التوقيع على الاتفاق بين تركيا وأرمينيا هو بالفعل حدث تاريخي. ولكن مثلما حصل مرارا في الماضي، فإن التاريخ في زيوريخ صنعه الزعماء، الحكومات وليس الشعوب. وبالفعل، لم يقدر أحد بأن في عصرنا سيوقع بروتوكول كهذا أساسه استئناف العلاقات بين الدولتين. من كان يصدق؟ من كان يصدق أن الممثلين المنتخبين للشعب الأرمني، في بلاده، سيوقعون على وثيقة ملزمة ومشتركة مع تركيا، دون إعلان قاطع بأن تركيا، وريثة الإمبراطورية العثمانية، ستعترف بمذبحة الأرمن في عهد الحرب العالمية الأولى كإبادة جماعية. بين مليون ومليون ونصف أرمني قتلوا، وفي الوثيقة التي وقعت تقرر بأن لجنة المؤرخين ستبحث ما إذا كان ذلك إبادة جماعية أم أن الذين قضوا نحبهم كانوا ضحايا أحداث الحرب. يقال إن هتلر استمد تشجيعا أيضا من عدم مبالاة العالم بإبادة الشعب الأرمني كي يأمر بتنفيذ «الهولوكوست». ولكن ألمانيا، خلافا لتركيا اعترفت بمسؤوليتها عن النظام السابق، النازي، عن الكارثة. أما إسرائيل، خلافا لزعماء أرمينيا فلم تنتظر مائة عام بل عدة سنوات إلى أن بات النشيد الألماني يعزف في مقر الرئيس عند تقديم السفير الألماني أوراق اعتماده. ولعله كان هناك وجه شبه ما بين الاحتفال في زيوريخ وبين إقامة العلاقات بين إسرائيل وألمانيا. فعلى مدى سنوات طويلة، خضعت إسرائيل لضغوط تركيا ودولة اليهود ورفضت الاعتراف بإبادة الشعب الأرمني. والآن أعطيت شرعية للموقف التركي: ليست تركيا، ومع الفارق، ليست إسرائيل من ينبغي أن يندم على خطيئة عدم الاعتراف. زعماء تركيا وأرمينيا، بتوقيعهم على الاتفاق الذي يتجاهل عمليا إبادة الشعب الأرمني، ألقوا بحبل نجاة نحو إسرائيل. وزارة الخارجية الإسرائيلية معفاة، من الآن فصاعدا، من متابعة المسألة التي لا يكرهون في وزارة الخارجية أكثر منها: اتخاذ أو عدم اتخاذ موقف من المسألة السياسية المشحونة ببعد أخلاقي بهذا العمق. وعن السؤال الهاملتي هذا أجابت إسرائيل بالنفي، أي خضعت لضغط تركيا. وها هي تركيا، غداة الاحتفال، ترد لإسرائيل الجميل لعدم اتخاذها موقفا في موضوع الاعتراف بإبادة الشعب الأرمني، بخطوة مهينة: إلغاء مشاركة سلاح الجو الإسرائيلي في المناورة الدولية المشتركة في سماء تركيا. والتعليل: الطائرات الحربية الإسرائيلية شاركت في حملة «رصاص مصبوب». بمعنى أن تركيا ردت بالسوء مقابل الخير. وعليه، فأي ثمار أعطته سياسة التجاهل الإسرائيلية، لكل الحكومات، من استجداء الأرمن الاعتراف بمأساتهم؟ ليس هناك أي فضل في أوساط الرأي العام في تركيا، حيث تحرق أعلام إسرائيل في الساحات لتغدو هذه ظاهرة عادية. رئيس الوزراء التركي أردوغان أهان حتى الرئيس بيرس في مؤتمر دافوس، بل وتجرأ بعد ذلك، بتهكم، على اقتراح خدمات بلاده كوسيط، نزيه بالأحرى، لصنع السلام بين إسرائيل وسوريا.