لكي يضع بنشمسي «المساء» ومديرها في خانة المعادين للسامية ولحقوق المرأة وفي المراتب العليا للشعبويين الخطرين الذين يستعملون موهبتهم في الكتابة لزرع بذور الفتنة، لا يتردد في اللجوء إلى الإرهاب الفكري. وهو نوع من الإرهاب يجيده بنشمسي ويستعمله ضد كل من يقف في وجه مخططه التخريبي الموجه ضد ثوابت الأمة ومقدساتها. فهو وحده يملك الحقيقة، وهو وحده يملك حق النطق باسمها. وإذا كان هناك من حق للتعبير في المغرب فهو حقه وحده في التعبير عن مواقفه وهواجسه، أما كل من يخالفه الرأي ويملك تصورا مغايرا للمغرب وحاضره ومستقبله، فهو رجعي شعبوي معاد لحرية التعبير ولحقوق الأقليات. إلى درجة أن الجميع تقريبا أصبح يتلقى الاتهامات والضربات من مجلتي بنشمسي ويفضل الصمت على الرد، حتى لا يتهم بمعاداته للتوجه المتفسخ والقوي ماليا وإشهاريا الذي يحمل لواءه رضا بنشمسي. بالأمس قلنا إن بنشمسي يشتغل ضمن مخطط إعلامي مدروس لتفتيت شعار المملكة الذي يقوم على الدين والشعب والملكية. ولكي يدير هذه الحرب على نحو ذكي ومدروس فإنه اختار واجهتين مهمتين لتماسك هذا الخليط المتعدد والغني من الأجناس والأعراق واللهجات في المغرب، وهما الإسلام والعروبة. بالنسبة إلى بنشمسي فموقفه من العربية كلغة واضح جدا. فزمنها انتهى ويجب أن تدخل إلى متحف التاريخ. مع أن هذه اللغة هي اللغة الرابعة عالميا، ودارسوها والمقبلون على تعلمها يتزايدون يوما عن يوم في كل أرجاء العالم، عكس اللغة الفرنسية التي ينحسر إشعاعها يوميا عبر العالم. والاقتراح الذي يقدمه كبديل للغة العربية هو الدارجة. والغريب في هذا الأمر هو أن «وليدات شلاضا» الذين ولدوا بملاعق من ذهب في أفواههم ورضعوا الفرنسية مع حليب أمهاتهم هم من يرفع اليوم لواء الدفاع عن تعويض اللغة العربية بالدارجة المغربية، مع أنهم درسوا في مدارس البعثة حيث لا أثر للدارجة ولم يلعبوا في الحارات والأزقة مع أولاد الشعب لكي يكتشفوا كنوز الدارجة وأسرارها، ولذلك يعتقدون أنه من السهل استعمال الدارجة في الكتابة، والحال أن التحكم في استعمال هذه اللغة الشعبية واحد من أصعب الفنون وأكثرها تعقيدا، وبدون تجربة وموهبة واحتكاك يومي بالشعب يصبح استعمال الدارجة مجرد سخافة. لكن هذه السخافة تصبح خطيرة عندما تتحول إلى أداة لتدمير اللغة العربية في مجلة «نيشان»، في مقابل الاعتناء باللغة الفرنسية في مجلة «تيل كيل» والحرص على توظيف مصححين فرنسيين لضبط لغة المقالات المكتوبة بالفرنسية واحترام قواعدها. هناك فرق كبير بين استعمال مفردات من الدارجة لتقريب الفهم أو الاستعانة بأمثال شعبية تلخص فكرة بذكاء شعبي ساخر، وبين استعمالها كمعول لهدم مؤسسة ضامنة للوحدة الشعبية كاللغة العربية لصالح لغة أخرى تحمل قيم مغايرة وهوية بعيدة كل البعد عن قيم وهوية المجتمع المغربي. وعندما نقول إن العمل الرئيسي الذي يشغل بال بنشمسي هو تفتيت مبدأ العروبة والإسلام الذي يقوم عليه المجتمع المغربي، فإننا لا نبالغ. فإلقاء نظرة سريعة على افتتاحياته وملفاته الأسبوعية يعطي فكرة واضحة عن العمل الخطير الذي يقوم به من أجل زعزعة الأسس التي يقف عليها هذا المجتمع، الذي لا يرى فيه بنشمسي سوى تجمع عشوائي للمنافقين والمرضى بالانفصام والعدوانيين المليئين بالعقد الدينية والمسكونين بالماضي العتيق. هؤلاء المغاربة الذين يحتقرهم بنشمسي ويصفهم بالمعقدين والمرضى النفسيين والمنفصمين شخصيا، ويمس بمشاعرهم الدينية ويهاجم قيمهم التي يريدون تربية أبنائهم عليها، هم الأغلبية في هذه البلاد، وهم متذمرون ومستاؤون من كل هذه «البسالة» التي يعرضها عليهم بنشمسي كل أسبوع. ولهذا تجد كثيرا من باعة الصحف يلجؤون إلى إخفاء مجلتيه عن الأنظار كلما اختار نشر صور فاضحة على أغلفتهما. وبنشمسي لا يمثل سوى أقلية مستلبة ترى في تفسخات المجتمع الغربي النموذج الأنسب لما يجب أن يكون عليه المجتمع المغربي. مع أن المجتمع الغربي نفسه بدأ يقوم بمراجعة نفسه والعودة إلى قيم العائلة والدين والأخلاق، لمواجهة الانحلال والتفسخ الذي ينخر أجياله الصاعدة. وهكذا، ففي الوقت الذي تحارب فيه الدول الأوربية ظاهرة تعاطي الحشيش، نجد أن بنشمسي لا يكتفي بتعاطيه وإنما يدافع عن مزاياه ويشجع تعاطيه بين الشباب. وعندما نرى كيف يحارب الإعلام الغربي لوبيات صناعة المشروبات الروحية، نرى كيف يخصص لهم بنشمسي الأغلفة الملونة ويطنب في الحديث عن إنجازاتهم الحضارية العظمى. وعندما نرى كيف تحارب الدول الأوربية الدعارة ويفضح الإعلام شبكاتها، نرى كيف يتباكى بنشمسي على محنة العاهرات اللواتي اخترن المشاركة في برامج التلفزيون اللبناني للحديث بافتخار عبر الهواء مباشرة عن لياليهن الحمراء في أحضان الخليجيين. باختصار، فكل البلايا والكوارث والموبقات التي يمكن أن تحطم الدعائم الأساسية للمجتمع وتزعزع ثقة أبنائه في عقيدتهم وهويتهم ولغتهم يشجعها بنشمسي ويترجمها إلى الدارجة لكي تصبح في متناول أكبر عدد من المغاربة. أعرف أن أول تهمة سيوجهها إلي بنشمسي عندما سيقرأ هذا الكلام هي أنني أستعدي عليه القضاء والناس، وهي تهمة تافهة ومستهلكة ومردودة عليه. فالمغاربة يقولون، ما دام بنشمسي يحب الدارجة كثيرا، «اللي يشطح ما يخبي ليحيتو». ومن يتجرأ على الجهر بإفطار رمضان والدفاع عن الحشيش ومراجعة القرآن، يجب أن تكون لديه الجرأة لتحمل مسؤولية ما يقوله، لا اتهام كل من يفضح وجهه ومخططه الحقيقي باستعداء الدولة والناس عليه. فنحن هنا لا نخترع شيئا من عندنا، وإنما فقط نشرح الخطوط العريضة لمشروع بنشمسي الفكري والإعلامي. وعوض أن يتهمني باستعداء الناس عليه، يجب أن يشكرني لأنني عممت على الجمهور الواسع النقط العريضة لأفكاره «الجهنمية». إذا كنت قلت إن أول شيء سيقوم به بنشمسي عندما سيقرأ هذا الكلام هو اتهامي باستعداء الناس عليه، فلأنني أعرف طبيعة الرجل الجبانة، فهو يريد دائما أن يعطي عن نفسه صورة الصحافي والمثقف الجريء والشجاع الذي يخاطب الملك مباشرة في افتتاحياته ويعطيه رأيه في خطبه وطريقة إلقائها، لكنه في الواقع يعرف كيف يغطي جبنه ببراعة. والدليل على ذلك أنه عندما كتب مخاطبا الملك «فين غادي بيا خويا»، وصدر أمر بمتابعته ومصادرة مجلتيه، عاد في العدد الموالي وكتب «الله يبارك فعمر سيدي»، وعندما نظم ندوة صحفية للحديث عن سحب مجلتيه من المطبعة لم يفتتح كلامه بالحديث عن حرية التعبير وإنما قال بوجه ممتقع اللون إنه ضاع في مائة مليون سنتيم. فما يهم بنشمسي هو الدرهم، ومن أجل جمعه يمكن أن يبيع أي شي في مجلتيه من الجنس إلى الحشيش إلى الدعارة. والمخزن، حسب بنشمسي، «خايب» وشمولي ودكتاتوري ولا أعرف ماذا أيضا، لكن «فلوسو زوينين»، خصوصا فلوس الإشهار الذي يهطل عليه من مؤسسات هذا المخزن مثل المطر. «ياكل الغلة ويسب الملة». ولهذا، عندما يقترح عليه صحافي غلافا معينا يقول له «واش غادي يبيع»، ولا يهم إن كان الموضوع الذي سيبيعه خادشا للحياء أو مخلا بالاحترام الواجب للملك أو ماسا بالشعور الديني للمغاربة. ومن شدة حب بنشمسي للمال، فإنه ربما الوحيد الذي صدرت في حقه غرامات مالية ثقيلة لم يدفع أية واحدة منها، ببساطة لأنه عندما يشعر بأن القضية وصلت إلى جيبه يشرع في التوسل والبحث عن الوساطات للمطالبة بالتنازل عن الغرامة. وفي كل مرة تنجح العملية، إلى الحد الذي أصبحت معه الصفة الملازمة لبنشمسي هي «يخاف ما يحشم». وهذه «الصنطيحة» التي يمتاز بها بنشمسي والتي بدأ بتربيتها منذ اليوم الأول لصدور مجلته، اكتسبها من خلال تقديم نفسه كمخاطب فوق العادة للملك. غدا سأكتب حول الطريقة التي حول بها بنشمسي المؤسسة الملكية إلى أصل تجاري يجمع من خلاله الدرهم، وكيف يغلف ذلك بلعب دور المعارض المتمرد والمشاكس، في الوقت الذي ينسى فيه أن الجميع «عاقو بيه»، وأنه ربما الوحيد الذي لازال يتصور نفسه «تشي غيفارا» زمانه.