يعرف حسن الناجي في الأوساط السطاتية بلقب سيكسطون، لكن لا أحد يستطيع فك شفرة اللقب الذي طارده في العز والنكد. كثير من السطاتيين يفضلون تسميته بابن اعمر نسبة لوالده، خاصة أن أسرته ارتبطت بالرياضة وكرة القدم على الخصوص، من خلال بكرها الذي لعب في صفوف النهضة السطاتية في السبعينيات وابن اختار الصفارة وتحول إلى حكم قبل أن ينهي مطافه بلكمة في وجه أحد اللاعبين المشاغبين. التقى حسن الناجي، وهو من مواليد 1961، بإدريس البصري في ملعب التنس بالمدينة، هناك كان الفتى قوي البنية يشغل مهمة مدرب في لعبة الكرة الصفراء، وكان معروفا في أوساط الممارسين بروح الدعابة والنكتة والقدرة على اختراق الخطوط الحمراء. تمكن حسن من استمالة البصري، وقرر تعيينه سائقا خاصا له بعد أن كان مجرد مدرب يعلم الرجل القوي بسطات مبادئ التنس وتقنيات الصد ورد الفعل السريع، وهي أمور ساعدت السي ادريس في حياته المهنية، حين أصبح الوزير القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. غاب سيكسطون عن نزالة الشيخ، قبل أن يعود إليها بين الوقت والآخر كلما زار البصري أسرته، بل إن رفاق طفولته ظلوا يراقبون حضوره على شاشة التلفزة كلما ظهرت طلعة الوزير، فتبين أن حسن تحول إلى سائق خاص لرجل الشاوية القوي، حينها انهالت عليه طلبات التوظيف وملتمسات تسوية الوضعية ورغبات تختلف باختلاف أصحابها، بل إن بيت الأسرة أضحى مزارا لكل من ضاق به الحال. رافق حسن وزير الداخلية البصري في كثير من سفرياته الداخلية، وحين يتعلق الأمر برحلة خارج الوطن يصبح حارسا شخصيا، بفضل بنيته الجسدية ورد فعله السريع المكتسب من لعبة التنس - زار العديد من دول المعمور وأدى مناسك الحج رفقة شخصيات سياسية وازنة، وتمكن من اختراق مساحات ظلت محاطة بالحرس العمومي والخصوصي، ولأنه السائق والمرافق الخاص لوزير الداخلية، فإن مكانته لدى الوزراء والعمال والمدراء تعززت وأصبحت طلباته لا ترد خوفا من غضبة محتملة للصدر الأعظم أو وشاية قد تنهي السلطات وتسحب بساط الجاه من تحت الأقدام. يقول رفاق دربه إنهم فوجئوا بصعود نجم الناجي، الذي أصبح قطعة من ديكور موكب وزير الداخلية، فابتسامته وروح النكتة تحولا مع مرور الأيام إلى تقاسيم صارمة، ومكانته في الحي تجاوزت حدود سائق البصري إلى شخصية عمومية تقضي عند الضرورة حاجيات طوابير العاطلين. ويقول حارس ليلي، يعد من أقرب أصدقاء حسن، ل«المساء»، إنه يعيش على ذكريات الأمس، لكن «كلمته لازالت مسموعة» «لقد رافقني إلى المطار مؤخرا والتقينا بأحد المدراء، الذي عانقه بحرارة واستغرب لحاله، وقبل أن نودعه اقترح عليه إمكانية العمل ضمن شركة خصوصية في مطار محمد الخامس»، ويضيف وهو يجمع أشلاء الذكريات، «كنت أقضي فترة الخدمة العسكرية فالتقيت بحسن الذي زار الثكنة يوما، ضمن وفد رسمي رفيع المستوى، صافحني وعلى الفور قدمني إلى الرئيس وطلب منه إعفائي من الحراسة الليلية». لكن كيف انتهت أسطورة سيكسطون بنهاية البصري؟ ولماذا أفل نجمه بهذه السرعة؟ وأين هي ممتلكاته التي كانت حديث أبناء المدينة؟ أسئلة عديدة تنتصب في أذهان رفاقه، الذين يتذكرون زمن الصولة ويتحدثون عن إجازته القصيرة التي كان يقضيها في أكبر المنتجعات الصيفية. يقول رفاقه إن حكاية حسن أشبه بلغز يستعصي حله، فالرجل عاش أزهى لحظات العمر، وانتهى تائها على وجهه في المقاهي الشعبية للمدينة، يتأبط ألبوم صور ينطق بالذكريات الجميلة مع شخصيات وازنة منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، بل إنه يصر على القول إن له سيارتين محتجزتين في مكان مجهول، يحتفظ في جيبه ببطاقتيهما الرماديتين. يواظب الناجي على شيئين أساسيين، صلاة الفجر والعزف على القيتارة، حيث يزاوج بين الابتهالات الدينية التي يحفظها عن ظهر قلب، والمعزوفات التي تتغنى بالماضي الجميل، وحين تنتابه الأزمة لا يتردد في طلب بضعة دراهم من رفاق الطفولة لأداء واجب الجلوس في ركن من مقهى شعبي واحتساء قهوة سوداء تنسيه مؤقتا سواد الحال. انتابته يوما هيستيريا الغضب وهو يتأمل صوره الناطقة بزمن النخوة والكبرياء، وخرج إلى الشارع وهو يصيح في وجه المارة ويذكرهم بماضيه التليد، وهو ما استدعى الشرطة التي حررت له محضر إدانة حولته إلى نزيل بسجن المدينة. كل ما تبقى في رصيد سيكسطون صور وذكريات وصداقات تحولت إلى سراب، لذا لا يتردد الرجل وهو يعزف على قيتارته في ترديد مقطع يقول «ليام الزينة إلى مشات ما تولي».