جمال الزعيم يسرد التفاصيل الدقيقة لعملية احتجاز ضابطين مسؤولين في ثكنة عسكرية بوجدة سنة 2002، رفقة صديقه ابراهيم الجلطي، وكيف انتهت العملية، التي كانا يريان فيها طريقا للقاء الملك محمد السادس، بإلقاء القبض عليهما وإحالتهما على أكثر من محطة للتحقيق معهما في ملابسات هذا الاحتجاز، وما يملكانه من وثائق وأشرطة وصور تتحدث عن الفساد داخل الجيش، قبل أن يصدر في حقهما حكمان بالسجن بالمحكمة العسكرية بالرباط، الحكم الأول قضى بالسجن سبع سنوات في حق الضابط إبراهيم الجلطي، بينما الحكم الثاني قضى بثماني سنوات في حق الضابط جمال الزعيم. وهو يسرد تفاصيل هذه العملية، يقف جمال الزعيم، الذي غادر السجن، في يوليوز الماضي، عند محطة اعتقاله ويتحدث عن مسؤولي المؤسسات السجنية التي مر منها وما تعرفه من اختلالات، كما يتحول بين الفينة والأخرى إلى محلل سياسي يبدي مواقفه من أهم القضايا الوطنية. - وفي الصباح ماذا وقع معكما؟ > اتجهوا بنا مباشرة في اتجاه مطار أنكاد بوجدة، كان هذا صبيحة يوم 15 مارس2002 حيث أركبونا طائرة تابعة للدرك الملكي وكبلوا أيدينا إلى الخلف ثم أرجلنا وربطونا بسلسلة طويلة مع كرسي الطائرة، لتقلع حوالي العاشرة صباحا وتحط بالمطار العسكري بسلا حوالي الثانية عشرة زوالا. - وأين اتجهوا بكما بعد ذلك؟ > لقد وضعونا في سيارتين تابعتين للدرك الملكي وجدناهما في انتظارنا ثم وضعوا على رأسينا كيسا أسود غطى وجهينا حتى كتفينا إذ لم نعد نرى شيئا، لتنطلق بنا السيارتان في اتجاه مكان سنعرف في ما بعد أنه القيادة الجهوية للدرك الملكي بالرباط حيث سيتكلف بنا الكولونيل القائد الجهوي آنذاك للدرك الملكي بالرباط، الذي حقق معنا لمدة تقارب خمسة عشر يوما. - خمسة عشر يوما من التحقيق؟ > نعم خمسة عشر يوما من التحقيق، وقد كانت بدايته بأن أتوا لنا بطبيبين نفسانيين ليتأكدا من صحتنا العقلية. فبالنسبة لهم الحمقى هم من يفكرون في فضح فساد رؤسائهم، أما العاقل السوي فسيشاركهم في فضائحهم، لكن من سوء حظنا أن تقرير الطبيبين ذهب في اتجاه أننا عقلاء لتبدأ محنتنا من هنا. -كيف مرت حصة الطبيبين النفسانيين؟ > لقد كانت حصة عبارة عن أسئلة حول حياتنا منذ الصغر إلى تلك اللحظة. ثم طلبوا منا أن نحكي لهما عن مشاكل الجيش. وهنا أتذكر أني بدأت أسرد للطبيب بحماس تصوري للجيش وكيف يجب أن يكون ليصبح جيشا قويا قادرا على مواجهة التحديات والدفاع عن الوطن، فإذا به يحدق في مليا ثم سألني عن رأيي في هتلر، لقد ظن أني متأثر بالأفكار الهتليرية ولكي لا أتهم بالنازية بدأت أكيل كل أنواع الاتهامات لهتلر متهما إياه بأنه قائد عسكري فاشل، بعد ذلك قدموا لنا طاقما للتصوير بالكاميرا بلباس مدني. لقد قيل لنا إنهم جاؤوا من القصر الملكي بأمر من الملك لأخذ أقوالنا التي سيطلع عليها الملك بنفسه، ودامت مدة التصوير حوالي أسبوع. كان التصوير يبدأ صباحا لينتهي ليلا وكانت نفس الأسئلة تتكرر وتتمحور حول مسيرتي منذ الصغر مرورا بفترة الدراسة والخدمة العسكرية إلى أن فكرنا في القيام بفضح رؤسائنا. لكن في إحدى المرات دخل أحد الدركيين قاعة التصوير وقدم التحية العسكرية لأحدهم وناداه برتبته العسكرية، عندها توقفت عن الكلام محتجا على هذه اللعبة، لكنهم حاولوا إقناعي بأنهم فعلا أفراد الدرك الملكي لكنهم مكلفون بمهمة التصوير في القصر الملكي، بعد انتهاء هذا الاستجواب بواسطة الكاميرا جاء دور الكولونيل مرتجي، القائد الجهوي سابقا للدرك بالرباط وكذا الكولونيل الشيبي، حيث إنهما هما من أشرف على استجوابنا على انفراد لقد كانا يستجوباننا ويتلقيان التعليمات وبعض الأسئلة من طرف الجنرال حسني بنسليمان قائد الدرك، وامتد هذا الاستجواب لمدة عشرة أيام تقريبا، وبعدها وضعونا في مكان كان عبارة عن مرحاض لثكنة حيث مكثنا هنالك 55 يوما ننتظر مصيرنا إلى أن تطرقت جريدتان إسبانيتان هما أندليسيا بريس ولارازون، وهي جريدة مقربة من الجيش الاسباني، لقضيتنا وقد تزامن نشر خبر اعتقالنا مع اليوم الذي انعقد فيه المجلس الحكومي برئاسة الوزير الأول آنذاك عبد الرحمان اليوسفي، وقد وجه أحد الصحفيين سؤاله إلى السيد الأشعري وزير الثقافة والناطق الرسمي باسم الحكومة حول صحة هذا الخبر. - وماذا كان جوابه؟ > لقد كان جوابه الذي نشرته مجموعة من الجرائد الوطنية هو أن هذا الخبر لا أساس له من الصحة ويهدف إلى الإساءة لسمعة المغرب، في هذه اللحظات كنت أنا وإبراهيم جالطي نودع بالسجن المحلي بسلا وبتفويض من السيد الوزير الأول الاتحادي الذي بشرنا بعهد جديد كله ديمقراطية وشفافية، هل هذه هي الشفافية الاتحادية؟ هل هذه هي ديمقراطية التناوب؟ كيف لهذا الوزير الاتحادي أن ينفي خبر اعتقالنا ونحن معتقلون بأمر من رئيسه الاتحادي الوزير الأول، إذا أردت أن ألتمس له عذرا فسأقول إنه مسكين لم يكن يعرف ما يحدث داخل كواليس الجيش ولم يعلم باعتقالنا لأنه لا سلطة للحكومة على الجيش في المغرب، لقد كان عليه أن يقول إنه لا علم له بهذا الخبر ويجنب نفسه الكذب. - بعد أن تم إيداعكما بسجن سلا تم تقديمكما إلى المحاكمة؟ > لقد أودعنا بالسجن المحلي بسلا وبعد أسبوع قدمنا إلى المحاكمة. لقد كانت جلسة محاكمتنا عبارة عن مسرحية سيئة الإخراج، وللأسف الشديد لعب فيها المحامي الذي تكلف بالدفاع عنا دور مساعد المخرج لأن المخرج كان هو القاضي، لقد عرفنا فيما بعد أن المحامي الذي تكلف بالدفاع عنا كان ضابطا برتبة كومندان يشتغل بالنيابة العامة بالمحكمة العسكرية ثم قدم استقالته ليشتغل كمحام بنفس المحكمة لكن حتى نحن نتحمل قسطا من المسؤولية في القبول به لأن القبطان مصطفى أديب الذي كان معتقلا معنا بنفس السجن بسلا حذرنا مرارا من هذا المحامي وطلب منا تغييره بآخر واقترح علينا المحامي بنجلون، لكن عندما اتصلنا به تعذر علينا أخذ موعد معه لأنه لم يكن بمكتبه، المهم أن هذا المحامي أثناء الجلسة بنى دفاعه على الجوانب الإنسانية حيث خاطب القاضي قائلا: «سيدي القاضي إن هؤلاء لازالوا صغارا ومن العيب أن تدمر حياتهم في السجن لهذا ألتمس منك الرأفة بهما». هل هذه تستحق أن تكون مرافعة لمحام محترف، لقد كان عليه أن يتقدم بالدفوعات الشكلية وأن يطالب بإسقاط المحضر وإحضار المتورطين في الفساد الذين ذكرنا أسماءهم ورتبهم في تقريرنا. كان عليه أن يحول المحاكمة إلى مكان للحقيقة، لكنه اختار التواطؤ فكان نصيبنا السجن لسبع وثمان سنوات وإن كنت متأكدا من أن الأحكام جاءت مكتوبة مسبقا. أثناء محاكمتنا كان القاضي يطلب منا الإجابة عن أسئلته بنعم أو لا ولا يترك لنا المجال لشرح ملابسات وأسباب اعتقالنا للضابطين. لقد قال لنا هل أنتما من احتجز هذين الضابطين؟ وعندما قلت له نعم لكن من أجل أن نسلمهما... قاطعني قائلا أجب بنعم أو لا دون شرح. -أنت وإبراهيم جالطي تتهمان بأنكما تضخمان من حجم الفضائح والخروقات التي ترتكب داخل الجيش وأنها لا ترقى إلى ما تدعيان. بماذا تجيب؟ > إن جوابي لكل من يقول هذا الكلام ويتهمنا بتضخيم الأمور هو أن يطلع على التقارير الدولية التي تصنف الجيش في المغرب بكونه من أكثر المؤسسات التي تعرف انتشارا كبيرا للفساد والرشوة، ثم إذا لم يصدق كلام وتقارير المنظمات الدولية فلينظر إلى الواقع أمام عينيه، سأطلب منه أن يذهب إلى أقرب ثكنة قريبة منه ليرى بأم عينيه جزءا بسيطا من هذا الفساد أو لنقل آثاره على الجنود، سيرى عددا منهم يرتدون أسمالا خضراء بالية تسمى الزي العسكري ، وعوض ارتدائهم للأحذية العسكرية يرتدون أخذيتهم المدنية. أتعرف لماذا؟ -لماذا؟ > لأن الميزانية المخصصة لكسوتهم والتي تقتطع من رواتبهم شهريا قد تم السطو عليها، وإذا كان من حق الجندي أن يحصل كل ستة أشهر على زي جديد فإن منهم من لم يحصل عليه منذ سنوات، وإذا اقتربت منه لتسأله عن أوضاعه المعيشية داخل الثكنات فكن متأكدا بأنه لن ينتهي من سرد معاناته ، معاناته مع اللباس ثم معاناته مع الأكل السيء، وبالمناسبة أقسم لك أن الأكل الذي كان يقدم لنا بالسجن أفضل بكثير من الأكل الذي كان يقدم لنا ونحن في الثكنة، إني لا أبالغ أبدا ولكنها الحقيقة المرة التي يمكن لأي كان الاطلاع عليها، ثم سيحكي لك هذا الجندي البسيط عن معاناته مع رئيسه في الثكنة الذي يمارس عليه كل أشكال الاضطهاد والعبودية تصل حد اعتقاله وسط الثكنة. -وهل يتم اعتقال الجنود داخل الثكنة؟ > إن جميع الثكنات العسكرية في المملكة تتوفر على سجن صغير يتم فيه اعتقال الجنود الذين يرتكبون أخطاء بسيطة كتأخرهم عن العمل أو عدم تأديتهم للتحية العسكرية، أو عدم حلقهم لذقونهم أو الشجار فيما بينهم وما إلى ذلك من التصرفات التي يرى رئيس الثكنة أنها تخرج عن قانون الانضباط العسكري، حيث يمكن للضابط السامي أن يعتقل جنديا من جنوده لمدة شهر ونصف دون محاكمة وبجرة قلم فقط، وهناك من الجنود من يغادرون منازلهم صباحا ولا يضمنون عودتهم إلى زوجاتهم وأولادهم ليلا، حيث إذا صادف أحدهم رئيس الثكنة وكان هذا الأخير بمزاج سيء فإنه سيرسله لقضاء خمسة عشر يوما في السجن على الأقل لسبب تافه بقبو وسط الثكنة تنعدم فيه أدنى الشروط الصحية، إنه سجن يوجد في بعض الثكنات تحت الأرض يذكرك بالأزمنة الغابرة وكأن الزمن يعود بنا إلى الوراء إلى عهد الفراعنة، وبالمناسبة سأحكي لك قصة لازال يتداولها جنود إحدى الثكنات بوجدة. فقد كان يرأس هذه الثكنة كولونيل معروف بنزواته ولياليه الحمراء وكانت هوايته هي الإيقاع بنساء جنوده ، وكانت وسيلته تتمثل في تكليفه لأحد الجنود الوشاة كي يخبره بأسماء الجنود الذين لهم زوجات جميلات، ليعمد الكولونيل إلى فبركة سبب فيودع الجندي بسجن الثكنة لمدة طويلة ثم يرسل إلى زوجته هذا الواشي وكأنه فاعل خير يريد التوسط لها لدى الكولونيل من أجل الإفراج عن زوجها، ويخبرها أن هذا يقتضي منها التوجه إلى مكتبه بالثكنة لتستعطفه، واعدا إياها بأن الكولونيل سيشفق لحالها ولحال أبنائها، فتتوجه المسكينة بحسن نية إلى مكتبه فتجده ينتظرها وعلامات الغضب المصطنع بادية على وجهه ثم يبدأ في سرد أخطاء زوجها وأنه سيكتب به تقريرا للقيادة العليا من أجل طرده من العمل نهائيا لأن خطأه فادح ولا مجال لإصلاحه وبعد أن يرهبها بكلامه هذا ينتقل معها للمساومات والإغراءات عارضا عليها بطرقه الماكرة قضاء ليلة حمراء معه مقابل الإفراج غدا صباحا عن زوجها. هنا تقع هذه الزوجة فريسة سهلة بين مخالب هذا الذئب والذي وعدها أيضا بأنه سيعمد إلى ترقية زوجها شريطة أن تبقى علاقتهما سرية وبالفعل في الغد يطلق سراح زوجها دون أن يدري هذا المسكين أن هذا قد تم مقابل شرفه، هكذا كانت طريقته في اصطياد ضحاياه من نساء الجنود لكن في المقابل كانت هناك فئة من النساء العفيفات اللواتي يرفضن الخضوع لتهديداته، لكن ولكي أكون صادقا معك فكما أن هناك نساء عفيفات وما أكثرهن كن يرفضن الخضوع لرغبات ذلك الضابط الشاذ فإن هناك فئة من رؤساء الثكنات ومن الضباط النزيهين الذين يستحقون شرف حمل البذلة العسكرية وإليهم أوجه التحية العسكرية بكل احترام، لكن ما أقلهم للأسف الشديد، هذا فقط جزء يسير من باقي الخروقات الأخرى والتي لا تعد ولا تحصى.