في الوقت الذي كان منتظرا أن يعقد الرئيس المدير العام للقطب العمومي فيصل العرايشي ندوة صحافية حقيقية، شجاعة وشفافة وبعيدة عن لغة «التوافقات» و«الحوارات» الملتبسة والأجوبة المعدة سلفا، التي فاحت راحتها على صفحات جرائد وطنية، للتفصيل في واقع التلفزيون المغربي والإجابة عن الأسئلة المقلقة التي يثيرها دافعو الضرائب ولتسليط الضوء على ما اعتبرته العديد من الجمعيات والهيآت استخفافا بالمشاهد المغربي وتبذيرا للمال العام، في إشارة إلى حصيلة الإنتاجات الرمضانية، اختار العرايشي الطريق الأسهل والأسلم ليمرر خطاباته وليبرر بعضا من فشله في تسيير هذا القطب. أطل العرايشي على طلبة المعهد العالي للإعلام بالرباط -في غياب مديره- ليلقي الدرس الافتتاحي لهذا المعهد الذي يحن بدوره إلى سنوات مجده التي يراها البعض ماضية إلى زوال. درس افتتاحي غريب، بالنظر إلى كون الرئيس المدير العام أحاطه بالكتمان أو أريد له أن يكون كذلك، لأسباب يعرفها المطلعون على طبيعة ونفسية الرجل المتوجس دوما من ملاقاة الصحافة ومواجهة حقيقة أدائه ومناقشة دواعي بقائه. هي أسباب اتضح بعضها بعدما اتصلت «المساء» بمسؤول الكتابة في إدارة العرايشي لتستفسر عن حقيقة هذا اللقاء وتاريخه، قبل أن تفاجأ بالمسؤول يقول إن اللقاء غير مفتوح أمام الصحافيين وإن حضور العرايشي سيكون شكليا، في إشارة إلى حضور أستاذ للإعلام أو باحث في السمعي البصري ليلقي محاضرة علمية في واقع المجال المغربي ورهاناته وأسباب فشل القطب العمومي بشكل حيادي ومهني وعلمي، إلا أن ما حمله مصدر من الشركة حضر هذا «الدرس» الافتتاحي كشف السر من وراء تهريب الندوة. فالعرايشي شن هجوما غير مبرر على بعض الصحافيين الذين لم يتقاسموا مع شركات رمزي زيزي وبنعبد الجليل ونبيل عيوش ملايير المغاربة ولم يعطوهم التسويغ لتبذير مال المغاربة.. تحدث العرايشي عن غياب المهنية واتهم الصحافيين باللعب بعقول الناس، ولم يتحدث عن المهنية التي تخول له إسكات الصوت الوحيد للمعارضة، ولم يتحدث عن أرقام «ماروك ميتري» الحقيقية، وليس تلك التي يروجها بعض السماسرة، ولم يتحدث عن قنوات أرادها افتراضية، في وقت دافع فيه عن «المغربية» التي تشتغل «غير بالبركة» في ظل غياب الموارد البشرية. تحدث العرايشي، بجرأة غير معهودة، عن تصفية بعض الصحافيين لحسابات، ولم يتحدث عن «الصحافيين» الذين اغتنوا -دون سند مهني أو أخلاقي- من أموال الفقراء المغاربة بفضل علاقتهم بهذا الرجل، ولم يتحدث عن أسماء ألحقت بالقطب العمومي وسكتت عن «الضجيج»، هذا فضلا عن أسماء يتم التحكم فيها عن بعد بإغرائها بالمشاركة في خلايا وهمية للكتابة. تحدث العرايشي عن ضعف الميزانية المرصودة للشركة، دون أن يكشف عن السر وراء إنتاج أعمال بمئات الملايين، دون أن تبث إلى حد الساعة، ولم يتحدث عن ملايير تم تبذيرها في أعمال تفوت لشركات إنتاج دون غيرها، وبلا أية قيمة إبداعية. تحدث العرايشي عن غيره، ولم يتحدث عن استعداده للمساءلة عن واقع التلفزيون المغربي، ولم يتحدث عن وقت الرحيل، رحمة بالمغاربة.