في رأي العديد من المهتمين، يمثل الفنان محمد المزكلدي علامة بارزة في التراث المغربي المعاصر، إذ يشكل الرجل أحد الأسماء التي أسست صرح الأغنية المغربية من خلال مساهمته في تأسيس وتطوير العديد من الأجواق، ومساهمته كذلك في التعريف بهذه الأغنية عبر سفره إلى المشرق في الستينيات والتقائه واحتكاكه بمجموعة من رموز الأغنية العربية، مجسدة في محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش،.. هذا فضلا عن قيمته كمطرب وهب المغاربة العديد من الأغاني الخالدة التي ترددت كلماتها وإيقاعاتها في القصر الملكي في مناسبات عدة، من بينها أغنية «خمسة وخميس» وأغنية «العروسة». تحكي مصادر أن الملك الراحل الحسن الثاني طلب من الفنانين محمد المزكلدي ومحمد الحياني أداء أغنية «خمسة وخميس» التي كتب كلماتها علي الحداني ولحنها العربي الكوكبي. وهذا اللحن اقتبسه صاحبه من معزوفة مشهورة للعازف الكبير الراحل أحمد الشجعي، والتي أضيفت بأمر من الملك الحسن الثاني في وسط الأغنية ليؤديها المزكلدي على إيقاع الجوق الملكي خلال الاحتفال بعقد قران الأميرة «لالة أمينة». ولأعراس الأميرات حكاية أخرى مع المزكلدي، وفي هذا الإطار نقل عبد المجيد بنكيران عن محمد المزكلدي قوله إنه أدى أغنية «زينة العرايس» أو «العروسة» في زفاف إحدى الأميرات بدعوة من الملك الراحل الحسن الثاني، وأضاف بنكيران: «هذه الأغنية تحتفي بالعرائس بشكل جميل للغاية، وكلماتها تعبر عن ذلك، إذ يقول المزكلدي: «العروسة زينة حلوة وفنينة عريسها شاب لطيف وبشكل باين ضريف هو يبغيها، هي تبغيه، من قلبو يحن عليها من قلبها تحن عليه لحباب ولصحاب دايرين بيه كيهنيو ويغنيو ويباركو وزيدو ويغنو وعيدو العروسة مرهونة، هاهي مرهونة في دار باها مرهونة هالحجوب عليك يا زينة العرايس ها الزين المسرار هاهو ها الهمة والشان هاهو قطيب الخيزران هاهو يا زينة العرايس» في السياق ذاته، كان الصحافي ادريس ولد القابلة قد أجرى حوارا مع سعيد هبال، صاحب كتاب «فنانون ببلاط الملك» المنشور على موقع «المغرب الملكي»، خصص إحدى فقراته لهذه الأغنية قائلا: «يسترسل سعيد هبال في حديثه قائلا.. خلال زواج إحدى الأميرات، سأل الملك الحسن الثاني عن «بلاطو» السهرة ومن فيه. فقيل له هناك عبد الهادي بلخياط وفلان وفلانة.. فقال لهم: «.. وأين هو المزكلدي؟»، فقيل له لا يوجد ضمن لائحة الفنانين المدعوين، فقال: «إنني أريد المزكلدي لكي يغني في زفاف ابنتي «العروسة مرهونة»»، فتم الاتصال بعامل مدينة فاس وحملوا الفنان المزكلدي على وجه السرعة إلى القصر الملكي، وكان مريضا ولم يكن قد تمرن على هذه القطعة منذ مدة مع الجوق، فسأله الملك: «لم أرك منذ مدة»، فأجابه المزكلدي: «نعم آسيدي، اللي كلا حقو تايغمض عينيه»، وقال له الملك: «كيف هي أحوالك الآن؟» فأجاب المزكلدي: «أنا مريض طريح الفراش ولا من سأل عني»». وبعد الحفل استقبله الملك وقال له: «ماذا تطلب؟ وما الذي يمكن أن أقدمه إليك؟»، فأجابه المزكلدي بكل نبل: «نعم آسيدي، وضعي المادي مريح، ولكني أريدكم أن تلتفتوا إلى المعطي بنقاسم، إنه يموت ولديه أكثر من سبعة أولاد»، آنذاك كان الفنان بنقاسم مهددا بالإفراغ من بيته نظرا إلى الدعوى القضائية التي كانت قد رفعت ضده. لم يطلب المزكلدي شيئا لنفسه وإنما طلبه لزميله المعطي بنقاسم، وبذلك كبر في عين الملك الحسن الثاني». المزكلدي، الذي كرمته مؤخرا النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة إلى جانب الشاعر قاسم الفيلالي، غنى ذات يوم أغنية «مبارك ومسعود»، «زهرة بلادي»، «فين غاب القمر»، «علاش قطعوك يا الوردة»، «أنا محتار»، «ظلمني الحب»، «قنديلي يا قنديلي»، ... إنه المزكلدي الذي يعاني هذه الأيام أزمة صحية وينتظر أن يدعو إليه محبوه وعشاق الأغنية المغربية الأصيلة بالصحة والعافية.