هناك خبر تناقلته الصحافة البحرينية خلال الأسبوع الأول من رمضان، مر مرور الكرام دون أن ينجح في خلق نقاش جدي حوله، رغم أنه يفضح وجها مخجلا لنا جميعا كمغاربة. الخبر يقول إن السلطات البحرينية طردت 500 «فنانة» مغربية كن «ينشطن» في العلب الليلية لفنادقها وكباريهاتها. وطبعا، لا حاجة بنا إلى شرح نوعية «النشاط» الذي كانت تقوم به هؤلاء «الفنانات» المغربيات في فنادق البحرين. فالجميع يعرف، بمن في ذلك العائلات التي ترافق بناتها بافتخار إلى مطار محمد الخامس لأخذ طيران الخليج، أن هؤلاء «الفنانات» يأكلن الخبز من لحومهن. خبر صاعق كهذا كان يجب أن يحرك نقاشا عاصفا حول هذه السمعة المبهدلة التي أصبحت تلاحق المغربيات أينما حللن، إلى درجة أن كثيرا من المغربيات المهاجرات العفيفات أصبحن مجبرات على انتحال جنسيات عربية أخرى للفرار من الشبهة التي تحول مقامهن في ديار المهجر إلى جحيم. لكن الذي وقع أن الخبر نشر في الصحف ومر بشكل أكثر من عادي، مع أنه لو حدث في دولة أخرى لعقد برلمانها جلسة عاجلة لمناقشة أنسب السبل لوقف هذه «الشوهة» العالمية التي أصبحت تلاحق المغربيات أينما حللن. لكن أين هو البرلمان عندنا. منذ أن أغلق أبوابه قبل العطلة الصيفية وهو ينتظر الدورة الخريفية، وحتى إن فتح أبوابه فإن الجالسين فوق مقاعده يستنشقون بمجرد ما يجلسون رائحة بخور سري «يضبعهم» ويجعلهم حاضرين بأجسادهم فقط دون عقولهم. وربما لهذا السبب فأغلب القاعات التي تجري فيها اجتماعات رجال السياسة المغاربة تسبقهم إليها مبيخرات سرية. البرلمان لا يفتتح دروته الخريفية إلا بعد أن تمر المبيخرة أولا، ولذلك تلاحظون أن أغلب النواب البرلمانيين بمجرد ما يدخلون يصبحون مضبوعين، بعضهم يصاب بمرض النوم والبعض الآخر يصاب ب«الطجة» فيهجر البرلمان، ولا يعود إليه كما لو أنه يرى فيه «قباض روحو»، والقلة القليلة التي تحضر تصوت ضد مصلحة الشعب، كما يحدث دائما مع قانون المالية المليء بالضرائب والزيادات في الأثمان. أحيانا يبدو لي أن جزءا كبيرا من الشعب المغربي واقع تحت تأثير «تبخيرة» قديمة، لذلك أصبح بنادم «مضبوع غير بوحدو». تستطيع أن تسرق جيوبه وهو صامت، تستطيع أن تستغفله في التلفزيون وهو يبتسم، تستطيع أن تبهدله بالضرائب وهو ينفجر من الضحك، تستطيع أن تقول له إن 500 بنت من بنات المغاربة يمارسن الدعارة في البحرين تم طردهن جماعة فلا تتحرك في رأسه شعرة واحدة؛ حتى إنه أصبحت لدي قناعة بأن الحل الوحيد المتبقي أمامنا للخروج من حالة «التضباع» التي نعيشها هو أن نلجأ إلى حملة وطنية للتفوسيخ. ولهذه الغاية، يجب على الحكومة أن تفكر في إحداث وزارة «الفاسوخ» يكون برنامجها الوحيد هو إبطال «العكوس» الذي تخطيناه ذات يوم في لحظة سهو. والبداية يجب أن تكون من البرلمان، فعوض تبخيره قبل كل دورة خريفية يجب أن يسهر وزير الفاسوخ على رش السادة النواب بالماء الذي سيبطل مفعول السحر الذي يقعون تحت تأثيره. في انتظار أن تتحقق هذه الأمنية، سيكتفي المغاربة بتلك «المريشات» التي تخرجها مضيفات طيران الخطوط الجوية الفرنسية عندما يجلس جميع الركاب المغاربة فوق مقاعدهم. فيبدو أن الخطوط الجوية الفرنسية بدأت تخلط المسافرين المغاربة بالحشرات وصارت ترشهم بالمبيدات قبل إقلاع الطائرة. وفي كل مرة يسافر مغاربة عبر الخطوط الجوية الفرنسية من المغرب يستغربون كيف أن المضيفات الفرنسيات، اللواتي يلبسن قفازات من البلاستيك، يخرجن مبيدا حشريا ويبدأن في رش رؤوس الركاب كما لو كانوا مجرد ناموس، وعندما ينتهين من «الرشان» يبدأن في رش حقائب المسافرين. فيبدو أن فرنسا حريصة على إبطال «العكوس» الذي يعاني منه المغاربة داخل طائراتها قبل أن ينتقلوا للعيش فوق أرضها خوفا انتقال العدوى إلى مواطنيها. وقد ذكرني هذا المنظر بما كان يحكيه بعض سكان الدارالبيضاء القدامى عندما كان المعمرون الفرنسيون يخصصون للمغاربة يوما واحدا في الأسبوع للدخول إلى السينما، وعندما ينتهي الفيلم ويخرجون تقفل السينما أبوابها طيلة اليوم الموالي لكي يتم رش المقاعد والممرات بمبيد حشري يقتل البكثيريا، ربما يكون هو نفسه الذي ترشه مضيفات الطيران الفرنسي فوق رؤوس المسافرين المغاربة الذاهبين إلى فرنسا. مرت خمسون سنة على خروج الاستعمار الفرنسي من المغرب، ومع ذلك مازال بعضهم يحن إلى أيام الاستعمار. هل تتصورون أن فرنسيا سيقبل أن ترشه مضيفة مغربية على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الملكية بمبيد حشري دون أن يقلب الطائرة رأسا على عقب ويطالب الإدارة بتعويض؟ الذي حدث أنه لا أحد من ركاب الطائرة المغاربة، غير الراكبتين اللتين احتجتا، حرك ساكنا، كلهم تقبلوا الرشة بصدر رحب كما لو أن المضيفات كن يرششنهم بماء زهر! وهذا جانب آخر من جوانب «التضباع» في الشخصية المغربية، «بنادم ترشو حتى بالكيماوي وما يتحرك فيه حتى عرق». ولعل أحد وجوه «التضباع» التي أصبح يعاني منها المغربي هو أنه أصبح «ماسوقوش»، يمكن أن يرى أمامه مناظر مهينة لكرامة المغربي ودينه وسمعته دون أن يرف له جفن. وتحكي لي إحدى المواطنات المغربيات، متزوجة من مصري وتعيش في القاهرة، أنها في آخر مرة أخذت الطائرة من الدارالبيضاء، ركبت خلفها فتاة مغربية في مقتبل العمر وبجانبها عجوز خليجي في عمر جدها. وبمجرد ما أقلعت الطائرة بدأ العجوز في «التفنكيش» في الفتاة المغربية، بينما هي «تكهكه» بأعلى صوتها، فلم تتحمل المواطنة المغربية المقيمة بالقاهرة المنظر وطلبت من الفتاة أن تحترم على الأقل أبناء بلدها وألا تهينهم بهذه الطريقة الساقطة. وأضافت المواطنة متهكمة: - وكون غير كانت مع شي واحد يحمر الوجه ما يسالش، الراجل حاط رجل فالدنيا ورجل فلاخرة وزايدها بالبوسان، ما عندوش حتى الفم مقاد باش يبوس! لكن الفتاة وعجوزها تعاملا مع ما قالته المسافرة المغربية باستخفاف واستمرا في مشاغلهما. وأمام صمت الرجال المغاربة الذين كانوا يسمعون صوت «التكهكيه» يمزق سكون الطائرة، قامت المواطنة المغربية وأسمعتهم «خل ودنيهم»: - ما حشمتوش يا رجالة الكارطون، حتى واحد فيكم ما فيه النفس ينوض ويهضر مع هاذ الباسلة تحتارم راسها هيا وهاذ بوخنونة اللي معاها. نتوما رجال نتوما، بقا ليكم غير تنوضو تضربو ليه الرش باش يبقى على راحتو. إيوا الله يعطيكم الذل كثر من هاذاك اللي نازل عليكم! الحقيقة أنني لم أقل شيئا بعد كل ما سمعته، وحاولت أن أغير الموضوع وسألتها عن أحوال الجالية المغربية في مصر، فانتفضت غاضبة وأخبرتني بأن القنصلية المغربية بالقاهرة تتعامل مع أفراد الجالية المغربية مثل «الدبان»، وتخصص لهم يوما واحدا فقط في الأسبوع لقضاء أغراضهم الإدارية، فسألتها ماذا تصنع مع كل هذه البيروقراطية، فقالت لي: - شديت الجنسية المصرية وتهنيت من القنصلية ديال المغرب. ومنها نيت ملي يسولوني واش مغربية كانكر. اللهم مصرية أخويا ولا مغربية، شي وحدات فيهم رجعو السمعة ديال المغرب زي الزفت!