تتشابه عنده البداية بالنهاية، تعلم الكرة و«تخرازت» في وقت واحد، كان الصغير يومها، يهرب من محل والده ليلتحق بملاعب الأحياء في العالية، في حي شعبي أنجب يوما مجموعة رياضيين موهوبين بالفطرة، كان الوالد يصر على أن يتعلم ابنه حرفة إسكافي، قال له يوما «تبع حرفة بوك لايغلبوك»، لم يكن محمد كراط، وهذا هو اسمه، يدرك معنى المثل الشعبي، ولكنه كان يطأطئ رأسه، ويحمل الأحذية ليصففها في محله الصغير، بعدها بدأ الشاب يكبر تدريجيا. كانت كرة القدم تشده إليها، لعب لفرق الهواة قبل أن ينتقل إلى فرق لفقيه بنصالح، وفاء وداد، والإتحاد البيضاوي، وحسنية بنسليمان ثم هلال الناضور. كان كراط يعشق مركز الحراسة، قدم عطاء محترما داخل كل الأندية، ووجد نفسه يوما يشغل منصب مدرب حراس المرمى. «بعد تجربة طويلة في ميادين التباري، وجدتني مشدودا إلى تدريب الحراس، كان طموحي الكبير أن أكون حراسا داخل مدينة الزهور يعيدون مجد السنين، حصلت على ديبلوم من معهد مولاي رشيد بجمعية الإتحاد الوطني لمدربي كرة القدم، دربت فريق شباب المحمدية فئة الصغار، وبعد سنتين التحقت بفريق الإتحاد كمدرب لحراس فئة الكبار، لقد كانت المحمدية دائما مصدرا لإشعاع رياضي، أنجبت حراسا كبارا، وقد اختلفت الأمور الآن، لم يعد هناك حراس بحجم الجيل السابق، نظرا لانعدام أرضية العمل، وليست هناك متابعة للحراس منذ الصغر.» كان كراط ولقبه فرس، قد انتقل لمرحلة أخرى تتضاعف فيها المسؤولية، فقد أصبح محكوما بتكوين حراس مميزين، وليس هناك مجال للخطأ، أصر الحارس على ركوب التحدي، قدم عملا كبيرا، واستحق كلمات الإشادة، ولكنه وجد نفسه كباقي مدربي الحراس في المغرب يعيش وضعا غير قانوني، وضعا لا يشجع على العمل. «لا تعترف الجامعة بمدرب الحراس، لا نملك ملفات خاصة في مكاتب الجامعة، نعمل طيلة الأسبوع، ونجد أنفسنا يوم اللقاء مثل باقي المتفرجين، نتابع المباراة من المدرجات، ليس لنا حق الجلوس في كرسي الاحتياط، و لا نملك حتى بطاقة تعريفية، فكيف يمكن أن تكون فاعلا داخل النادي مع غياب كل حوافز الدعم» برغم لعبه لأندية مختلفة لم يستفد الكراط شيئا على مستوى الرقم المادي، كانت المنح ضعيفة لا تكفيه أحيانا لسد نفقاته، كان فريق الإتحاد يمنحه راتبا شهريا لا يتعدى الألف درهم، وحين أكرموه أضافوا إلى راتبه ربع منحة المباريات، فلم يجد الرجل غير محله، يأتيه بعد نهاية التداريب ليمارس حرفته كإسكافي، يساعد نفسه على مصاريف العيش، متزوج وله ولدان المهدي وأمينة، يحاول الرجل أن ينسى تاريخه الرياضي، لا يستعر من مهنته، يعلم أنه بفضلها يلبي كل متطلبات البيت، في وقت لم تقدم له الكرة شيئا إضافيا، يفتخر اللاعب بمعارفه، كون علاقات مختلفة، وظل يبحث عن أفق جديد، عن فضاء رحب للعمل، عندما غادر فريق الإتحاد في نهاية الموسم الماضي، وجد الكراط نفسه في دكانه الصغير يقوم ببيع وإصلاح الأحذية، يستعين على قضاء حوائجه بالعمل، كيف يعقل أن تكون رياضيا، وتمارس مهنة تبتعد عن المجال بآلاف الأميال، لكن كراط، يفعل ذلك بسرور، عندما عجزت الكرة عن أن تغنيه عن ممارسة حرفته، ويعيش الحارس على ذكريات الكرة الجميلة، ولكنه لا يتوقف عن تحقيق حلمه، عن وجود فضاء رحب للعمل، وهو ما قد يهيئه له فريق شباب الريف الحسيمي، فربما قد تختلف عنده النهاية بالبداية، وينسى اللاعب كل بداياته، وقد يكبر حلمه ويخرج من دوامة التفكير في مستقبل رياضي، ولن يعود بعدها ليمسك مطرقة ومسمارا ويدقه في نعش الرياضة الوطنية.