إن الصهاينة الذين يحاربوننا منذ ستين عاما أو أكثرلم يفعلوا بالشعب المصري ما يفعله به هؤلاء الحكام الجريمة الكبرى التي ترتكب منذ سنوات طويلة في حق الشعب المصري والتي أدت وتؤدي إلى إصابة معظم أبنائه بالأمراض القاتلة المختلفة -التي كشفت عن جانب منها، في تحقيقات نشرت على عدة أيام، صحيفةُ «المصري اليوم» المصرية- تعتبر من أكبر الجرائم التي ارتكبت في حق هذا الشعب طوال تاريخه؛ فرغم أن الجميع يتعامل معها حتى الآن على أنها خبر أو سبق صحفي، فإن الأمر أكبر من ذلك بكثير لأنها تتعلق بتسميم شعب كامل تحت رعاية ومسؤولية الذين يحكمونه والذين ربما لا يشاركونه طعامه وشرابه، لأن طعام هؤلاء وشرابهم يأتيهم بالطائرات من الخارج. القضية باختصار أن عشرات الآلاف من الأفدنة من الأراضي الزراعية المحيطة بالقاهرة والتي تزرع بالخضر والفواكه والأعلاف تُروى بمياه الصرف الصحي وصرف المصانع، مما يعني أن كافة الخضروات التي تأتي من هذه المناطق والتي يتغذى عليها سكان القاهرة وما حولها مشبعة بالسموم من العناصر الثقيلة التي تحويها هذه المياه. ومن ثم، فإن هذه السموم تستقر، في النهاية، في أجساد المصريين الذين يشكون الآن من أكبر المعدلات في الإصابة بأمراض الكلى والكبد والسرطانات التي أصبحت تنهش الكبار والصغار حتى أقيم في مصر، بأموال أهل الخير، أكبر مستشفى في المنطقة لعلاج الأطفال من السرطان. الأخطر من الكشف عن هذه الكارثة هو التقرير السري للجهاز المركزي للمحاسبات الذي كشف عن علم المسؤولين وصمتهم، ومن ثم مشاركتهم في هذه الجريمة منذ سنوات، حيث كشف التقرير عن حجم الجريمة من خلال مشروع واحد من المشروعات حول القاهرة، وهو مشروع «ترعة الصف»، حيث أشار التقرير الرسمي إلى أن أصول الجريمة تعود إلى عام 1982، وأن سوء التخطيط في وزارات الزراعة والري والإسكان وهيئاتها تسبب، علاوة على إهدار المال العام، في أن سكان القاهرة أكلوا وشربوا طوال السنوات الماضية من خضر ملوثة بمياه الصرف الصحي «المجاري» التي تحول المواد الثقيلة المؤدية إلى أمراض تقود إلى الوفاة، كما أكلوا لحوم حيوانات تمت تغذيتها من أعشاب وأعلاف رويت بمياة الصرف، وشربوا ألبانا وأكلوا أجبانا من نفس هذه الحيوانات التي شبعت لحومها برواسب مياه الصرف. ورغم تحذير الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو من أعلى الجهات الرقابية الرسمية في الدولة، وكشفه أن الحكومة المصرية أضرت بصحة المواطنين، حيث أرسل (الجهاز) تقاريره إلى رئيس الحكومة أحمد نظيف ورئيس مجلس الشعب فتحي سرور ووزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية مفيد شهاب ووزراء الزراعة والإسكان والري وكافة الجهات المعنية بهذه القطاعات على مدى سنوات 2006 و2007 و2008، فإنه لم يتحرك أحد. وكشفت التقارير السرية، التي نشرتها «المصري اليوم» يومي 14 و15 غشت الجاري، أن «استخدام مياه «المجاري» في الزراعات بمنطقة الصف جاء نتيجة وجود أخطاء وعيوب تصميمية وفنية وتنفيذية وبيئية في مشروع إنشاء «ترعة الصف» وما وقع فيه من تجاوزات وإهمال من قبل وزارتي الإسكان والزراعة. الأمر الأخطر هو الاختلاط المباشر بين مياه الصرف الصحي ومياه الشرف في بعض القرى المصرية في الوقت الذي تُروى فيه ملاعب الجولف بمياه الشرب في منتجعات الكبار، مما أدى إلى أن يشرب الشعب من مخلفاته، فانتشرت الأمراض، وعلى رأسها التيفود في بعض المناطق. كل هذا دون أن يُساءَل أحدٌ أو يُحاسب أحدٌ من الكبار، بل إنهم يتمتعون بكافة وسائل ترفيههم بعدما ثبت، طوال السنوات الماضية، أن كل من يجرم يزداد رفعة وترقية ويحصل على الأوسمة والنياشين وكأن هذه المواصفات هي مواصفات المطلوبين لتولي المناصب، كما أنهم يبقون في وظائفهم طالما أن الذين وظفوهم قائمون. هؤلاء الكبار، الذين يسوقون هذا الشعب إلى قتله وهو مستكين يكتفي بانتظار قدره إما في شربة ماء تقود إلى مرض مميت أو أكلة تقود إلى مرض عضال أو شربة حليب تحوله إلى ضحية يجوب المستشفيات بحثا عن علاج، لم يحاسبهم - ويبدو أنه لن يحاسبهم- أحد. ومن ثم، فإن صمت هذا الشعب عما يرتكب في حقه هو مشاركة منه في تلك الجريمة، فما الذي بقي لثمانين مليون مصري غير أن يأكلوا ويشربوا طعاما وشرابا مسمما تحت رعاية حكومتهم وحكامهم، ثم يشكون من تفشي الأمراض التي لم يروها في أسلافهم، دون أن يتحرك أحد للمطالبة بمحاكمة هؤلاء المجرمين الذين لازالوا يرتكبون جرائمهم دون أن يوقفهم أحد. إن الصهاينة، الذين يحاربوننا منذ ستين عاما أو أكثر، لم يفعلوا بالشعب المصري ما يفعله به هؤلاء الحكام، وقد حقق هؤلاء حتى الآن لأعداء مصر -عبر تدمير صحة الشعب- ما عجز أولئك الأعداء عن تحقيقه، فشعب تنهشه الأمراض، علاوة على الفقر والعوز، ما الذي بقي له كي يصنع المستقبل والأمل في دولة هي قلب الأمة ومحركها، فالذي لا يموت من المصريين على الإسفلت عبر الحوادث التي تحصد العشرات كل يوم، يمكن أن يموت عبر شربة طعام أو طبق من الخضر أو قطعة لحم أو كوب من الحليب المسمم، ولعل هذا ما يدفع العشرات من الشباب إلى أن يهربوا من مصر ولو إلى مركب مهترىء يغرق بهم في البحر المتوسط، فالذي يحدث للمصريين ليس مؤامرة ولكنه أكبر من ذلك بكثير.. إنه إمراض وقتل لشعب كامل مع سبق الإصرار والترصد، ومن كان لديه وصف آخر فليخبرني به. كل هذا يحدث ولا عزاء للمصريين.