يهتمون بأجسادهم بشكل مستمر, تماما مثل باقي الرياضيين، وتركيبتهم الاجتماعية تمثل فسيفساء تضم بعض ذوي السوابق والمتابعين في قضايا العنف والسرقة.. تتجاوز رواتبهم الشهرية 6000 درهم وهم يقفون أمام أبواب الحانات والبارات مثل «الغوريلات»، وعالمهم يعتمد بالأساس على القوة بلا شفقة.. متسمرا قرب مداخل العلب الليلية والبارات وأماكن اللهو والترفيه، «الفيدور» هو حارس أمن بمواصفات خاصة. أغلب «الفيدورات» شبان وعيونهم تحمل نظرات حادة. مميزات «الفيدور» وشكله الخارجي يجعلان من السهل التعرف عليه من بعيد: بذلة أنيقة ضيقة لونها قاتم، وساعدان مشدودان إلى الأمام لكي يبدو أكثر جدية وعضلات بارزة تترك انطباع الصرامة لدى الآخرين. ميلود فيدور بأحد الملاهي الشعبية بوسط الدارالبيضاء، ويحصل على أجرة أسبوعية ثابتة قدرها 1500 درهم، تنضاف إليها الحوافز خلال فصل الصيف، و»البقشيش» الكبير الذي يمنحه له بعض الزبناء خصوصا العاهرات لكي يسمح لهن بدخول الملهى دون مشاكل. المهمة الرئيسية لميلود هي إخلاء الملهى عندما تسود الفوضى لأن العديد من الزبائن الذين يتوافدون عليه تنتابهم بين الفينة والأخرى لحظات من الغضب عندما يحتسون كميات كبيرة من الجعة مما يخلق لديهم الرغبة في تكسير المكان بلا سبب.. لا يتورع هذا الحارس «المسالم» والذي يبدو من بعيد شخصا عاديا عن إيقاف هؤلاء السكارى ولكمهم قبل سحب الزبناء الذين تفوح منهم رائحة الكحول بشكل طافح ورميهم إلى الخارج. إنه السيناريو المعتاد لميلود منذ أن اختار هذه المهنة الليلية، مما يجعله رفقة زملائه مبعث رهبة لكل من مر إلى جانبهم بنظراتهم الباردة وحركاتهم الآلية. للحصول على هذا الشكل الخارجي المتميز، يتناول حراس الأمن كميات هائلة من مادة التستوستيرون ويداومون على الذهاب إلى نوادي بناء الأجسام لكي يبنوا تلك الأجساد التي تغطيها بذلهم الضيقة. «في بعض البارات الرخيصة، يفضل أصحابها تشغيل فيدورات من ذوي السوابق الإجرامية والمتهمين بالاعتداءات والعنف والسرقة»، يوضح ميلود بأسف قبل أن يضيف: «عدد منهم تم الحكم عليهم في جرائم محاولة القتل، وبعضهم يحمل أسلحة بيضاء ومتابعون في مجموعة من القضايا». يرى ميلود أن المهنة التي يزوالها تتطلب التحلي بالتواصل والحوار عوض العنف، وهو ما يتجسد على أرض الواقع أثناء عمله في الساعات المتأخرة من الليل ويشرح موضحا: «في الليل يقوم بعض الزبناء بالاعتداء بشكل عدواني على الفتيات أو تخريب الملهى. إنهم ينفقون مبالغ طائلة لهذا ينتقمون بمعاكسة الفتيات أو تكسير الأكواب الزجاجية». حضور الفيدورات في البارات يقلص الخسائر المادية والبشرية، وتتضاءل شدة عنف الزبون إلى درجة الصفر. لكن يتساءل البعض ما هي قصص هؤلاء الحراس، وما هي أحلامهم الضائعة وما هي نقط ضعفهم؟ لا يبدي بعض الفيدورات أي رغبة في الحديث مع الآخرين ويفضلون الصمت. إنهم يحملون بداخلهم حلما محطما أو حزنا عميقا يأسفون عليه، ولا يجدون سوى الزبناء السكارى لتفريغ تلك الأحاسيس. اقتنى سعيد بذلته البيضاء من درب غلف بالدارالبيضاء، وبجثته الضخمة ووزنه الذي يفوق 120 كيلوغراما، يعتبر سعيد الفيدور الوحيد في العاصمة الاقتصادية الذي يرتدي بذلة بيضاء. رغم أن سنه لا يتجاوز 26 سنة، لا يعطي شكله الخارجي «المشوه» الانطباع عن عمره ويرجع السبب إلى جرعات كبيرة من التستسترون في دمه والمأكولات المالحة التي لا يتوقف عن التهامها، وهو النمط الغذائي المحرم على كل رياضي محترف يريد الحفاظ على لياقته. ورغم أن صحته معرضة للخطر بسبب التستسرون الذي يتناوله، فسعيد لا يهتم بالنصائح التي يوجهها إليه طبيب الحي عندما يزوره في العيادة. ويعلق الفيدور الشاب على هذا الوضع بنبرة ساخرة قائلا: «أهوى الأكل بشراهة، ولا أتوانى عن تناول أطنان من البطاطس المقلية والسندويتشات والصراخ على الحمقى الذين يقصدون الحانة لتبديد أموالهم وحياتهم». إنها فلسفة راسخة لدى مزاولي هذه المهنة التي تحتل فيها القوة الجسدية مكانة تعلو فوق باقي الأشياء. «المنشطات التي أتناولها ليست فقط من أجل الشكل والعضلات، بل تمنحني أيضا القوة للوقوف والعمل ليلا لأنني أسهر كل ليلة دون يوم راحة منذ ثمان سنوات»، يتابع مازحا. «أضرب في بعض الأحيان الزبناء بدون سبب فقط من أجل الاستمتاع، ويأمرني رئيسي أن أستعمل القوة كلما استدعت الضرورة ذلك وأنا من أقيم الأمر حسب الحالات» يضيف زميله الجيلالي الذي تم توظيفه قبل شهر في حانة توفي فيها أحد الرواد رفقة صديقته. وعن طريقة «ضربه» يوضح قائلا: «عند حدوث شجار يفتعله أحد الزبناء، أتوجه إليه بثلاث أو أربع لكمات أتبعها بضربة رأس وأطرده إلى الخارج». طريقة عنيفة يلجأ إليها الجيلالي وسعيد من أجل «إخلاء» البار، لكنها الوسيلة الوحيدة للسيطرة على المكان في حالة نشوب النزاعات، وإذا لم يقوما بالتدخل، فإن «الأمور ستتحول إلى فوضى عارمة يصعب التصدي لها، وبالنسبة إلى سعيد، «يستحق السكارى اللكمات والضرب لأنهم لن يتوانوا عن رمي الفيدور بقنينة كحول إلى وجهه إذا ما وجدوا الفرصة مواتية لذلك». نعود إلى ميلود الذي يخوض حربا صغيرة ضد شخص قام بكسر أنف النادل، وتدخل ميلود من أجل «تصحيح» الوضع، وهو السيناريو اليومي الذي ينهي به هذا الفيدور ليلته دائما، ويلخص ركائز عمله مفسرا: «لكمات متقنة وضربات قوية وإثبات حضورك في مكان العمل، هذه هي كلمات النظام في عالم الفيدورات الذي يظل البقاء فيه للأقوى».