هناك عدة مؤشرات تدل بالملموس على التهميش الجزئي أو الكلي للمدرس والمُدرسة الفاعلين الحقيقيين والأساسيين والمباشرين في دينامية وفعالية منظومة التربية والتكوين، سواء على مستوى الفعل التعليمي-التعلمي أو فهم ومعرفة المشاكل الحقيقية والميدانية لمنظومة التربية والتعليم، ويشمل هذا التهميش كذلك مختلف عمليات صناعة القرار التربوي والإصلاحي مركزيا وجهويا ومحليا! كما أن هناك شبه غياب للاهتمام الحقيقي والفعال بتوفير الظروف والشروط المهنية والاجتماعية الجيدة والكريمة للمدرسين والمدرسات، ويمكننا ملاحظة كل ذلك من خلال المؤشرات التالية: 1- اليوم العالمي للمدرس قبل أيام قلائل، مر الاحتفال العالمي بيوم المدرس (5 أكتوبر) بالمغرب في شبه صمت رسمي وقطاعي يعكس مدى «اهتمامنا الكبير» بالمسألة التعليمية وبالمدرس، الفاعل الأساسي في منظومة التربية والتكوين: لا الحكومة أصدرت إشارات قوية (اجتماعات، إجراءات، بلاغات...) تهم الوضعية المادية والمعنوية لرجال ونساء التعليم، ولم نلاحظ تعبئة إعلامية قوية حول مكانة ووضعية المدرسين بالمجتمع (ندوات، روبورطاجات، حوارات...فقط بعض الإشارات الإخبارية الطفيفة ذات المساحة الزمنية الضيقة!)؛ أي لم يتم استثمار هذه المناسبة لخلق نقاش وتعبئة مجتمعية حقيقية حول المدرس وضمنيا حول المدرسة ومنظومة التربية والتكوين بصفة عامة (بل حتى البرنامج الاستعجالي نفسه لا يلقى تعبئة إعلامية ومجتمعية حقيقية ومكثفة في الفضاءات والمؤسسات العمومية بما فيها الإعلام!). نعم، أصدرت وزارة التربية، مشكورة، المذكرة الوزارية رقم 139 الخاصة بالاحتفاء باليوم العالمي للمدرس تحت شعار «المدرس فاعل أساسي في بناء مدرسة النجاح» تحث فيها على تهييء برامج احتفائية مركزيا (ندوة وطنية) وجهويا وإقليميا، وعلى مستوى المؤسسات. لكن الملاحظ أن تفعيل هذه المذكرة كان ضعيفا وبدون صدى قوي سواء لدى المجتمع التعليمي نفسه، أو لدى المجتمع بشكل عام! 2- المدرس والمخطط الاستعجالي رغم أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتشخيصات وتوصيات التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم (حيث يقول صانعو البرنامج الاستعجالي إنهم اعتمدوهما كمرجعية) يحثان على معالجة وتحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية لرجال ونساء التعليم، فإن البرنامج الاستعجالي سواء في الوثيقة المركبة لدجنبر2007 التي عممها على الفرقاء الاجتماعيين (لا أحد يعرف التدقيقات الواردة في الوثيقة الأصلية؟!) أو في وثيقة جد ملخصة للبرنامج الاستعجالي عممتها الوزارة سنة 2008، أو في الخطابات والحوارات الرسمية للوزارة المتعلقة بالبرنامج، لا نعثر على تفعيل حقيقي وواضح يتعلق بتحسين الظروف المهنية والاجتماعية للمدرسين؛ سواء تعلق الأمر بالزيادة في الأجرة وإرساء نظام عادل للتحفيزات والترقية والتعويضات (باستثناء مسألة التعويض على المناطق الصعبة عوض تعويض كل العاملين بالعالم القروي)، ووضع حلول ومشاريع ناجعة ومستدامة لحل المشاكل المتعلقة بالنقل (يتم الاهتمام بتوفير النقل لكل المسؤولين ما عدا المدرس والمدير)، والسكن الوظيفي اللائق والحركة والتجمع العائلي... (مثلا هناك صمت مطبق حول وفاء الحكومة بالتزاماتها مع الفرقاء الاجتماعيين وخاصة اتفاق فاتح غشت 2007؟!)، وتجويد وتحسين الظروف المهنية (توفير الوسائل والفضاءات البيداغوجية الجيدة والحديثة، القضاء على الاكتظاظ والأقسام المشتركة...).كل ما نجده في البرنامج الاستعجالي هو الاهتمام بمسألة التكوين والتأطير، وهذا بالطبع شيء إيجابي وبديهي وضروري، وتكثيف أشكال المراقبة والزجر والتقييم! (كيف نحاسب الموظف دون توفير الشروط الجيدة والمناسبة للعمل؟!) كما أن جل الفاعلين لاحظوا التهميش الكبير للمدرس في سيرورة وعمليات صياغة الإصلاحات (والبرنامج الاستعجالي) على مستوى الإشراك والاستشارة، نظرا إلى كونه هو الفاعل الميداني الأول، والخبير بالمشاكل والحقائق المباشرة والملموسة لنظام التربية والتكوين. وأصحاب القرار يختزلون دوره فقط في تلقي التعليمات الفوقية وتنفيذ القرارات والمذكرات بشكل سلطوي غالبا! وفي الأخير، ننبه من يهمهم الأمر إلى أنه مهما بذلت الدولة من مجهودات مادية ومالية وتنظيمية لتحقيق «مدرسة النجاح»، والرقي بمنظومة التربية والتكوين، وحل المشاكل التربوية والاجتماعية للتلاميذ، فإنها لن تحقق أهدافها ونجاعة مخططاتها ومشاريعها دون تحسين وتحديث الوضعية المعنوية والمهنية والمادية والاجتماعية لكافة رجال ونساء التعليم،وإشراكهم في صناعة القرار التربوي، واستشارتهم في كل الإصلاحات والإجراءات التربوية التي تهم المدرسة المغربية، وذلك لحل وتبديد الاحتقان النفسي (الذي يعد من العوائق الأساسية لأي إصلاح) لدى رجال ونساء التعليم في علاقتهم بالإدارة والدولة، واسترجاع مناخ الثقة والتعبئة، وإلا سيظل أي إصلاح أو إجراء تعليمي فاقدا لحلقته الأساسية:المدرس/ة.