تغتصب في فرنسا كل عام 25.000 امرأة، وذلك بمعدل اغتصابٍ كلَّ ساعتين. وتشير الإحصائيات، التي تحرص جمعيات ضحايا الاغتصاب على نشرها بانتظام، إلى أن المغتصب غالبا ما يكون رجلا يتراوح سنه ما بين 20 و40 عاما، كما يكون منحدر من وسط فقير أو متشذر نفسيا. وبناء على هذه المعطيات، تتقدم الحصيلة على الشكل التالي: 41 في المائة من ضحايا الاغتصاب فتيات؛ 10.8 في المائة مراهقات؛ 30.2 في المائة نساء؛ و4.3 في المائة فتيان. وفي هذا السجل المشين، يقف كل المغتصبين سواسية، لا فرق بين فرنسي بالتبني، فرنسي أبا عن جد أو مقيم عابر. وفي المدة الأخيرة، تعرض جهاز العدالة الفرنسي لانتقادات متواصلة ولاذعة من طرف المجتمع المدني، وبخاصة من طرف الجمعيات المدافعة عن ضحايا الاغتصاب، بسبب تهاونه تجاه معتدين مرضى، أقفل عليهم لفترة وجيزة، وبمجرد إطلاق سراحهم لم يترددوا في هتك أعراض ضحايا جدد. آخر قضية اهتزت لها فرنسا هي اغتيال ما أطلقت عليه الصحافة «عداءة غابة ميلي لافوري»، واسمها الحقيقي ماري كريستين هودو، البالغة من العمر 42 سنة.. خرجت يوم الاثنين 28 شتنبر للركض في الغابة المجاورة، لتختفي بالمرة. وعلى إثر مسح دقيق للغابة وتحقيق في الأوساط المجاورة، ألقي القبض على المتهم، مانويل ريبيرو دا كروث، وهو في السابعة والأربعين من عمره، متزوج وأب لأربعة أبناء. وكان قد حكم عليه في الثامن عشر من يونيو 2002 بإحدى عشرة سنة سجنا بتهمة اختطاف، حجز واغتصاب فتاة في الثالثة عشرة من العمر. وقد أثبتت الفحوصات التي قام بها الأطباء آنذاك أن المعتدي لم يكن يعاني من أي خلل نفسي. وبعد عدة محاولات لدى السلطات القضائية، نجح المتهم في الحصول على السراح المشروط، الشيء الذي مكنه من «الغطس» مجددا في الخمر والانزلاق إلى الاغتصاب والجريمة. ولما ألقت الشرطة عليه القبض، وكانت الضحية قد نجحت في ترك رسالة للبوليس عبر الهاتف النقال تعلن فيها أن مجهولا قد اختطفها، ثارت زوبعة في فرنسا حول موضوع إطلاق سراح مختلين يكررون جرائمهم فور خروجهم إلى الهواء الطلق. وفي مناخ الاتهامات والمزايدات، اقترحت بعض الأوساط السياسية، وبخاصة من اليمين، حلا راديكاليا يقوم على الإخصاء الكيماوي للمغتصبين. ولا تزال تفاعلات هذا المقترح محط نقاش الأقطاب السياسية. قبل يومين من اختطاف واغتيال ماري-كريستين هودو، أي في السادس والعشرين من شتنبر، ألقت الشرطة السويسرية في مطار زوريخ القبض على المخرج السينمائي رومان بولانسكي، صاحب «روز-ماري بايبي»، «شيناتاون»... الفرنسي- بولوني الجنسية، البالغ من العمر 76 عاما، على خلفية اغتصابه عام 1977 لسامنتا غايلي، وكانت في الثالثة عشرة من عمرها. كانت العدالة الأمريكية قد أصدرت مذكرة توقيف دولية في حق المخرج، لكن هذا الأخير «عيط اجبد» إلى أوربا. وبمجرد اعتقال المخرج، صعدت إلى الجبهة شخصيات فرنسية من العيار الثقيل، لنصرة صاحب السعفة الذهبية بمهرجان كان على شريطه «عازف البيانو»، وتحويل الجلاد إلى ضحية، رأفة بشخص «عرفت والدته هول المحرقة في أوشفيتز»، وبذريعة شهرته الفنية والحصانة التي يجب أن يتوفر عليها مخرج من باعه! هنا، نقف عند سياسة الكيل بمكيالين المتبعة في فرنسا: ما تحلله على البعض تحرمه على البعض الآخر. وفي هذه القضية، تحاملت فرنسا بعنف على نظام العدالة الأمريكي؛ هذا مع العلم بأن هذه الأخيرة، خصوصا في ممارسات بشعة، مثل الاغتصاب، يجب أن تطبق على الجميع. وهكذا دافع، بكل وقاحة، فريدريك ميتران، وزير الثقافة، وبيرنار كوشنير، وزير الخارجية، ومائة شخصية من عالم السينما والفن على رومان بولانسكي، كما لو كان كبش فداء القضاء الأمريكي، فيما كان عليهم أن يتركوا العدالة تقول كلمتها الفصل في موضوع تمتزج فيه الأخلاق بكرامة القاصرين وشرف عائلاتهم. وبما أنه سبق أن اعترف بصنيعه قبل أن يفر، فيستحق تبعا للمنطق الفرنسي الذي تحاول أن تطبقه أطراف في الحكومة الفرنسية الإخصاء الكيماوي، وإلا لهزمت العدالة بفعل الولاءات والتواطؤ الأعمى، وذاق الضحايا الموت أو اجتروا، طوال حياتهم، مرارة عنف وإهانة الاغتصاب.