يتوجه الناخبون الكبار ب 16 جهة عبر مختلف مناطق المغرب مرة أخرى، اليوم الأربعاء، إلى صناديق الاقتراع لاختيار مجالس هذه الجهات، التي يصفها البعض بأنها واحدة من «العلب السوداء» لوزارة الداخلية بالإضافة إلى مجالس العمالات والأقاليم، بحيث يعتبر العامل هو الآمر بالصرف على المستوى الإقليمي، مما يجعل مصالح وزارة الداخلية تفضل التعامل مع مكاتب مجالس «ضعيفة»، بدلا عن أخرى قادرة على اتخاذ «قرارات مستقلة» قد لا تتماشى وتوجهات السلطات الإقليمية. وتتكون مجالس الجهات من صنفين من الأعضاء؛ هما صنف الأعضاء المقررين ويضم ممثلين منتخبين للجماعات المحلية وممثلين منتخبين للغرف المهنية وممثلين منتخبين لهيأة المأجورين، وصنف الأعضاء المستشارين ويضم أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين بالجهة وأعضاء مجلس المستشارين المنتخبين ضمن هيأة المأجورين، وأعضاء مجلس المستشارين المنتخبين في إطار الهيئة الناخبة لممثلي المأجورين القاطنين بالجهة أو المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة التابعة للجهة ورؤساء مجالس العمالات والأقاليم بالجهة. واعتبر الباحث الجامعي وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، حسن طارق، أن انتخابات مجالس الجهات لهذه السنة «تكتسي صبغة خاصة، سياسيا وتنظيميا، حيث في الوقت الذي تشكل فيه لبنة أخرى ضمن خارطة سياسية بدت معالمها تتشكل منذ انتخابات 12 يونيو الماضي، فإن هذه الانتخابات تأتي في سياق حديث الملك في خطابه الأخير عن تطوير النظام الجهوي المغربي وجعله متقدما»، وكذلك في سياق دعوة الملك إلى خلق لجنة تقنية تعكف على التفكير في نمط «الجهة المتقدمة» التي يمكن للمغرب أن يأخذ بها في رسم خارطته الإدارية. إلا أن طارق أضاف متأسفا، أن هذه الانتخابات يغيب فيها «العمق السياسي»، حتى وإن كانت تتميز بطابعها الانتخابي الديمقراطي، باعتبار أنها تتحول إلى «سوق انتخابي»، تختفي فيه المبادئ الحزبية والسياسية مقابل «بيع وشراء الذمم واستعمال المال لاستقطاب الناخبين الكبار»، مؤكدا في ذات السياق، على أن القول بكون المؤسسات المنتخبة بطريقة غير مباشرة مثل مجالس الجهات ممارسة ديمقراطية، هو «نفاق وكذب على الذات»، لأن الوضع الحالي بالمغرب وصل إلى «ترد حقيقي»، داعيا إلى ضرورة «تبني إصلاح سياسي يمر عبر الأخذ بالبرامج السياسية، التي تراجعت في انتخاباتنا، بدل الأخذ بوسائل التأثير المختلفة لاسيما على الناخبين الكبار». ويرى المتتبعون أن العامل بالإقليم أو العمالة، بالإضافة إلى أن الميثاق الجماعي ينص صراحة على توليه مهمة الآمر بالصرف في نطاق تراب عمالته، فإن الدستور يمنحه صلاحيات واسعة وغير محددة عندما يحدد بوضوح في الفصل 102 منه، أنه «يمثل العمالُ الدولةَ في العمالات والأقاليم والجهات ويسهرون على تنفيذ القوانين، وهم مسؤولون عن تطبيق قرارات الحكومة كما أنهم مسؤولون، لهذه الغاية، عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية». وأفاد مقربون من انتخابات مجالس العمالات والأقاليم وكذا انتخابات اليوم الأربعاء، أن المرشحين ابتدعوا طرقا لشراء الأصوات، بحيث في الوقت الذي يصر فيه البعض على وضع العلامة في ورقة الاقتراع في جهة محددة ومتفق عليها سلفا من الورقة، يذهب البعض الآخر إلى رسم شكل معين كعلامة على الورقة، كما أفادت بذلك مصادر من جهة عبدة دكالة، وهو ما يوحي للمرشح بحقيقة التصويت لفائدته من طرف من قبض الثمن. في سياق ذلك وصف عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عبد العزيز رباح، الوضع ب«الخطير»، في إشارة منه إلى تفاقم استعمال المال، قبل أن يضيف «أن شراء إرادة الناخبين الكبار وتأثير بعض العمال، باعتبارهم آمرين بالصرف، على عدد من المنتخبين الناخبين، بقصد تشكيل مكاتب ضعيفة إقليميا، يُفقد هذه الانتخابات نزاهتها». وزاد رباح موضحا في تصريحه ل«المساء»، أن التقطيع الانتخابي الذي يمنح عددا من الأصوات للعالم القروي تفوق أحيانا الأصوات الممنوحة للمدن الصغرى والمتوسطة، «يؤثر على الخارطة السياسية، باعتبار سهولة التأثير على أصوات العالم القروي بالطرق المعروفة»، مضيفا أن هذه الخارطة السياسية تظل «غير ثابتة» في أفق إجراء هذه الانتخابات بالنظر إلى «الانتقال الغريب» لعدد من الناخبين الكبار من جهة إلى جهة أخرى في أوقات قياسية.