تنشر «المساء» في واحتها الصيفية، صفحات من تاريخ الكرة المغربية، خاصة في الجانب المتعلق بوفيات رياضيين في ظروف لفها الغموض، وظلت جثامينهم ملفوفة بأسئلة بلا جواب، رغم أن الموت لا يقبل التأجيل. العديد من الرياضيين ماتوا في ظروف غامضة، وظلت حكايا الموت أشبه بألغاز زادتها الاجتهادات تعقيدا. ونظرا للتكتم الذي أحاط بالعديد من الحالات، فإن الزمن عجز عن كشف تفاصيل جديدة، لقضايا ماتت بدورها بالتقادم. ودع هشام الزروالي جمهور الجيش الملكي بتسجيل هدفين في مرمى الكوكب المراكشي مساء يوم السبت رابع دجنبر 2004 بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط، حيث صنع الحدث في مباراة مقدمة عن الدورة العاشرة من البطولة الوطنية للقسم الأول انتهت بانتصار الجيش الملكي بهدفين لهدف واحد كان من توقيع المرحوم هشام الزروالي في الخمس دقائق الأولى من المواجهة. قبل أن ينهي اللقاء شوطه الأول أشهر الحكم منصف الكرش بطاقة حمراء في حق اللاعب الزروالي أعقبتها بطاقة مماثلة في حق لاعب الكوكب البيزاري. وهو ما جعل اللاعب هشام يعيش مجموعة من المشاعر المتناقضة: فرحته بالفوز والتي جسدها في ارتماءاته «الأكروباطية» على طريقة هوغو سانشيز هداف الريال سابقا، وفورة غضبه عندما حكم عليه بعدم استكمال أطوار المباراة ومصادرة فرحة مبكرة جعلت مدرجات المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله تتغنى باسمه. يحكي أحد زملاء الزروالي عن الوقائع الغريبة التي ارتبطت برحيله، وقال إن هشام كان يستعجل التوجه إلى مدينة تمارة، بل إنه غادر مستودع الملابس قبل انتهاء الجولة الأولى من المباراة بالرغم من إلحاح أحد المؤطرين على استكمال المباراة كمتفرج، «على غير العادة رفض الزروالي البقاء في الملعب بل إنه صافح الحكم الذي طرده بروح رياضية وقال له «مسامحة»، وكأنه على موعد مع قدر آخر». توجه الراحل صوب تمارة التي لا تبعد إلا بدقائق قليلة عن المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله، وقرر متابعة ما تبقى من الجولة الثانية عبر هاتفه النقال. ظل هشام في منزل أحد زملائه الذين جاوروه في الفتح الرباطي، وكانا يقضيان وقتا ممتعا في لعبة الورق، وبين الفينة والأخرى كان يتصل بأفراد عائلته وهو يردد عبارة «ما تخافوش علي»، على غير العادة تجاوز الزروالي الوقت المفترض وأخل بمواعيده مع أسرته، وفجأة قرر العودة إلى الرباط وكانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحا، رفض زميله المقترح وألح عليه أن يقضي معه ما تبقى من ليل بمنزله، لأن ساعات فقط تفصله عن إشراقة شمس الصبح، لكن بإصرار غريب ركب هشام سيارته واتجه بلا كلمة وداع صوب العاصمة الإدارية وصوب قدره المحتوم أيضا. مع أذان الفجر ارتطمت سيارة الزروالي بشجرة على جنبات الطريق الفاصل بين تمارةوالرباط، غير بعيد عن الملعب الذي شهد قبل ساعات إحدى ملاحم الفقيد، فما إن تجاوز بأمتار الممر المؤدي إلى الحديقة الوطنية للحيوانات حتى داهمه كلب مما أخل بتوازن السيارة التي انزلقت في المنعرج المبلل بزخات مطرية لترتطم بإحدى الأشجار مما أدى إلى وفاة اللاعب على الفور. وروى شهود عيان كانوا موجودين في مكان الحادث أن الزروالي حاول تجنب أحد الكلاب الضالة ففقد توازنه بشكل غريب، بينما أكد أحد رفاقه أنه كان في أيامه الأخيرة حريصا على توديع معارفه وكأنه أشعر مسبقا بتاريخ الوفاة، وبلغ الأمر حد التوجه إلى تمارة لتوديع واحد من رفاقه في مجال الكرة. في اليوم الموالي شيع جثمان الراحل في محفل جنائزي رهيب، بينما وقف لاعبو الوداد والرجاء على أرضية مركب محمد الخامس وتلوا الفاتحة بشكل جماعي قبيل مباراة ديربي دارت يوم الأحد الذي أعقب الفاجعة. مات هشام الزروالي، وهو من مواليد 17 يناير1977 بالرباط، تاركا أرملة اسكوتلندية الجنسية له منها طفلة، وكانت الأسرة الصغيرة تقيم في الرباط. بدأ الزروالي مشواره الكروي مع فريق اتحاد الشرطة الرباطي، ثم انتقل بعدها إلى الفتح الرباطي الذي فاز معه بكأس العرش سنة 1995 رفقة المدرب سعيد الخيدر، احترف بنادي أبردين الأسكتلندي في الفترة ما بين يناير 1999 وماي 2002 سجل فيها 13 هدفا لفريقه، قبل أن يحترف في سنة 2002 لمدة سنة في صفوف فريق النصر الإماراتي، ومنه عاد إلى المغرب ليلتحق عام 2003 بفريق الجيش الملكي، الذي أحرز معه كأسين للعرش لموسمي 2002/2003 و2003/2004. كما لعب في صفوف المنتخبات الوطنية للشباب والأولمبي والكبار. وفاز مع منتخب الشبان بكأس إفريقيا للأمم بمكناس عام1997 رفقة المدرب رشيد الطوسي وبلغ معه ثمن نهاية كأس العالم للشباب بماليزيا في السنة ذاتها، كما ساهم الزروالي مساهمة فعالة في تأهل الفريق الوطني الأولمبي للألعاب الأولمبية بسيدني 2000، وشارك ضمن الفريق الوطني للكبار في نهائيات كأس إفريقيا للأمم في مالي2002. لعب 17 مقابلة دولية مع المنتخب المغربي كبار سجل فيها 3 أهداف. ومن المفارقات العجيبة في حكاية موت الزروالي أنه أخلف في يوم وفاته موعدا مع أحد الوكلاء من أجل الاطلاع على عقد ينتقل بموجبه إلى الدوري الروسي في تجربة احترافية جديدة مع نادي طوربيدو، لكن هشام تعامل مع المسؤولين ووكيل الأعمال والعقد ككل باستخفاف شديد وكأنه يعلم بدنو أجله.. رحل الزروالي وظل اسمه حاضرا في مدرجات جماهير الفريق العسكري وفي وجدان رفاقه خاصة فوزي لبرازي، لأنه لاعب مشهود له بالأخلاق العالية والمواظبة على الصلاة والصبر والمثابرة رغم تعرضه لإصابات وتوقفات كثيرة.