«يا نجمة سطعت في الظلام.. أنيري طريق فتى لا ينام فتى عذبته النوى والهموم وكم أيقظته أمور جسام أنيري طريقي خلال الرؤى خلال السكوت خلال الأنام» هذه الكلمات، التي تحمل لمسة الشعر المشرقي، غناها الفنان المغربي الكبير عبد الحي الصقلي ذات زمن جميل، والمقصود ستينيات القرن الماضي.. زمن الرواد. وفي رأي المهتمين والمتتبعين لمسار الأغنية المغربية، فإن المطرب والملحن الرقيق عبد الحي الصقلي، الذي اختار أن يتوارى عن الأنظار في العقدين الأخيرين، يعد أحد أعلام الموسيقى المغربية. وتشكل أغنية «يا نجمة سطعت في الظلام»، التي كتبها الشاعر اللبناني نسيب عريضة، البوابة الحقيقية التي ولج منها الصقلي إلى عالم التألق والشهرة رغم أن أغانيه الأخرى (صباح الخير مستمعينا، حديث عيناكي، الغائب التي لحنها عبد السلام عامر، قلبي الجريح) التي قدمها، لحنا وطربا، على امتداد خمسة عقود من الزمن تنطوي على قيمة فنية لا يمكن أن ينكرها إلا عديم ذوق وحس فني. عن هذه الأغنية، يقول الفنان عبد الحي الصقلي، في تصريح ل«المساء»: «في الزمن القديم، كانت تتردد أسطوة جميلة تقول إن لكل إنسان نجمة في السماء، وبمجرد موته تسقط تلك النجمة، وقد وجدت أن شعراء المهجر أولوا قضايا التأمل أهمية بالغة، فاخترت هذه الأغنية وحملتها إلى الملحن جزائري الأصل وراد بومدين الذي سكبها في وعاء إيقاعي بديع في سنة 1961، وقدمتها إلى الإذاعة فأبدى مسؤولوها إعجابهم وافتتانهم بها. واشتهرت الأغنية في ذلك الوقت بعد أن تفاعل معها المستمع المغربي وأصبح يرددها باستمرار.. وأعتقد أن تلك كانت هي الانطلاقة». ويواصل الملحن حديثه عن مساره الفني، قائلا: «محطة زيارتي للقاهرة كانت أساسية وضرورية، إلا أنني خضت قبل ذلك تجارب فنية في المغرب، إذ اشتهرت بأغنية «الكمرة» التي كتب كلماتها فتح الله المغاري ولحنها وراد بومدين سنة 1963 وسجلتها بإذاعة فاس، كما غنيت قطعة «نامت عيون الناس وأنا سهران بعودي» التي كتبها مولاي العربي ولحنها العبد زويتن، هذا بالإضافة إلى أدائي لأغنية «خطاطين الرمال» التي كتبها فتح الله المغاري ولحنها عبد الرحيم السقاط. وفي سنة 1965، قررت رفقة عبد الهادي بلخياط وعبد الرحيم أمين وعبد السلام عامر أن نلتحق بالقاهرة، للتعرف على واقع الأغنية العربية والاحتكاك بالمطربين المصريين. وكانت هذه الزيارة مناسبة لتسجيل بعض الأغاني، منها: «أنا محتاج ليك»، «نداء»، «دعوة للحياة» وأغاني أخرى باللهجة المصرية، هذا فضلا عن كون زيارتي للقاهرة مكنتني من التعرف، عن قرب، على الفنانين الكبار، أمثال: عبد محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وسمحت لي بمعرفة المناخ السياسي والاجتماعي الذي ميز مصر، ولكن مع اندلاع حرب سنة 1967 جاءت دعوة من الملك الراحل الحسن إلى العودة إلى المغرب، وهذا ما جعلنا نتخلى عن العديد من المشاريع الفنية، إذ كانت أغان من توقيع ملحنين مصريين سترى النور، غير أن هذه الحرب حالت، للأسف، دون ذلك، إلى جانب تخلينا عن تصوير أفلام وأعمال فنية أخرى».