نظمت جمعية عشاق الملحون وجمعية إدماج ونجوم بلادي الخميس الماضي بدار المراسم (عين الشق) بالبيضاء وذلك تحت إشراف مقاطعة عين الشق الملتقى المغاربي الأول لفن الملحون، دورة الحسين التولالي، تحت عنوان «المرأة والملحون». وتميزت السهرة الفنية المسائية بتنظيم سهرة فنية شارك فيها العديد من الفنانين المنتمين إلى فن الملحون، من بينهم محمد السوسي من فاس، مولاي اسماعيل السلسولي العلوي من مدينة آسفي، عبد العلي البريكي من أرفود، الهواري محمد من الجزائر، كما خطفت الطفلة والموهبة الصغيرة منال القباج الأنظار، من خلال أدائها المتميز الذي ينبئ بمستقبل فني واعد، هذا فضلا عن حضور الفنان جمال الدين بنحدو الذي أتحف الحاضرين بأغنية جمع فيها بين أصالة الملحون وسحر الأغاني المغربية العصرية. وخلال هذه السهرة، اعتبر أحمد بوعروة، رئيس مؤسسة «نجوم بلادي» أن قيمة هذه التظاهرة تكمن في محاولة ربط جسر التواصل بين الماضي والحاضر، معتبرا أن فن الملحون الذي يجد له امتدادات في الفضاء المغاربي كان دائما فنا معبرا، يجد له كل التفاعل، وشدد أحمد بوعروة على قيمة دعم مثل هذه الملتقيات التي تمنى لها التطور، منوها في الوقت ذاته بدعم مسؤولي مقاطعة عين الشق وبعض الشركاء الآخرين. وكانت لحظة تكريم الأستاذ والباحث عباس الجيراري لحظة أساسية لهذا الملتقى، كما شكل حضور هذا الاسم الكبير دفعة قوية لهذه التظاهرة، وهو الشيء الذي عبر عنه أحمد بوعروة بالقول مخاطبا الجيراري: «بحضورك يا أستاذ نحن من كرمنا». وقبل تسليم جوائز للجيراري، خصه الفنان عبد القادر مطاع بكلمات تعكس بعضا من الذكريات المشتركة، معتبرا أن عباس الجيراري اسم كبير في عالم البحث والتدقيق التاريخي المتعلق بالملحون. وبدوره، اعتبر الفنان جمال الدين بنحدو أن للأستاذ عباس الجيراري فضلا كبيرا على مساره المعرفي والفني، إذ أشار بنحدو إلى أن مؤلفات الجيراري كانت منارا له للبحث والتمحيص والتعلق بهذا اللون الإيقاعي المغربي. وفي كلمته، قال الجيراري إن أهمية هذا الملتقى تكمن في جمعه بين عدة جمعيات، وهذا مهم، كما أن التظاهرة- حسب قوله- خاضت رهانا صعبا وجريئا من خلال الرهان على الطابع المغاربي، هذا بالإضافة إلى أن الحضور الكثيف الذي ميز الليلة يعطي صورة جيدة عن التظاهرة. وحول تجربته مع الملحون، أكد الباحث عباس الجيراري أنه عانى الأمرين لإقناع الأساتذة والزملاء والأصدقاء بقيمة توثيق تراث الملحون، وهذا ما خلق له مشاكل ومعاناة نفسية قوية، إلا أن الإصرار والإيمان بجدوى ما كان يشتغل عليه، أفضى في الأخير إلى نتائج مرضية، وهي النتائج التي تكرست بشكل قوي من خلال فتح أول شعبة لدراسة الفنون الشعبية بكلية الآداب عين الشق. ومن اللحظات المؤثرة في هذه الليلة الملحونية اللحظة التي أهدى فيها الجيراري التكريم إلى زوجته التي اعتبرها السند الحقيقي في بحثه، مضيفا أنها كانت تتكفل أحيانا بكتابة بعض القصائد الخاصة بالملحون. وقد نظمت في الفترة الزوالية ندوة تحت عنوان «المرأة والملحون» أطرها الدكتور محمد البسكري (أستاذ جامعي في كلية بني ملال)، وتناول في مداخلته المرأة من خلال فن الملحون، بعد أن قدم لموضوعه بتعريف فن الملحون، وسلط الضوء على شعرائه والباحثين الذين راكموا مجهودا علميا في دراسة هذا التراث المغربي. وخلال الندوة، حاول الباحث والفنان جمال الدين بنحدو أن يستقريء مجموعة من النصوص من فن الملحون بالوقوف على بلاغتها التعبيرية في تناولها للمرأة، من بينها قصيدتا «فاطمة» و«غيثة». وتوقف بنحدو عند أكبر الشعراء ونظامي قصيدة الملحون الذين طبعوا هذا التراث الذي يعتبره بنحدو التعبير الثقافي الذي يعكس الهوية المغربية، مقارنة بطرب الآلة والموسيقى الغرناطية. وكشف عن المجهودات المبذولة من أجل حماية وتوثيق هذا التراث، وخاصة على مستوى أكاديمية المملكة التي ردت الاعتبار لهذا الفن، هذا الفن الذي يعتمد لغة فصيحة غير معربة، ما يجعلها قريبة إلى العامية، إضافة إلى اعتمادها على إيقاعات وأوزان عروضية تختلف جذريا عن العروض العربي.