شهد الأسبوع الأخير أحداثا مهمة همت الجسم الصحفي المغربي، إذ بالتزامن مع تنظيم المؤتمرين الإفريقي والفرنكوفوني لضبط الاتصال بالعاصمة الحمراء، نطق القضاء بحكمه على الزميلين رشيد نيني وسعيد العجل بخمسة أشهر نافذة مع ثمانية ملايين سنتيم كغرامة، وبين الحدثين المهمين أكثر من علاقة لابد من توضيحها. أولها أن ظلال الحكم وتأثيره على صورة المغرب الذي يقدم نفسه عبر تنظيمه لهذا المؤتمر نموذجا في التحرر والدمقرطة والتحديث، لم يغيبا عن كواليس المؤتمر، إذ مجرد ما سمع بعض الأعضاء الحكم الجائر في اليوم الأول للمؤتمر، حتى بدأ البحث عن صحافي «المساء» لتسجيل التضامن المعنوي في هذه المحنة بشكل انفرادي مخافة أن ينقل الخبر من تعودوا على السباحة في الماء العكر، وأتذكر أن واحدا قال: «إن ما أدهشني في هذا الملف هو التضامن والشجاعة اللذين أبداهما نيني في تحمل المسؤولية إزاء نقل الخبر و عدم تبرئه أو تناقضه مع مواقف الصحفي (سعيد العجل) الذي نشر الخبر. طرح لم أقو معه إلا على القول بكثير من الاندفاع التلقائي إن الأجمل هو أن تحس حقا بقيمة الخبر، الذي يغير وضعية، وأن تتلذذ بنشوة هذا التغيير كما فعل الصحافي الذي غامر بنشر الخبر، بنفس الدرجة التي تحس فيها أن مسؤولا يتحمل معك المسؤولية في لحظة حرجة من مسار الجريدة، هما أمران لا يمكن الفصل بينهما، فمسؤولية التنقيب عن الخبر ونشره سامية، ولتبادل المسؤولية بين الصحفي ومديره قيمة أسمى منهما، هو الدرس الذي منحته «المساء» رغم سهام الأعداء ووصل صداه إلى مؤتمر الضبط الفرنكوفوني. هو المؤتمر الذي فتحت بعض جلساته الخاصة الموازية لأشغال النقاش حول ضبط عمل الصحافة المكتوبة إسوة ببعض الهيئات (البرتغال، موريطانيا...) التي تجمع بين السمعي البصري والصحافة المكتوبة، نقاش يراه بعض المغاربة والعرب والأفارقة غير ذي قيمة، لعدة أسباب جوهوية، من بينها عدم إمكانية تحقيق الاستقلالية للصحافة وصعوبة ضبط خطوط التحرير، ووجود إطار قانوني سابق في التعامل مع الصحفي، ووجود قانون الصحافة،وصعوبة التحكم في الجرائد الحزبية، هذا فضلا عن التوقيت الذي يروج البعض لهذه التخريجة لامتصاص الصدام بين الدولة والصحافة. وشكل واقع الصحافة المغربية محور نقاشات ثنائية تداولها بعض ممثلي الصحافة الوطنية مع الوفود الإفريقية في غياب وزير الاتصال الذي يؤدي مناسك الحج واعدا بالدعاء للصحفيين بالهداية، تاركا وراءه العديد من الأسئلة المقلقة المرتبطة بواقع الصحافة المغربية التي دخلت النفق المظلم. و في ارتباط بعالم الصحافة والتلفزيون شن حزب الأصالة والمعاصرة في قبة البرلمان والمستشارين هجوما عنيفا على الإعلام العمومي ووصفه بالمتخلف، بشكل يمثل ردا على ما صرح به وزير الاتصال خالد الناصري أثناء المصادقة على ميزانية الاتصال، الذي قال إن خطوات مهمة تحققت في القطب العمومي، مدافعا بشكل غريب وصادم عن الإنتاجات الدرامية الرمضانية، التي انتقدها عاملو ونقابيو القنوات الوطنية أنفسهم. دافع الناصري عن القطب العمومي ولم يتحدث عن عدم التزام كل مكونات القطب العمومي بدفتر تحملاتها حسب ما أكدت وثائق «الهاكا»، دافع الناصري عن الإنتاجات الرمضانية، ولم يقل للمغاربة إن التلفزيون لن تكون له بعد اليوم وظيفة تثقيفية مواطنة، دافع عن القطب ولم يقدم لأبناء الشعب الأسباب الحقيقية لأزمة «دوزيم» المادية والمعنوية، وهاجم منتقدي الإنتاجات بالطريقة ذاتها التي هاجم بها فيصل العرايشي الصحفيين في معهد الإعلام بالرباط، دون أن يدعو للمنتجين والممثلين والمخرجين بكثير من الهداية والرشد والقليل من العبث بقيم وأذواق الناس. دافع الناصري عن السينما والقطب العمومي و الإنتاجات الرمضانية، دافع عن كل شيء ممكن، ولم يدافع للأسف عن الصحفي الذي تمارس عليه الوزارة الوصاية «الوثائقية»، ولم يدافع عن حق الصحفي في الوصول إلى المعلومة، ولم يدافع عن حق بعض الأسماء والجرائد في الوصول إلى المغاربة عبر تلفزيوناتهم دون رقابة أو إقصاء.