رغم الطابع السياسي الذي اكتسته المتابعة القضائية لعضو هيئة المحامين بالرباط ورئيس مقاطعة اليوسفية المنتخب غداة الانتخابات الجماعية الأخيرة، سعيد يابو، فإن حيثيات القضية، على الأقل من حيث موضوع ودوافع تحريكها من طرف النيابة، كانت تشير إلى وجود عملية «نصب» كبرى من طرف المحامي يابو، كما أشارت إلى ذلك النيابة في صك اتهامها ضد المشتكى به، إزاء موكليه الذين أوكلوه مهمة الإشراف على عمليات عقارية قُدرت قيمتها الإجمالية بأزيد من مليار ونصف المليار سنتيم. وفي مذكرة توضيحية له، حول ملف زميلهم المعتقل سعيد يابو، وجهها إلى كافة أعضاء هيئة المحامين بالرباط، أشار النقيب محمد أقديم إلى أن الأمر يتعلق بعدد من الشكاوى المرفوعة ضد زميلهم يابو، الذي اعتقل يوم الثالث والعشرين من الشهر الماضي، مباشرة بعد انتخابه رئيسا لمجلس مقاطعة اليوسفيةبالرباط، وهي الشكاوى التي تهم بالخصوص ملفات عقارية، أطرافها مختلفة بالإضافة إلى يابو كمحام والذي، تم توكيله للقيام بالإجراءات القانونية والإدارية نيابة عن الموكلين، وتهم هذه العمليات العقارية، في أحد فصولها، تكليفا من طرف شركة تُدعى «المنظر الجميل»، التي أوكلت إلى المحامي يابو الاتصال بشركة «العمران» لتحويل رسوم عقارية باسم الشركة على أساس أداء الثمن المتفق عليه كمقابل للعقار موضوع الصفقة، والمقدر ب13 مليار سنتيم، سيتقاضى عنها المحامي سعيد يابو كأتعاب مبلغ 500 مليون سنتيم، بعدما كان تسلم 205 ملايين سنتيم، كمقدم عن إجمالي المبلغ المتفق عليه. إلا أن الأمور لم تسر إلى غاية إتمام الصفقة، عندما اتضح أن إدارة الأملاك المخزنية هي المالكة للعقار وأن مكتب الاستثمار الجهوي هو المكلف بالقيام بمثل هذه التفويتات، ما حال دون إتمام العملية، رغم أن المحامي قام ب«واجبه» وراسل الجهات المعنية ليتوصل عبر البريد الإلكتروني بالوثائق المطلوبة، كما راسل موكله من أجل مده بوثائق ضرورية لإتمام الملف، غير أن الموكل رأى عكس ذلك، واتهم المحامي بأنه تقاعس في أداء وظيفة الوكالة بالطريقة التي تحفظ مصالح هذا الموكل، الذي طالب بإرجاع ما أخذه المحامي من تسبيق بخصوص مبلغ الأتعاب، وهو الأمر الذي استجاب له الزميل، يقول نقيب هيئة المحامين بالرباط أقديم، وقام بالتالي بإرجاع مبلغ الأتعاب الذي سبق له تسلمه مُدليا بوثيقة توضح تنازله عن المبلغ المذكور. وفي موضع شكوى أخرى ضد يابو، تتعلق بنزع ملكية، طالب عدد من الورثة بتمكينهم، بالكامل، من مبلغ 4 ملايين و683 ألفا و500 درهم، وهو ما حكمت به المحكمة لفائدة المشتكين في الملف، إلا أن هذا الأخير لم يكن يشمل المشتكين فقط، كما توضح ذلك رسالة أقديم إلى أعضاء الهيئة، بل كانت هناك أطراف أخرى. وبعد أن توصل الأستاذ يابو بمبلغ مليون و283 ألفا و793 درهما و58 سنتيما، استخلص أتعابه وأدى الباقي، وأدلى بصور الشيكات التي تم الأداء بواسطتها وكشوفات حسابية تفيد بتوصل المستفيدين بمستحقاتهم، في 29 و30 ماي 2008، إلا أن المشتكين ظلوا يطالبون بتمكينهم من المبلغ برمته علما بأنه لا يعود إليهم، حسب النقيب. ويبدو أن الشكاوى المقدمة ضد المشتكى به، المحامي سعيد يابو، أو على الأقل تلك التي حركتها النيابة من أجل متابعته بجنحتي «النصب وخيانة الأمانة»، والتي بلغت خمس شكايات، كانت كلها تتعلق بعمليات عقارية، إلا واحدة كانت تهم ست عاملات قضت المحكمة الابتدائية والاستئنافية برفض طلباتهن على أساس أن مغادرتهن لعملهن كانت تلقائية، ولا يستحققن أي تعويض، وهو ما دفعهن إلى القول إن الأستاذ لم يقم بالمجهود المطلوب، علما بأن قراءة بسيطة للقرار تفيد بأن المحامي قام بما هو واجب وما هو ملزم به قانونا. وفي رأي عدد من المتابعين لملف سعيد يابو فإنه بالإضافة إلى الخلفيات السياسية، والتي أخذت حيزا وافرا في مرافعات الدفاع أثناء المحاكمة، فإن «رسالة» أخرى كانت تود «جهات معينة» إبلاغها إلى هيئة المحامين، مفادها أن «لا حصانة للهيئة»، وربما ذلك ما جعل نقيب هيئة الرباط يصرح متسائلا، في وقت سابق ل«المساء»، «ماذا يريدون؟ هل يريدون نقابتنا؟ فليتسلموها وليقوموا بأدوارنا وليؤممونا وليؤدوا أجورنا في آخر الشهر»، في إشارة منه إلى أن المحاكمة لم تراع مقتضيات القانون المنظم لمهنة المحامين، غير أن النقيب نفسه، لم يتردد في أكثر من مرة أثناء مرافعاته دفاعا عن يابو، في القول إن زميله المتهم «يمكن أن يكون ارتكب أخطاء»، لكن المطلوب كان هو احترام المساطر القانونية ومنها قانون المهنة وضمان محاكمة عادلة، وهو ما لم يتم، حسب أقديم. وفي ملف آخر، في قضية يابو، يُتهم المحامي مرة أخرى بوضع اليد على الملايين من السنتيمات، بدون موجب حق، عندما كلف أحد الأشخاص المحامي يابو بشراء عقار من البنك الشعبي وسلمه مبالغ مالية مقابل ذلك، واحتفظ المحامي بالوديعة الاختيارية في الوقت الذي بادر فيه إلى الاتصال بالبنك للقيام بما طُلب منه، لكن لأسباب تهم الموكل، تراجع هذا الأخير عن إتمام العملية، بل وقدم شكاية لدى المحكمة في العاشر من الشهر الماضي ضد المحامي سعيد يابو، ورغم ذلك، يقول نقيب المحامين، فقد أرجع زميله الوديعة الاختيارية إلى صاحبها، مقابل تنازل موقع من طرف المشتكي، وهو التنازل الذي أدلى به يابو لدى النيابة العامة. لكن «الغريب» في محاكمة رئيس مقاطعة اليوسفية المنتخب وعضو الهيئة بالرباط، سعيد يابو، هو أن الحكم الذي أدانه بسنتين سجنا نافذا وبأداء غرامة مالية لم تتعد 500 درهم فقط لفائدة صندوق المحكمة، لم يحكم بتعويضات لفائدة من تقدموا إلى المحكمة كضحايا، وغابت عن المحاكمة مطالب بالحق المدني، كما قالت مصادر من الدفاع، في الوقت الذي يتعلق الأمر بمبالغ مالية قدرت بالملايين، ما يطرح أكثر من علامة استفهام، خاصة لدى هؤلاء الضحايا، الذين كانوا ينتظرون مثل تلك التعويضات.