشر اللبنانية والسعودية التي تقوم بتوزيعه مجانا. المساجد في أوربا غارقة بالكتب الموزعة مجانا، التي تأتي من كل حدب وصوب، فيما نسجل غيابا تاما للكتاب المغربي. طبعا هناك مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف التي تساهم في تغطية جانب من هذا الفراغ، لكننا نسجل نقصا كبيرا على مستوى الكتاب والإنتاج المعرفي. - ومن يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟ هل العلماء وحدهم أم الدولة بشكل عام؟ لن أبحث عمن يتحمل المسؤولية، بل لا بد أن تكون هناك يقظة جماعية على اعتبار أننا نتحمل جميعا المسؤولية لأن هؤلاء أبناؤنا، أبناء الوطن. الأهم الآن هو الاشتغال بشكل مشترك على إيجاد الأجوبة الصحيحة والسليمة التي ستعمل على إنقاذ أبنائنا. فكلنا مسؤولون بقدر أو بآخر، ويجب أن نعمل بشكل جدي وبسرعة لأن الوقت يداهمنا. الدول الأوربية تحركت بعد أحداث «شارلي إيبدو»، وفي فرنسا أصبحنا نسمع يوميا أخبارا تتعلق بقضية الإسلام، إذ هناك دعوات من مثقفين فرنسيين إلى إصلاح ديني جديد. - في خضم هذه القضايا التي اشتغل عليها المجلس تثار مجموعة من الانتقادات يمكن تلخيصها في سؤال حول حصيلة عمله من أجل الجالية. هذا السؤال مشروع، فعدد من الأطراف تطرحه، وقد أشرت في البداية إلى وجود خلط وعدم فهم لمهام المؤسسات الاستشارية. فالناس يحاسبوننا على الإنجازات، في حين أن المجلس لا يقوم بمهام تنفيذية، فمثل هذه المهام تدخل ضمن اختصاص الحكومة. المجلس يقوم بالتفكير والبحث في قضايا الجالية، وقد بذلنا جهدا كبيرا في هذا المجال، حيث أصدرنا إلى حد الآن قرابة 100 كتاب أغنت فضاء المكتبة المغربية، التي لم تكن تضم عناوين تهتم بقضايا الهجرة والجالية، في مختلف المواضيع المتعلقة بالسياسة والدين والثقافة والمرأة والشباب وغيرها. طبعا هذه قيمة مضافة تحسب للمجلس، ولا بد أن يعتمد عليها الفاعل السياسي والحكومي، لأن رسم السياسات العمومية لا يجب أن يتم من فراغ وإنما على أساس ما تحقق من تراكم معرفي. ومن أمثلة ذلك أننا أصدرنا كتابا حول الإسلاموفوبيا في وسائل الإعلام الغربية، بتعاون مع دار الحديث الحسنية، وزودنا المكتبة الوطنية بأكثر من ألف عنوان حول الهجرة. لقد خلق المجلس في نسخته الأولى دينامية لم تكن في بلادنا، وهذا الأمر لا ينازع فيه أحد. - وما هي أبرز القضايا التي سيركز عليها المجلس في ظل هذا السياق المطبوع بالإسلاموفوبيا ونزعات التطرف الديني؟ موضوع الشباب هو أبرز قضية سنركز عليها، لأن هذه الفئة هي ضحية للتهميش والإسلاموفوبيا، وبالتالي يسهل استغلالها من طرف حفار القبور وصناع اليأس والموت. لذا لا بد أن يكون هناك جهد للاعتناء بالشباب عبر توفير التأطير الديني السليم والمنسجم مع سياقات مجتمعات الإقامة، ومساعدتهم على مواجهة الصور النمطية وتقديم صورة مغايرة، لأن الإنسان المغربي بطبعه مسالم وعنصر أمن واستقرار في المجتمع الذي يعيش فيه وليس مصدر قلق. يجب أن نحاول، عن طريق هؤلاء الشباب، أن نبلغ هذه الثقافة التي تتميز بالتعدد والاعتراف بالآخر والتعايش والتساكن والانفتاح. المجلس يشتغل، اليوم، على مجموعة من المعارض، منها معرض خاص بالأماكن الدينية لغير المسلمين في المغرب لنبين أن أماكن العبادة، سواء كانت مسجدا أو كنيسة أو بيعة يهودية، لها جميعا نفس درجة القداسة ولا يمكن أن تمس بسوء. والدليل على هذا الاحترام هو أن أماكن العبادة هذه موجودة في ربوع المغرب منذ قرون ولا أحد سبق أن اعتدى على كنيسة أو بيعة يهودية، بل تحظى بنفس الاحترام الذي تحظى به المساجد. نحن نريد نقل صورة مفادها أن الإنسان المغربي يقبل بالتعدد الديني وليس له حرج في ذلك، فنحن لدينا جيران من اليهود والنصارى ولم يسبق أن كانت هناك تشنجات أو ما نسمعه، اليوم، في فرنسا من قبيل «معاداة السامية»، التي لم نعرفها في تاريخنا، بل على العكس من ذلك، حين كانت حكومة فيشي تسلم اليهود للحكومة النازية، أعطى الراحل محمد الخامس رحمه الله حمايته التامة لهؤلاء اليهود ورفض تسليمهم، وقال: «ليس عندي يهود، بل مواطنون مغاربة». وأؤكد في هذا السياق أن إمارة المؤمنين في المغرب لا تخص المسلمين بقدر ما تعم جميع المؤمنين بالأديان السماوية، وهي ضامنة لحرية معتقد جميع المسلمين واليهود والمسيحيين.