«الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة»، وهي شركة مجهولة الهوية، معلومة الأهداف، أصبحت فضيحتها على كل لسان، وكان طبيعيا أن تتجاوب الصحافة الوطنية ومعها الإعلام الأجنبي مع محنة المغاربة، على أنها حدث يستحق المواكبة والمتابعة، خصوصا وأن الإعلام المغربي الرسمي يعاني وينزف دما، فإعلام السلطة أفلس ويعيش لحظات احتضار لا تنتهي، ويواصل فشله بنجاح منقطع النظير، ويستمر في نهب أموال المغاربة، ورغم ذلك فهو يصر على معاقبة جمهور المشاهدين وإزعاجهم بحشرجاته وزفير أنفاسه الأخيرة. مجلة «جون أفريك» الصادرة في باريس انتبهت إلى بعض مواطن الخلل في ما تبقى من المشهد التلفزي الرسمي الذي لم يعد يرى في جمهرة المشاهدين سوى أفواه مفتوحة بشراهة من أجل استهلاك كل البضائع التي يمكن أن يتصورها العقل، وذلك عبر شحْن الأذهان بحصص إشهارية ثقيلة على القلب وثقيلة أيضا في صندوق مداخيل التلفزة المفلسة. وأوردت المجلة بعض الأرقام ذات الدلالة البليغة، وذكرت أن الوصلات الإشهارية خلال شهر رمضان تبلغ 68 ساعة، فيما لا تتجاوز 16 ساعة خلال الشهور الأخرى، وذلك بمعدل 27 فاصلا إشهاريا يوميا في رمضان مقابل 18 في باقي أيام السنة، وهو الأمر الذي وضع أقسام البرمجة أمام خيار لا ثاني له، ويتمثل في حذف عدد كبير من البرامج، ما دام الإشهار تحول بقدرة قادر إلى برنامج يومي قائم الذات والصفات (انتهى كلام المجلة)، حيث تخاطب هذه التلفزة المُفْلِسة المشاهدين العُزّل بقولها: الآن مع فاصِل إشهاري ثم نعود إلى برامجنا الإشهارية، وبعدها سنلتقي مع سهرة الإشهار، تليها مباشرة نشرة أخبار الإشهار فابقوا معنا. وقد نتفهم القضية لو تعلق الأمر بتلفزة تجارية يملكُ أسهُمَها تُجّار النقانق «الصوصيص» والأجبان والصابون أو سماسرة السيارات والعقارات، والشقق، هَمُّهُم الوحيد الترويج المُفْرط لبضائعهم داخل أسواق تتسم بالتنافسية الشرسة وغير المتكافئة. ولكن الأمر يتعلق هنا بتلفزة هي أولا وقبل كل شيء مِلْكٌ لعموم المواطنين. ولعل توقعاتهم قد أفْلست بعد إفلاس قطبهم خصوصا وأن هناك أصداء انتفاضة شعبية قوية وغير مسبوقة تندد بالمنكر التلفزي المخزني بكل الوسائل المتاحة، وقد وصلت لا محالة إلى آذانهم الصّماء. إن صمت «المسؤولين» الذي يفوق صمت أبي الهول الأبدي إزاء الانتفاضة الجماهيرية، هو صمت المنهزم الخاسر والظالم، الذي «يلعب» بأموال الشعب وحقه في إعلام حرّ وديمقراطي، وهو دليل العارْ والحشومة التي «كَسَتْ» هؤلاء المسؤولين الذين راكموا ارتكاب الأخطاء والخطايا في حق هذا الشعب وتجب محاسبتهم، لا أن يكون ذلك الصمت عبارة عن استهتارهم واحتقارهم، كما جرت العادة، لنبض الشارع وغضب الجماهير الذي بدأ هَامساً وأصبح هادرا اخترق الحدود (لأن المسؤولين على التلفزة تجاوزوا كل الحدود) وعَمَّت أصداؤه العالم. إنه تسونامي شعبي لن يتوقف إلى أن يتم توقيف وتغيير هذا المنكر الإعلامي.