لم يكد سعيد يابو يُكمل فرحته عند انتخابه رئيسا لمقاطعة اليوسفية في 23 من الشهر الماضي بمقر ولاية الرباط، حتى فوجئ بعناصر قوات الأمن تلقي عليه القبض مباشرة بعد خروجه من مقر الولاية. لم يفهم في البداية ما الذي يحدث، لكن سرعان ما سيتم إخباره من طرف رئيس الشرطة القضائية، مولود أوخويا، بأن الأمر يتعلق بتنفيذ مذكرة بحث في حقه تتعلق بجنحة «النصب وخيانة الأمانة»، مما جعل يابو يدرك للتو حقيقة «الرسائل» التي وُجهت إليه من أجل عدم الخوض في تلك التحالفات مع «تلك الجهات» ضد «هذه الجهات»، التي صدر عنها «تهديد» مشفوع بإغراءات، ذكر يابو بعضها أمام هيئة المحكمة، تحثه على عدم السير بعيدا في تحالفاته، وخاصة في اتجاه حزب العدالة والتنمية. وكون سعيد يابو رئيس مقاطعة اليوسفية المنتخب عشية إجراء جماعيات 12 يونيو الماضي، والمحامي بهيئة المحامين بالرباط أيضا، يُعد متورطا أم لا في «النصب وخيانة الأمانة» بملفات قُدرت بمئات الملايين من السنتيمات، فإن ذلك لن يقنع الرأي العام بأن تحريك الملف كان بريئا، وبأن التفات النيابة إلى شكاوى يرجع بعضها إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، كان من أجل هؤلاء المواطنين «الضحايا»، الذين تم تسخيرهم فقط من أجل أهداف سياسية، وليس من باب الحرص على تطبيق العدالة، كما أشار إلى ذلك دفاع يابو أثناء مرافعات المحاكمة، وكما يؤكد ذلك أيضا ل«المساء» مستشار العدالة والتنمية بنفس مجلس المقاطعة، عبد السلام بلاجي، الذي ذهب أبعد من ذلك في كشف النقاب عن موضوع تحريك الملف في مرحلة إجراء الانتخابات ومباشرة بعد الإعلان عن انتخاب الرئيس، عندما أكد أن طرفا حزبيا داخل «التحالف الآخر» الذي سيتحول إلى معارضة في ما بعد، هدد بمتابعة يابو قضائيا إذا ما أصر على تحالفه الذي قاده إلى رئاسة مجلس المقاطعة، وهو «التهديد» الذي تُرجم إلى تنفيذ عندما أخبر نفس «الطرف» المستشار بلاجي بخبر اعتقال سعيد يابو، في الصباح الباكر من يوم الاعتقال، ليتم ذلك فعلا في مساء نفس اليوم، مما يجعل المرء يتأكد بما لا يدع مجالا للشك بأن تحريك الدعوى القضائية فجأة، وفي هذه الظرفية السياسية بالضبط، هو من أجل خدمة «أهداف» سياسية ل«جهات معينة» ضد «جهات معينة» أخرى. لذلك فإن تحريك الدعوى القضائية ضد هذا الشخص أو ذاك، وإن كانت شيئا طبيعيا، ويُؤخذ به في الدول الديمقراطية ضد الذين يثبت تورطهم في ملفات نصب أو غيرها، غير أن الذي «ليس طبيعيا» هو أن يتم تسخير «ضحايا أبرياء» وكذلك جهاز القضاء في صراعات سياسية، يقول بلاجي، الذي بسط كيف أن مستشارين من نفس المجلس كانوا على علم مسبقا بموضوع تحريك الدعوى القضائية وكذلك بإيقاف يابو حتى قبل صدور أمر الإيقاف من طرف الجهة المعنية بذلك وهي النيابة. إلا أن وجود «خلفيات سياسية» من وراء تحريك «قضية الاستقلالي يابو» قد لا يكون سببا كافيا وراء اتخاذ قرار من حجم تجميد عضوية سعيد يابو بحزب الاستقلال، وإنما أصدرت اللجنة التنفيذية لحزب عباس الفاسي ذاك القرار مباشرة بعد إحالة يابو على المحكمة، فقط لأخذ مسافة بين الحزب وبين جهاز القضاء إلى أن يتخذ هذا الأخير قراره في ملف له من الحساسية ما يجعله موضوع العديد من التأويلات»، يقول قيادي في حزب الاستقلال فضل عدم الإشارة إليه بالاسم، وأما أن يكون التجميد جاء بناء على رغبة من الاستقلاليين ل«إرضاء» حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان بصدد تشكيل تحالف للظفر بمجلس مقاطعة اليوسفية، فهذا غير صحيح، حسب المصدر نفسه، الذي خلص إلى أن صدر حزب الاستقلال رحب لكل الاستقلاليين، ولكنه صارم بالمقابل في تطبيق مقتضيات القانون الداخلي الذي ينبغي احترامه من طرف الجميع. وأخذُ المسافة بين حزب الاستقلال وبين المؤسسة القضائية في ملف يابو، هو ما كان «منعدما» تماما، بل إن موقف الحزب الذي أعطى تزكية الترشيح لعضو حزبي استطاع الظفر بالانتخابات الجماعية، وأكثر من ذلك تمكن من حشد تحالف أطاح بتحالف قاده عمدة مدينة الرباط سابقا، هو «مؤامرة» من طرف الهمة والبحراوي، انخرط فيها حزب الاستقلال أيضا، كما صرح بذلك سعيد يابو أمام هيئة المحكمة، ذات جلسة، من محاكمته، حين كشف عن تعرضه لإغراءات مالية أيضا لدعم البحراوي، لكنه رفض، قبل أن ينكر، في ما يشبه رد الصاع صاعين، أنه «استقلالي» وموضحا أنه لم ينل يوما بطاقة العضوية بالحزب، وأن خوضه الجماعيات الماضية بلون الاستقلاليين إنما كانت ضرورة لابد منها على غرار كل المرشحين. لكن «التحالف الآخر» الذي تشكل غداة الإعلان عن النتائج لمواجهة التحالف الذي قاد سعيد يابو إلى رئاسة مجلس مقاطعة اليوسفية، يرى أن القضاء وُجد لمحاربة «الفاسدين»، ولا ينبغي تحديد مجال عمله، كما يذهب إلى ذلك المستشار بنفس المجلس وعمدة مدينة الرباط السابق، عمر البحراوي، الذي نفى رغبته، بعد محاكمة يابو، في الترشح لخلافة يابو، إذا ما أصبح الحكم ساري المفعول، موضحا رفضه للمنصب، وأنه لن يرضى لنفسه «الرجوع إلى الخلف»، في إشارة إلى أنه كان عمدة، ويطمح إلى منصب مساو لمنصب العمدة أو أسمى منه، وأما بالنسبة إلى يابو فقد نال جزاءه، يخلص البحراوي.