يقول محسن بنزاكور، الباحث في علم الاجتماع، إن العدوانية عند المغاربة ظاهرة قائمة الذات لكنها ليست بالحدة التي تثير الخوف، وتطورها مع استمرار الوضع الحالي سيكون خطيرا. ويضيف «كل الظروف مواتية لكي يعيش المغربي على أعصابه فالإحساس ب«الحكرة» يترسخ بشكل يومي في الشارع والإدارات والمستشفيات. -هل القول إن المغاربة تحولوا إلى مجتمع عدواني في تعامله، يتضمن نوعا من السوداوية والتشاؤم؟ < الموضوع متشعب، ولا يتعلق بنظرة تشاؤمية، بل بواقع يدق ناقوس الخطر من أن يتحول الأمر إلى كره وعنف في وقت لاحق، كما أن العدوانية ظاهرة اجتماعية لا يمكن تحليلها دون ربطها بأسبابها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. في ما يخص الأسباب السياسية المرتبطة بظهور العدوانية في المجتمع المغربي فتتمثل أولا في الفعل السياسي الذي عمل على نزع الثقة من المواطن في نفسه ومحيطه ومؤسساته، فالإنسان يصبح عدوانيا حين يكون الذي أمامه لا يوحي له بالثقة بل بالخوف. - تتحدث عن مسؤولية السياسي دون تحديد، هل تقصد الأحزاب أم الدولة؟ < الأصل في الحديث عن عدوانية السياسي ضد المواطن، يتمثل في حرمانه من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو أمر تراكم عل امتداد عقود، استفحل خلال سنوات الرصاص التي جعلت الإنسان المغربي ينعزل عن نفسه اجتماعيا لذا تربى الخوف، وتربت معه العدوانية، هذا بالإضافة إلى الرسائل المحرضة على العدوانية التي كان مصدرها بعض الحركات الإسلاموية واليسارية والتي ساهمت بدورها في تكريس السلوك العدواني بشكل باطني. المسؤول السياسي يفترض فيه أن يوجه كل طاقته وتفكيره إلى راحة المواطنين ومصلحة المواطن.. فهذا هو الهدف الأسمى، لكننا نلاحظ أن الأمر في المجتمع المغربي معاكس تماما. - هل السياسة هي المسؤولة بشكل مباشر عن تطور السلوك العدواني عند المغاربة؟ < الجانب الاقتصادي لعب أيضا دورا مهما في جعل المغاربة عدوانيين بشكل كبير، فالأرقام الرسمية تتحدث عن نسب بطالة في حدود 8 في المائة، وتعامت عن كون هذه النسبة تصل في المدن إلى 16 في المائة مما يعني جيشا كبيرا من العاطلين يتعايش مع محيطه ويقاسمه الخوف من المستقبل وعدم الاطمئنان والكره غير المعلن للآخر. هذا بالإضافة إلى غلاء المعيشة وتجميد الرواتب وتدني الخدمات الاجتماعية والإحباط الذي أصبح عدد من المغاربة يحسون به مع توالي السنوات وعدم تحسن وضعهم الاقتصادي. التعامل مع المجتمع كأرقام «مصيبة وطامة كبرى»، عوض التعامل مع الفرد إنسان كامل المواطنة، كما أن العنصر الخطير في ظاهرة العدوانية يتمثل في الجانب الاجتماعي لأن العدوانية هنا تصبح «سببا ونتيجة»، فالعلاقات بين الجيران كانت في الماضي أكثر من أسرية، وهو معطى تغير إلى ما هو مناقض تماما حيث أصبح الخوف من الجيران هو السائد، والخوف من اعتراض السبيل في الشارع، ولو كان الأمر يتعلق بالحي الذي يقطنه المواطن. - يلاحظ أن صفة المغربي تتحول إلى وسيلة للعنف اللفظي بين المواطنين بماذا تفسر ذلك؟ وهل هذا السلوك يندرج في إطار العدوانية؟ < المغاربة هم الشعب الوحيد الذي يسب بالانتماء، فعبارات «ياه علا شعب» ... «المغاربة كحل الراس»، هي جمل تهدف إلى الانتقاص من قيمة المغربي لأسباب متداخلة أهمها أن المغربي عندما لا يقوى على ظلم من هو أقوى منه والمتمثل في الدولة، «كيدور لصحابو»، وهذا نتيجة مزيج من الخوف والجبن والأنانية وغياب التضامن. كما أن المواطن عندما يحس بالظلم والإجحاف يلجأ إلى سب الشعب لأنه فقد الأمل في أن ينال حقوقه، فعند انعدام الحق في مجتمع معين تظهر مثل هذه الأعراض. - انطلاقا مما سبق يتولد الانطباع بأن اتساع رقعة العدوانية من شأنه أن يؤدي إلى مضاعفات اجتماعية خطيرة؟ < استمرار مشاعر العدوانية في الانتشار سيؤدي إلى الكره وعدم الإيمان بالانتماء وحينها سيصبح الموضوع على درجة بالغة من الخطورة. - ماذا تقصدون بالخطورة؟ < الخطر هو الانتقال من العدوانية إلى الفعل المتمثل في العنف، والذي يبقى مرتبطا بأسباب نفسية متراكمة، فلا يعقل أن إنسان القرن ال21 يمكن أن ينزل من سيارته ويتشاجر بطريقة عنيفة لمجرد انزعاجه من سائق استخدم منبه الصوت. - ماهو تصوركم للحل الذي يمكن من احتواء هذا السلوك؟ < الإنسان لا يمكن أن يبرز كل طاقته إلا في ظل التوازن النفسي الذي يرتبط بشكل وثيق بضرورة توفير مناخ اجتماعي ملائم، ووفق تصوري فإن السبيل إلى محاصرة هذه الظاهرة يمر عبر حلين. الحل الأول حين نوفر للمواطنين أجورا تمكن من مواجهة تكاليف الحياة وخدمات اجتماعية تعاملهم كإنسان، ويتم تسيير الشأن السياسي بشكل سليم، والحل الذاتي يتمثل في ضبط الأعصاب، وهو أمر يبدو مثاليا جدا.