روى روبيك روزنتال كم هو من المبهج العيش في أستراليا، أساسه بالطبع ليس في انطباعات لرحلة إلى أستراليا بل في المقطع السياسي النهائي فيه، هناك يجري الكاتب مقارنة حول موضوع الأقليات بين أستراليا وإسرائيل: بعد أن يروي أن حكومة أستراليا ومحكمتها طلبتا المغفرة والسماح من الأقلية الإفرجينية المقموعة منذ مئات السنين، أعادتا لها أراضيها السليبة وقررتا بأنها هي المالكة لها منذ أربعين ألف سنة، وكتب يقول: «في دولة اليهود مسألة الأقلية العربية بعيدة عن الحل، ناهيك عن الاعتذار، ناهيك عن إعادة الأراضي. الظروف المخففة هي أن الإفرجينيين هم اليوم بالإجمال نحو 2.5 في المائة من سكان الدولة، وأن استراليا محوطة ببحر وليس بدول معادية». وهذه برأيي مقارنة مغلوطة، تعكس بإخلاص مواقف النخب العربية في إسرائيل التي ترفض وجودها كدولة للشعب اليهودي إذ ما الذي تفيد به المقارنة عمليا؟ إن عرب إسرائيل يشبهون الأصليين الإفرجينيين، من سكان أستراليا الأصلية منذ آلاف السنين، ممن طردوا من أراضيهم، أبيدوا، اختطف أطفالهم وقمعوا وأهينوا من السلطات الأسترالية على امتداد أجيال. هكذا أيضا عرب إسرائيل (وكل الفلسطينيين) الذي يرون أنفسهم ك«شعب أصيل» يعيش هنا منذ آلاف السنين، أصله يعود إلى الكنعانيين المذكورين في التوراة، وقد طرد من أرضه بالخطأ و«الخطيئة» ويعيش في قمع وحشي. بالطبع ليست هذه هي الحقائق التاريخية، ولكن حسب النهج ما بعد الحديث، هذه هي «الرواية الفلسطينية» وهذا هو الأمر المقرر، وإلى الجحيم كل الحقائق الأخرى. نحن نشبه بالأستراليين، بمعنى المستوطنين الاستعماريين، الذين جاؤوا إلى بلاد غريبة عنهم تماما واستعبدوا واستغلوا أبناء المكان الفلسطينيين عديمي الحيلة. لا صلة بالطبع بين هذا وبين الحقائق التاريخية، ولكن هذا هو جوهر النهج العربي الفلسطيني. على أساس هذه المقارنة جاء واضع المقال واحتج على أن دولة إسرائيل لا تتصرف مثلما تتصرف حكومات أستراليا والمحكمة العليا هناك في السنوات الأخيرة. وماذا ينبغي لدولة إسرائيل أن تفعل كي تتصرف كأستراليا؟ أولا، يقول الكاتب، عليها أن تعتذر لعرب إسرائيل، وهذا بالفعل هو المطلب العربي –الفلسطيني الأساس من دولة إسرائيل: اندمي على خطيئة طرد الفلسطينيين في 1948، واعتبري نفسك مسؤولة عنه، وكنتيجة لذلك أعيدي اللاجئين إلى ديارهم الأصلية أو عوضيهم، وذلك لأن «حق العودة» من حقهم بفضل كونهم أسياد البلاد الأصليين. ثانيا، على دولة إسرائيل أن تعيد إليهم «أراضي». الكاتب لا يشير إلى أي أراض يقصد بالضبط، ولكن كونه يتحدث صراحة عن الأقلية العربية في دولة إسرائيل فالأحرى أن المقصود هو مطالبة قسم من القيادات العربية في إسرائيل باستعادة كل الأراضي التي صودرت منذ 1948، وأولا وقبل كل شيء «أراضي الأوقاف». اسرائيل لم تفعل ذلك بعد أن كان في صالحها بعض ظروف مخففة، إلا أنه ليس فيها، برأي الكاتب، ما يمس بالمقارنة بين عرب إسرائيل والإفرجينيين ويعفي إسرائيل من تهمة عدم الفعل. مشوق أن تكون الأمور تأتي بالضبط في توقيت يعبّر فيه الفلسطينيون، بمن فيهم بالطبع بعض من عرب إسرائيل، تعبيرا علنيا قاطعا وواضحا بالنسبة إلى موقفهم الأساس من مسألة الحرم ومحيطه المقدس: ليس لليهود أي قسم أو ملك في الحرم، وليس بينهم وبين الحرم أي صلة تاريخية أو دينية بل محظور عليهم أن يحيطوا البلدة القديمة وأن يقيموا فيها الصلاة. كان ياسر عرفات هو الذي رفض في محادثات طابا في 2001 حتى قبول اقتراح إسرائيلي غريب بالسيادة الفلسطينية من على الحرم وسيادة اسرائيلية من تحت الحرم، لأنه في رأيه، كل الحرم، من فوقه ومن تحته، هو فلسطيني –عربي. وإذا كان الأمر هكذا في الحرم، فهو بالتأكيد هكذا في باقي أرجاء أرض إسرائيل. وكل هذا لماذا؟ ضمن أمور أخرى، لأننا نحن استعماريون، كما يقول العرب والصهاينة من بيننا.