تشهد «الدفاتر الذهبية» التي تتوفر عليها أغلب الفنادق المصنفة على مراحل تاريخية مهمة عاشها هذا الفندق أو ذاك، من خلال احتضانها لحدث تاريخي ما، أو من خلال استقبالها لشخصيات طبعت بصمتها في مجال من المجالات سواء السياسية، الاقتصادية، الرياضية أو الفنية، هاته الشخصيات التي لم تبخل بتسطير بعض الكلمات على صفحات هذه الدفاتر التي نحاول القيام بإطلالة عليها وتقديم مضمونها للقارئ. في الكتاب الذهبي ل«ميراج» توقيع صحافي آخر شهير، هو ليس عربيا مثل عطوان، لكنه أقرب إلى الثقافة العربية الإسلامية من غيره، إنه مدير صحيفة «إيل باييس» الإسبانية واسعة الانتشار، الصحيفة التي تبيع أزيد من مليوني نسخة كل يوم. يقول مدير «إيل باييس» في أحد أيام غشت 1999، في توقيع من 11 سطرا وبقلم حبر أسود، إنه تعرف على فندق «ميراج» من خلال صديق له سبق له أن قام بزيارة المكان، وسبق له أيضا التوقيع في نفس الكتاب الذهبي، لكنه لم يذكر اسم ذلك الصديق. الصحافي الإسباني وصف المكان بكونه متفردا ومصنوعا من الماء والصخر. وأضاف: «ربما تكون في العالم أماكن أجمل، لكن لا يمكن العثور على أماكن تمنح السعادة مثل هاته». مدير «إيل باييس»، الذي لم يكشف عن صديقه الذي أرشده إلى «ميراج»، ربما لن يكون محتاجا إلى ذلك لأن كل الدلائل تشير إلى فليبي غونزاليس، رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، الذي يعتبر زبونا دائما لهذا الفندق، بل صديقا كبيرا لطنجة وللمغرب عموما، وهو الذي يتذكره المغاربة أكثر حين كان ضمن الوفد المغربي أثناء تقديم المغرب لملف ترشيحه لاحتضان مونديال 2010. كان وجه فليبي غونزاليس في ذلك اليوم مألوفا جدا للمغاربة وكأنه واحد منهم.. كان يدافع عن المغرب كأنه فرد من هؤلاء الملايين الثلاثين. كان تدخله رصينا ومنطقيا وقصيرا، ونفذ إلى قلوب المغاربة قبل أن ينفذ إلى قلوب لجنة الاختيار بالفيفا، والتي يتوفر أعضاؤها على قلوب لا تفهم غير لغة المال والعائدات الاقتصادية. خط فليبي غونزاليس في الدفتر الذهبي ل«ميراج» صعب القراءة، ويبدو أنه خط تقليدي على الطريقة الإسبانية، لكن هناك عبارات تدل على إعجابه الكبير بالمكان، وقال في ذلك ما يشبه الشعر أو الإبداع الأدبي. علاقة غونزاليس بطنجة لم تبدأ مع فندق «ميراج»، بل كان الرجل دائم التردد على هذه المدينة القريبة إلى قلبه لأنها قريبة من مدينته إشبيلية، مدينة صباه وأحلامه. وحين انتهت فترة حكمه سنة 1996، بعد عقد ونصف العقد من الحكم، أصبح فليبي يتردد على طنجة باستمرار، وفي أحيان كثيرة كان يتجول في المدينة العتيقة فيلقاه السكان بترحاب يفاجئه. فليبي كان يشاهد كثيرا في غابات طنجة يبحث عن أعشاب ونباتات نادرة. إنه معجب كبير بالطبيعة، ربما لأنه عاش وتربى بين أحضانها، وظل كذلك حتى في فترة شبابه حيث كان يتوجه إلى الجامعة وملابسه لا تزال مبللة بالحليب الذي كان يحلبه من أبقار ضيعة أسرته ويوزعه على سكان إشبيلية. كان رجلا مكافحا في حياته لذلك نجح في مسؤولياته السياسية وتحول إلى رمز في تاريخ إسبانيا. هناك إسبان آخرون وقعوا في الدفتر الذهبي، بينهم عمدة الجزيرة الخضراء سابقا باتريسيا غونزاليس التي جاءت إلى طنجة في يونيو 1999. وليس السياسيون وحدهم الذين يحتكرون التوقيع في هذا الكتاب، الممثلة الفرنسية الشهيرة كاترين دونوف وقعت في 5 مارس 2000 بعبارات من 3 أسطر.. قالت إنها أمضت هنا بضعة أيام من الحلم ولحظات مثالية وخدمات ممتازة. هنا يوجد توقيع امرأة أخرى لكنها ليست فنانة، إنها امرأة تنقلت بين قارات العالم بعد أن فقد زوجها السلطة بعد ثورة شعبية وضعت حدا لحكم آل بهلوي في إيران. المرأة هي فرح بهلوي، زوجة شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوي، الذي مات بعد سنوات قليلة من تنحيته عن الحكم. فرح بهلوي وقعت في الدفتر الذهبي يوم 15 غشت 2002، وقعت بخط أنيق وبقلم حبر أسود وبحروف مرتبة وغاية في النظام. هذه المرأة كانت زوجة واحد من أشهر أباطرة الشرق، وأكيد أن خطها يعكس شخصيتها. في الكتاب يوجد توقيع زوجة رئيس دولة، رئيس لا يزال في الحكم. إنها مدام واد، كما سمت نفسها في توقيعها، زوجة الرئيس السنغالي عبد الله واد. لقد وقعت في 19 يونيو 2001 لتشكر الفندق ولكي تقول إنها «لا تريد فراق هذه الرمال البيضاء الممتدة على مرمى البصر على شاطئ المحيط». هناك أيضا توقيع ميلاتا تاشكار دو بلانتيي، المرأة التي عرفها المغاربة كواحدة من أبرز منظمي مهرجان السينما بمراكش، رفقة زوجها دانيال الذي مات قبل سنوات. هذه المرأة كتبت تقول إن «هذا الميراج (السراب) واقعي جدا»، ووعدت بالعودة، وهي فعلا تعود باستمرار. في الكتاب توجد توقيعات أخرى لإليزابيث مكاي وكاترين كولومباني وميريل دارك وكابانا، مدير معهد العالم العربي بباريس ودوقة باريس ميكاييلا وزوجها هنري، وأندريه أزولاي، وفتح الله ولعلو وزوجته، وأحمد الميداوي، أول وزير داخلية مغربي بعد ادريس البصري.