هذه هي قصة شعب «الريف» وقد هب في العشرينيات من هذا القرن، بقيادة رجل يدعى عبد الكريم، يحارب إسبانيا الطامعة في أراضيه، وذلك بالسلاح الذي يكسبه منها في ميادين القتال، فينزل بها هزائم يشهد المؤرخون أن أية دولة استعمارية لم تمن بمثلها قط، كما يشهدون على أنه كان لها أكبر الأثر في تطور الأحداث في ما بعد في إسبانيا بالذات. في هذه الأثناء، قدم الإسبانيون بعض العروض إلى عبد الكريم، مقترحين عن طريق مندوبيهم، الذين التقوا بوزير الخارجية أزرقان على ظهر مركب بعيدا عن الساحل، «نوعا من الاستغلال» أو «الحكم الذاتي» كما سماه الإسبان. ورفض عبد الكريم أن يتخلى عن الحكم الذاتي الفعلي لقاء اتفاق مشكوك في مغزاه، ورفض جميع العروض التي لا تؤمن الاستقلال التام للريف، كذلك رفض عرضا خاصا بمبلغ 100000 ليرة إسترلينية لقاء التخلي عن شعبه والتحول إلى حاكم دمية في يد الإسبانيين. ولقد عني بأن يطلع شعبه على هذا العرض الإسباني، كما أن الملك ألفونسو، أثناء زيارة رسمية للبابا، طلب من الأب المقدس أن يعلن حربا صليبية جديدة ضد الكافر، وهو يقصد بذلك عبد الكريم. وعمل عبد الكريم على ترجمة خطاب ألفونسو إلى العربية، فقرأه على جميع الريفيين، بحيث ضاعف من حقدهم على الإسبانيين، ورفض عبر الكريم أن يعلن حربا مقدسة ردا على ذلك، معلنا أن الريفيين يقاتلون من أجل الاستقلال العرقي، وليس من أجل العصبية الدينية. لم تقع إلا معارك كبرى قليلة بين 1922 و 1924، على الرغم من وجود 200000 جندي إسباني في مراكش حوالي أواخر عام 1922. كانت إسبانيا تتخذ إذن موقف الدفاع، وعرض الجنرال بيرنجر أن يستقيل من منصبه كمفوض سام في أعقاب كارثة أنوال التي لم يكن مسؤولا عنها، لكن الحكومة رفضت قبول استقالته حتى ماي 1922، حين حل مكانه الجنرال ريكاردو بورغيث أولا، ومن بعد السنيور دون لويس سيلفيلا، وهو مدني، وحين كان بيرنجر مفوضا ساميا بعد، أرسل باخرة حربية، جوان دي جوانيس، لاستطلاع خليج الحسيمة من أجل إنزال في أجدير، وهو مشروع يعتمل في أذهان الإسبانيين منذ زمن طويل. وكان الريفيون قد نصبوا أحد المدافع التي استولوا عليها فوق التلة المشرفة على القلعة، فسمحوا للباخرة الحربية أن تتقدم كثيرا من الشاطئ، حتى إذا أصبحت تحت مرمى مدفعهم أغرقوها بثلاث طلقات فقط، وكان ذلك نصرا أفرح شعبهم وزاد في حنق الإسبانيين، وتعاظم حنق الإسبانيين أكثر فأكثر حين اكتشفوا أمر اختلاس المستودعات الحربية في العرائش، على شاطئ الأطلسي. وفي نونبر، استقال ميلان استري من قيادة الفرقة الأجنبية احتجاجا على عملية افتداء الأسرى، وبعدما قتل قائد آخر، سمي فرنكو قائدا للقوة الأجنبية، وإنه ليروي أنه عندما سئل الملك أن يعين قائدا جديدا للفرقة هتف: «يجب أن يكون فرنكو، فليس هناك من يبتزه». وقاد فرنكو الفرقة الأجنبية لاسترداد تيزي عزة، القرية التي تقوم على عتبة جبال الريف، والتي كان احتلالها يشكل نقطة انطلاق من أجل الغزو المقبل، وقام الريفيون بهجوم مضاد فقدوا خلاله 500 من رجالهم الذين كان الإسبانيون يقدرون عددهم بعشرة آلاف رجل. إن الحركة هاجمت، بصورة غير حكيمة، في غياب عبد الكريم، عبر سهل مستو تعرضت فيه لقنابل المدفعية والطائرات القادمة من مليلا. ولقد أسقط الريفيون إحدى هذه الطائرات، إذ إن ريفيا مسلحا ببندقية عتيقة من ذوات الزند المصون، معبئة بصواريخ غريبة وبعبوة عملاقة من البارود، سدد سلاحه إلى الطائرة وهي تنزل في اتجاه الأرض. وأدى ارتداد البندقية العنيف إلى إطلاق الصواريخ من أعلى الطائرة، بالضبط في ذلك المكان الذي ستصل إليه حين تندفع قطع الحديد العتيقة نحو العالي. وكانت إصابة مباشرة: توقف محرك الطائرة عن الدوران، ثم انفجر مشتعلا بعد ثانية واحدة، وهوت الطائرة أرضا. ولقد أسقط الريفيون عدة طائرات خلال الحرب، وكانت إحداها من نصيب عبد الكريم نفسه، فحين أغار الإسبانيون على مقر قيادته في أجدير، الأمر الذي قاموا به مرات عديدة دون أن ينجحوا قط في تحقيق إصابة مباشرة، انسحب مع وزرائه إلى الملجأ الخاص بالاحتماء من الغارات الجوية الذي حفر في جانب الهضبة، وقد تفقدته عام 1964.