رفضت أم الطفلتين اللتين أجهزا عليهما الأب بفاس، يوم الثلاثاء الماضي، متابعة زوجها. وقالت خديجة للمحققين في محضر استماع لها إنها تتنازل عن متابعة زوجها خالد أمام القضاء، في ما لا يزال هذا الأخير رهن الحراسة النظرية لتعميق البحث معه حول ملابسات الجريمة التي نفذها في حق طفلتيه، مريم وغيثة في صالون منزل العائلة بحي الأدارسة. ولم يتم إخبار الأب، إلى حدود مساء أول أمس الأربعاء، من قبل المحققين بأن ابنتيه قد قتلتا بطعنات سكين المطبخ التي وجهها إليهما في نوبة هستيرية ألمت به. ويرتقب أن يستعين المحققون بطبيبه النفسي لإخباره بالنبأ، وذلك في محاولة منهم لتفادي الصدمة لأب تشير كل الشهادات إلى أنه كان متعلقا بابنتيه، ولا يرغب في الموت وتركهما وحيدتين في مواجهة المجهول، كما قال لرجال الشرطة، الذين بكى أحدهم وهو يسرد تفاصيل الجريمة، فيما قال آخر إنه لم يتمكن من النوم بسبب صورتي الطفلتين اللتين لم تفارقا ذاكرته. ودعا شقيق الزوجة محمد، وهو أستاذ في سلك التعليم الثانوي التأهيلي بفاس، إلى التفاتة ملكية لوضع رب هذه الأسرة في مستشفى للأمراض النفسية لتلقي العلاجات اللازمة، وذلك حتى يتأتى لم شمل الأسرة من جديد. ورفض محمد وصف الحادث بالجريمة. وقال ل«المساء» إن الشخصية التي ارتكبت فعل القتل ليست هي الشخصية الحقيقية للأب الذي وصف بالحنون والذي يحب زوجته وطفلتيه حد الجنون. ورفضت خديجة أن تتحدث لصحفيين حول الحادث، معتبرة بأنها لا ترغب في وصف زوجها بالمجرم. وارتدت خديجة الحداد الأبيض وهي تستقبل مساء أول أمس الأربعاء وفودا من معزي مدينة فاس في بيت شقيقها الذي تحول إلى بيت عزاء بالقرب من الملحقة الإدارية الأدارسة، وهي المؤسسة التي كان أب الأسرة قد قضى في العمل بها ما يقرب من 13 سنة كمحرر لشواهد السكنى في إطار ما يعرف ب«الإنعاش الوطني»، وذلك بعدما قررت العائلة إغلاق الشقة التي شهدت قتل الطفلتين بإقامة الأدارسة بالحي نفسه، تخفيفا من هول الصدمة التي لا تزال الأم متأثرة بها. جريمة في لحظة «جنون» في صباح يوم الثلاثاء الماضي دعيت خديجة إلى حفل عقيقة في بيت أحد الجيران، وقبل أن تغادر المنزل أعدت وجبتي فطور، الأولى للطفلتين، مريم (6 سنوات) وغيثة (3 سنوات)، والوجبة الثانية للزوج خالد، الذي كان من المقرر أن يغادر المنزل في بداية الفترة الزوالية في اتجاه مقر عمله. لكن الزوج لم يغادر في اتجاه العمل وإنما غادر في اتجاه ولاية الأمن لإشعار السلطات الأمنية باعتدائه على طفلتيه بعد نوبة مرضية قال إنها ألمت به ولم يتحكم في نفسه، إلا وهو ينهي اعتداءه بسكين المطبخ. وكان الأب يطلب من ابنتيه أن لا يستمرا في إحداث الضجيج، بينما كان هو يشرب قهوة الصباح في صالون الشقة ويدخن سجائر «كازا سبور»، قبل أن يمنح لهما دريهمات لشراء الحلوى، لكن دون جدوى. وعندما دخلتا إلى المنزل، أغلق الباب واستل السكين وبدأ في توجيه الطعنات للطفلة الكبيرة، ولم تمنعه لا صرخاتها ولا صرخات الطفلة الصغيرة من مواصلة تسديد الطعنات في مختلف أنحاء جسدها، قبل أن تسقط أرضا ويأتي الدور على الطفلة الصغيرة. وبمجرد ما انتهى من عملية الاعتداء جلس بالقرب من الجثتين، ودخن سيجارة وكتب في ورقة بقلم أزرق إنه سيقتل الجميع وسينتحر ووضع القلم جانبا، فيما أدخل الورقة إلى جيب السروال الذي ارتداه بعدما غير ملابس ارتكاب الجريمة، وغادر البيت بعدما أقفل الباب، متجها إلى مقهى قريب حيث احتسى كوب قهوة ودخن سجائر، ثم غير المقهى بآخر وتناول كوب قهوة آخر ودخن سجائر أخرى، وتوجه إلى ولاية الأمن لإخبار رجال الأمن بالحادث. وفي الوقت الذي كان في طريقه إلى ولاية الأمن، كانت الأم قد عادت من حفلة العقيقة، وبمجرد ما فتحت الباب أطلقت صرخات مدوية استنفرت جميع سكان العمارة. وأشعرت السلطات الأمنية بالحادث وسارعت مختلف الأجهزة الأمنية إلى مكان الحادث للبحث عن مرتكب الجريمة، قبل أن تتلقى إشعارا من مقر ولاية الأمن يفيد بأن الأب سلم نفسه وصرح بأنه مرتكب الجريمة. مسار أب مريض ازداد خالد سنة 1964 بأحد أحياء فاس العتيقة من أسرة متعددة الأفراد تتكون من 6 ذكور وأخت واحدة. وبدت علامات المرض النفسي تظهر عليه منذ الصغر، حيث لازمه التبول اللإرادي وطبعت شخصيته بالانعزالية، لكنه ظل طوال مساره الدراسي ضمن التلاميذ النجباء، وكان من المتميزين في المواد العلمية، وخصوصا منها الفيزياء والرياضيات. ولم يتمكن خالد سنة 1989 من الحصول على شهادة الإجازة في كلية العلوم بجامعة ظهر المهراز في شعبة الفيزياء والكيمياء، وغادر الدراسة في مستوى السنة الرابعة جامعي بسبب المرض النفسي الذي تقول العائلة إنه سبب له محنة كبيرة في حياته. وعاش ما يقرب 4 سنوات من العطالة، قبل أن تعمل وزارة الداخلية على «منحه فرصة» شغل في إطار ما يعرف بالإنعاش الوطني. وألحق سنة 1993 بعمالة فاس، وعمل كمحاسب بالمحطة الطرقية، وكمسؤول عن مرآب العمالة، قبل أن يلحق سنة 1996 بالملحقة الإدارية الأدارسة كمحرر لشواهد السكنى، وظل في هذا «المنصب» إلى يوم الثلاثاء الماضي. وكان خالد طوال 16 سنة من العمل في مختلف هذه المصالح التابعة لوزارة الداخلية لا يتلقى سوى راتب شهري محدد في 1200 درهم، دون أية رعاية صحية أو تعويضات اجتماعية. فيما كان عليه أن يؤدي 1300 درهم كواجب شهري لكراء شقة العائلة. وزادت هذه الأوضاع الاجتماعية من حدة المعاناة النفسية التي لازمته. وفي سنة 2001 تزوج بخديجة أملاس، وأنجب منها طفلتين، الأولى سنة 2003 والثانية سنة 2006. وتقدمه جل الشهادات على أنه كان هادئ الطباع وتقول عنه زوجته إنه كان مثالا للزوج والأب، ولم يسبق أن عاشت العائلة أي مشاكل داخلية. وتقول إنه كان مثقفا وكان يحب القراءة ويكتب الشعر وله دفتر خاص يدون فيه جل إبداعاته. وكان خالد يزور بين الفينة والأخرى أطباء نفسانيين، في كل من فاس والرباط، لكن هؤلاء الأطباء لم يتمكنوا من تشخيص حالته المرضية، وظل يتناول بعض العقاقير، إلا أنه، ونظرا لأوضاعه الاجتماعية فهو لا يتمكن دائما من الحصول عليها، مما يضطره إلى عيادة بعض «الأطباء التقليديين» و«المشعوذين» طلبا للعلاج. أوضاع اجتماعية متأزمة أما زوجته فقد حصلت على الإجازة في شعبة الاجتماعيات، تخصص تاريخ، في سنة 1995، وبالرغم من تحركاتها العديدة، فلم تتمكن من الظفر ب«فرصة» شغل في الوظيفة العمومية، واضطرت إلى الاشتغال في قطاع التعليم الخصوصي كمدرسة، قبل أن تتولى إدارة مؤسسة تعليمية خاصة صغيرة في نفس الحي الذي تقيم به العائلة. ولم تنفع رسالة أميرية عندما كان الملك محمد السادس وليا للعهد في إخراجها من وضعها الاجتماعي. وظلت تتنقل بين مصالح وزارة التربية الوطنية لحثها على تفعيل «التوصية» الأميرية دون جدوى. وفي كل فصل صيف كانت المحنة الاجتماعية للعائلة تزداد، وذلك بالنظر إلى كون الراتب الشهري للزوجة ينقطع في انتظار حلول موسم دراسي جديد.