ظل بنشمسي ينعتني دائما بالشعبوي والمعادي للسامية ولحقوق النساء والشواذ، كما ظل يتهمني بتهديد النظام والأمن العام بكتاباتي، ولم يتردد في مطالبة الدولة بتوقيف قلمي «المسموم» عند حده حتى لا أتسبب في تفجير الوضع الاجتماعي المحتقن في المغرب. وقد نجح في تحريض القضاء ضدي وحوكمت أمامه وصدرت في حقي عقوبة أسطورية، زارني قبل يومين عون قضائي في مكتبي ليذكرني بها وسلمني وثيقة تهدد بالحجز على ممتلكاتي إذا لم أدفع التعويض المطلوب خلال ثمانية أيام. ومع ذلك، يدعي بنشمسي اليوم في بلاغه الذي وجهه أمس إلى الرأي العام أنني أنا من يحرض عليه. وكل مرة يأتي فيها صحافي أجنبي إلى المغرب لكتابة تحقيق حول وسائل الإعلام وحرية التعبير، يتطوع صاحبنا لتسويد صورتي أمامه، فمن هؤلاء الصحافيين الأجانب من يأخذ كلامه كما هو ويردد عني التهم ذاتها دون أن يراني ويسمع مني أو يقرأ حرفا واحدا مما أكتبه، ومنهم من يقرر الاتصال بي للتأكد مما يقوله بنشمسي عني قبل تحرير مقاله. وأحيانا عندما يتأكد بعض هؤلاء الصحافيين الأجانب من أن ما يردده بنشمسي عني مجرد كذب، تتحطم الصورة التي رسموها لي في مخيلاتهم فيكتشفون أنهم سيكتبون عني بشكل إيجابي، فيقررون عدم نشر أي شيء. وأكبر مثالين على هذا النوع من الصحافيين مراسل فرنسي زارني قبل ستة أشهر من مجلة «جون أفريك» وقضى معي في مكتبي خمس ساعات يستوجبني من أجل كتابة «بورتريه» عني، وفي الأخير عندما «خرج» له «البورتريه» في صالحي قرر التخلي عن نشره. وقبله بسنة، زارني «إغناصيو سيمبريرو» في مكتبي ودعاني إلى وجبة غداء من أجل استجوابي لكتابة «بورتريه» عني في جريدة «إلباييس» الإسبانية. واستجبت لدعوته وجلسنا نتغذى ونتحدث لساعتين، سألني خلالهما عن هذه التهم الثقيلة التي يروجها عني بنشمسي ويحشو بها رأس كل صحافي أجنبي يزور المغرب، فشرحت له مواقفي بالأدلة، وعندما رأى أن ما سيكتبه سيكون في صالحي تخلى عن فكرة كتابة «البورتريه» من أصله إلى اليوم. ولكي يرتاح بنشمسي من هذه الناحية يجب أن يعلم بأنني لا أهتم بما تقوله عني الصحافة الأجنبية، فأنا أكتب للمغاربة أولا وأخيرا وليس للإسبان أو الفرنسيين، وقرائي هم وحدهم من لهم الحق في محاكمتي. وقد كنت أعتقد أن بنشمسي يفهم في الصحافة وحدها، إلى أن قرأت افتتاحية عدده الأخير العائد من الحجز بعد أن «تخلص» من استطلاع الرأي الذي تسبب في حجزه، فاكتشفت أنه يفهم في التحليل النفسي أيضا. وحسب بنشمسي، فأنا أعاني من مرض نفسي اسمه «المقت الاستحواذي» haine obsessionnelle إضافة إلى مرض آخر اسمه «الجنون الذهاني التأويلي» délire paranoiaque، وهما مرضان نفسيان شائعان عند الجيران، كما يقول بنشمسي الذي اكتشف فجأة مزايا الأبحاث العلمية في ميدان علم النفس. وقد فتح هذا التوجه الجديد لبنشمسي في تحليل «الظواهر» الاجتماعية شهيتي لمتابعة آخر المستجدات في المجال العلمي. وهكذا، اكتشفت هذا الصباح خبرا في إحدى الجرائد يمكن أن يكون المفتاح المفقود لفهم ما يصدر عن بنشمسي من مواقف عدوانية وتصريحات صبيانية تفتقر إلى النضج المطلوب في أرباب المقاولات الصحافية. فحسب وكالة الأنباء الفرنسية استنادا إلى دراسة علمية نشرت في مجلة «نيتشر نوروساينس»، فإن العلاقة بين تدخين الحشيش وفقدان الذاكرة أصبحت ثابتة. فالإدمان على الحشيش يؤثر على منطقة في الدماغ تدعى الحصين وتتحكم في معظم الوظائف الإدراكية. وبما أن صاحبنا ليس فقط واحدا من المدافعين الشرسين عن تحرير تعاطي الحشيش وإنما يعتبر كذلك واحدا من كبار مدخنيه، فإن تحليل ما يكتبه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار نتائج هذه الدراسة العلمية الرصينة. وفي أوربا وأمريكا عندما يثبت تعاطي شخصية عمومية أو سياسية أو إعلامية الحشيشَ، فإنها تستطيع أن تقول لمستقبلها السياسي أو الإعلامي «باي باي». وعندما يقدم مرشح أمريكي ترشيحه للانتخابات فإن أول ما تنكب الصحافة على البحث فيه هو لفافات الحشيش، وإذا ما عثرت على رائحته فإنها تضرب له «الطر». عندنا، يخصص مدير مؤسسة إعلامية عددا كاملا لتشجيع تعاطي الحشيش، معددا مزاياه ومنافعه، ومع ذلك لا تتحرك شعرة واحدة في رأس وزيرة الصحة وجمعيات محاربة التدخين. ومن هنا، يمكن أن نفهم سبب فقدان بنشمسي للذاكرة. فهو يقذفني بالتهم الخطيرة والملفقة ويحرض علي الدولة والقضاء، وعندما تهاجمه الدولة والقضاء «يتكمش»، وعوض أن يدافع عن نفسه يعاوده مرض النسيان ويكتب بيانا يتهمنا فيه بقذفه وسبه والتحريض عليه ويهدد بجرنا إلى المحاكم. لماذا يا ترى، لأننا نشرنا تغطية صحافية لندوته ونقلنا كلامه حرفيا، حيث يقول قاصدا الملك «ماذا ينبغي أن نقول باش نحتارمو هاذ خاينا». وإذا كان بنشمسي فعلا لم يقل هذه الجملة، فنحن نتحداه أن يعرض في لقاء صحافي الشريط الصوتي للندوة الذي يوجد في حوزته. وللتأكد من أن بنشمسي «تزاد معاه الزايد مسكين» وأحس بالخوف وفضل اتهامنا بالكذب عوض التحلي بالجرأة والشجاعة وتبني ما قاله في الندوة، فتكفي مراجعة عدد الثلاثاء الماضي من جريدة «الأحداث المغربية» التي نقلت في تغطيتها نفس الجملة التي نقلتها «المساء»، الفرق الوحيد بيننا وبينهم هو أننا في «المساء» نشرنا الجملة بالدارجة كما خرجت من فم بنشمسي، فيما «الأحداث المغربية» عربت الجملة، من باب الاحترام، ووضعت الملك مكان «خاينا». على بنشمسي أن يتحلى بقليل من الجرأة ويتحمل مسؤوليته في ما يقوله ويكتبه. وإذا شعر بأنه «تلف» فما عليه سوى أن «يشد لرض»، فما يسميه قذفا وسبا في حقه ليس سوى استعادة حرفية من طرفنا لما يكتبه في مجلتيه بدون زيادة أو نقصان؛ فهل شتمت بنشمسي عندما كتبت أنه لا يصوم رمضان، إذا كان هو نفسه كتب أن قهوة العاشرة صباحا بالنسبة إليه شيء مقدس ولا يستطيع بداية يومه بدونها، ولأن رمضان هو شهر اللاتسامح في المغرب فإنه مضطر إلى الاختباء من أجل شرب هذه القهوة. وهل شتمت بنشمسي عندما قلت إنه يشجع الشذوذ الجنسي والفساد الأخلاقي إذا كان هو نفسه قد كتب أنه سيكون سعيدا إذا أتته ابنته بصديقها إلى البيت لكي يعيشا حياتهما الجنسية بهدوء وأمان. وهل شتمت بنشمسي عندما قلت إنه يستخف بمشاعر المغاربة الدينية إذا كان قد سمى عيد الأضحى في افتتاحيته بالمذبحة le carnage، ودعا إلى مراجعة القرآن وأحكامه. إن ما قلته في حق بنشمسي ليس سبا ولا قذفا، وإنما مناقشة هادئة للأفكار التي ينشرها الرجل ويشجع عليها أسبوعيا في مجلتيه. فكيف تكون هذه الأفكار «حداثية» و»تقدمية» و»ثورية» عندما يقولها بنشمسي، ثم تتحول إلى سب وقذف عندما ينتقدها رشيد نيني. أليس هذا هو «المقت الاستحواذي» و«الجنون الذهاني التأويلي» بعينهما. لقد انكشفت لعبة بنشمسي، فهو يريد، عبر رسالته الموجهة إلى الرأي العام حيث يهدد بجري أمام القضاء، تحويل الأنظار عنه لكي تتجه نحوي. فأنا المشجب الذي يعلق عليه بنشمسي خسارته، وإذا كانت الداخلية «رزاتو» في 100 مليون فلأن رشيد نيني مهد لها ذلك بسلسلة مقالاته «الجنونية الحافلة بالسب والقذف». لا يا حبيبي، رشيد نيني انتقد أفكارك ومواقفك المشجعة على الانحلال الخلقي وتعاطي المخدرات والمستفزة للمشاعر الدينية للمغاربة، كما انتقد لجوءك المتكرر والمسموم، بمناسبة وبدونها، إلى شيطنة «المساء» ومديرها، ولم ينتقد، ولو بنصف كلمة، نشرك لاستطلاع الرأي الذي بسببه حجز وزير الداخلية على مجلتيك. وأنت لجبنك الدفين الذي تحاول أن تقدمه اليوم كشجاعة وجسارة، تريد تحويل الكفة لصالحك لكي تظهر وكأنك الضحية والمظلوم الأوحد للدولة والقضاء في هذه البلاد، وكأنك نسيت من حمى ظهرك عندما أفزعتك التهديدات الهاتفية التي بدأت تصلك من مجهولين بسبب ما تكتبه، ألم تخصص لك المخابرات عناصر لحمايتك ظلت ترابط أمام باب مجلتك لأسابيع طويلة، في الوقت الذي كنا نواجه فيه نحن التهديدات بالقتل والتصفية بدون حماية من أحد، إلى أن نفذوا تهديداتهم وطعنونا بالسكاكين في مؤامرة لازالت شرطة الرباط تتحفظ عن كشف خيوطها إلى اليوم. فمن هو الضحية الحقيقي في هذه البلاد، أنت الذي تحميك المخابرات وتؤجل محاكماتك إلى آجال غير محددة ويتخلى ضحايا سبك وقذفك عن تعويضاتهم التي تعد بمئات الملايين بعد تحريك وساطاتك المعروفة، أم نحن الذين واجهنا التهديدات والسكاكين مسنودين من طرف قرائنا فقط. نحن الذين يزور مقرنا كل أسبوع عون قضائي يهددنا بالحجز على ممتلكاتنا بعد الحجز على أرصدتنا وحساباتنا في البنوك إذا لم ندفع 600 مليون التي جاءت استجابة لندائك المطالب بإخراس صوتنا إلى الأبد. فمن يا ترى يحرض على الآخر، ومن يسب ويشتم الآخر، ومن هو المريض الحقيقي ب»المقت الاستحواذي» و«الجنون الذهاني التأويلي». أترك الجواب للقراء، فهم وحدهم الذين يملكون حق الحكم علي وعليك. أما تهديدك بمتابعتي قضائيا فشرف لي. واعلم أن المغرب اللاديني المنحل والمفكك، الذي تحلم به نيابة عن أسيادك، لن يتحقق لك ما دمنا فوق أرض المغرب نتنفس هواءه ونمشي فوق ترابه.