ينبهنا العالم «ألبير جاكار»، في كتابه المثير الصادر هذه السنة بعنوان: «هل بدأ العد العكسي»، إلى أن الإنسان يسير بخطى حثيثة نحو نهايته المحتومة إذا لم يملك شجاعة مراجعة أساليب حياته وسلوكه إزاء الطبيعة، وميله إلى تدمير ذاته والآخرين. وقال «جاكار» إن الإنسان يستعد لعملية انتحار جماعي، وتساءل: هل ينبغي إنقاذ كوكب الأرض أم ينبغي إنقاذ البشرية؟ ويُذكّر «جاكار» برواية «أفضل العوالم» ل«ألدوس هوكسلي» ويقول إن الواقع سيفوق الخيال الروائي، حيث سنعيش في مجتمع يحاصر فيه الأفراد وتمنع عنهم أي استقلالية، وسيمحو مفهوم ما يسميه ب«آثار جراح التاريخ» وبالحروب المتتالية حول الأراضي والثروات، والتساؤل عمن يملكها عوض السؤال عمن يملك كوكب الأرض؟ ويعاني العالم، حسب «ألبير جاكار»، من أنواع عديدة من التطرف، وأهمها يتمثل في نظره «الأصولية الاقتصادية» (عندنا هنا في المغرب ظاهرة «الوُصُولية الاقتصادية والمالية المتطرفة»)، لذلك فإن ما يسمى ب«الأزمة الاقتصادية والمالية» تخفي غابة من المعاملات المشكوك في صحتها وفي أخلاق مرتكبيها داخل حلبة متوحشة اسمها «السوق». وبالنسبة إلى أزمة 2009، فإن «جاكار» يرى أن الدواء المقترح لعلاجها أخطر من الداء نفسه، مادام يدعو إلى المزيد من نسب النمو، كما لو أن ثروات العالم غير محدودة. ودعا الكاتب معاصريه إلى التحلي بفضيلة أساسية وهي الإيمان بأن الأرض هي ملك للأجيال القادمة ولا حق لهم في تدميرها، إذ إن ذلك سيعد بمثابة سرقة لحق الخلف في الحياة. من المفيد قراءة مؤلفات باحثين من فصيلة «ألبير جاكار»، إذ إن هذا الصنف من المحللين هو في طريقه إلى الانقراض، ويكاد هذا الكتاب، الذي نشر منذ أسابيع قليلة، يكون نسخة من كتابات متميزة بحرصها على البعد الإنساني ومواجهتها لكل ما يعمل على استعباد الإنسان واحتقاره، سواء تعلق الأمر بالمال أو بالإيديولوجيات أو بالأنظمة الاستبدادية. وقد وقف «جاكار»، وهو على مشارف نهاية حياته، على أهمية الحفاظ على مستقبل البشرية، بالانتباه إلى العامل البيئي الذي تعرض للاستنزاف والإفساد والتعسف والاستغلال الفظيع، وكأن الأنانية بلغت من الإنسان حَدَّ «إيمانه» بمقولة «أنا ومن بعدي الطوفان» ولعنه المستقبل ورفضه حق الحياة لفلذات كبده. فهل هناك تطرف أخطر من هذا العمى الإنساني وهذه الشراهة في استنزاف ثروات الأرض بالرغم من كون بني البشر لا يملكون إلا كوكبا واحدا وحيدا، ولا يمكنهم أن يعيشوا – حتى إشعار آخر– سوى على الكوكب الأزرق، ولهذا ما «خصش» تكون قلوبهم كحلة.