سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المخابرات الروسية أوهمت «بولارد» بأنه يعمل لصالح اسرائيل وليس لصالح الاتحاد السوفياتي توماس بكرنج السفير الأمريكي لدى تل أبيب قال إننا على يقين تام بعلاقة قادة إسرائيل بالعملية التي قام بها بولارد
وحدها الحوادث ذات الدلالة الاستثنائية هي التي تلهب حماس المحلل السياسي حتى لو لم تحتل واجهة المشهد الإعلامي، وعندما تتجسس (إسرائيل) على أمريكا فمن الضروري أن نتوقف ونحاول فهم دلالات الموقف الذي يفترض ألا يحدث في ضوء المقولات السائدة في الخطاب السياسي العربي عن العلاقة بين أمريكا (وإسرائيل) والتي تتراوح بين الترويج الأعمى لمقولة أن (إسرائيل) تحكم أمريكا، والترديد الببغائي لخرافة أن العلاقة بينهما هي «العروة الأوثق» التي لا ثغرات فيها ولا مسافات ولا خلافات حيث «إسرائيل هي أمريكا» و«أمريكا هي إسرائيل»! الواقع أن تعليق «هملز» يؤكد على أمر هام آخر بالوثائق التي وصلت إلى إسرائيل عبر بولارد وهو أن (إسرائيل) هي الدولة الوحيدة التي كان يمكن لها أن تستخدم ذلك القدر الكبير من الوثائق، خاصة وأن جمعها وإرسالها كان بحاجة إلى جواسيس آخرين يعملون بالخفاء مع بولارد، وهذا ما عبر عنه «توماس بكرنج» سفير الولاياتالمتحدة لدى (إسرائيل) آنذاك في تعقيبه على القضية في برقية سرية أرسلت إلى وزارة الخارجية الأمريكية (رقم 17246 بتاريخ 26 نوفمبر 1984) حيث أفرد قائلا «إننا على يقين تام بعلاقة «رفائيل آيتان « (هو مدير الليكيم أي الوحدة في وزارة الدفاع التي أدارت عملية بولارد، والذي كان يشغل كذلك مستشار شامير وشمعون بيريز حول شؤون المخابرات ومكافحة الإرهاب) ومكتب رئيس الوزراء بملابسات العملية التي قام بها بولارد». وربما كان الجانب الأشد إحراجاً (لإسرائيل) من قضية بولارد، والسبب الرئيسي الذي من أجله يرغب المتورطون مباشرة فيها أن يطلق سراحه وأن يتم إغلاق القضية نهائياً هو الإطار السياسي الذي تمت فيه العملية، إذ تخشى (إسرائيل) طرح المزيد من الأسئلة التي تكشف عن تورطها في التجسس على الولاياتالمتحدة ؟ وهل كان بولارد الوحيد الذي قبض عليه وهو يتجسس أم أنه كان الوحيد الذي قبض عليه وحوكم ؟. الواقع أن بولارد لم يكن أول من فعل ذلك كما أنه لم يكن أول جاسوس لإسرائيل يقبض عليه أو حتى يقبض عليه ويحاكم، ويفرّق بليتزر بين نوعين من التجسس: أوّلهما ما يسمّيه بالتجسس الودّي أو تجسس الأصدقاء، (ويتم النوع الأول بوسائل فنية مكشوفة أو عبر الملحقين العسكريين بالسفارات وغيرها)، والآني هو التجسس الخسيس الذي يجند من أجله العملاء ويدفع المال لقاء الحصول على المعلومات، وهذا ما يفعله الجميع، ويضيف بليتزر أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل كانتا منذ عشرات السنين يلتزمان باتفاق يقضي بعدم ممارسة إحداهما النوع الثاني ضد الأخرى. المخابرات الروسية «كي .جي.بي» أوهمت بولارد بأنه يعمل لصالح إسرائيل لا لصالح الاتحاد السوفيتي للحصول على الملفات والوثائق. في تقريرها عن شؤون الشرق الأوسط، نشرت جريدة «ريبورت أون ميدل إيست أفيرز» في عددها الصادر بتاريخ فبراير 1987 مايلي «يبدو أن الإعلام الأمريكي لم يكتشف إلى الآن خطورة عملية التجسس التي قام بها «جوناثان جي بولارد»، فالمذكّرة التي تشتمل على حيثيات الدعوى التي أقامتها وزارة العدل عليه في 5 يناير 1987 وقدّمتها إلى المحكمة الفدرالية في واشنطن تثبت أنه من أخطر الجواسيس الذين عملوا ضد الولاياتالمتحدة في هذا القرن، كما أنها تشتمل على أدلة دامغة جديدة تثبت مدى تورط الحكومة الإسرائيلية فيما حاولت التقليل من أهميته ووصفه بأنه مجرّد «عملية قام بها سفيه»، فالضرر الذي ألحقه بولارد بمصالح الأمن الأمريكي قد يكون من المستحيل الإحاطة بأبعاده، فما قدّمه للإسرائيليين يشتمل على أكثر من ألف وثيقة سرية بينها وثائق تقع الواحدة منها في مئات الصفحات، ومنها ما كان مصنّفاً بين الوثائق السرية جداً أو ما يُعرف «بالوثائق المصنفة الحساسة» التي تشتمل على معلومات عن الأنظمة التكنولوجية المتقدّمة لجمع المعلومات وما جُمع بواسطتها، فهذه الوثائق تشتمل على معلومات مفصّلة عن حكومات الشرق الأوسط وجيوشها، وعن مواضع السفن وأساليب الحرب وأنظمة الأسلحة الأمريكية، وعن تحليل الأمريكيين لأنظمة الصواريخ السوفييتية، كما تشتمل على معلومات وافرة عن أساليب المخابرات الأمريكية البشرية والإلكترونية في جمع الأخبار، بالإضافة إلى أنها قد تسهل في الكشف عن هوية المخبرين الذين تستخدمهم المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط وربّما في أماكن أخرى».