يستبد السرطان أحيانا بأكثر الناس سخرية من الحياة، وأحيانا يفعل ذلك مع أناس معروفين كأنه يوصل عبرهم رسائل إلى أناس آخرين بأن هذا المرض الخبيث لا يمزح. هناك من ينتصر عليه، وهم قلة، وهناك كثيرون ينهزمون لأنها معركة غير متكافئة بالمرة، والانتصار فيها يتطلب معجزة، معجزة نفسية أكثر منها معجزة طبية. الكاتب لطفي أقلعي عاش بدوره لحظات تحد قوية مع السرطان. لقد أمسك به من رقبته وجزء من وجهه، كما لو أن الصراع ابتدأ من النهاية. أقلعي كاتب لا يعرف كيف يخط سطوره من دون سخرية، ووزع كتاباته ودعاباته على عدة لغات وعلى عدة منابر، وعندما استبد به السرطان كان الأمر يشبه ضربة لرجل تعود على تحويل كل مآسي العالم إلى دعابة. هل كان لطفي أقلعي سينتصر على السرطان لولا قوة حاسة السخرية لديه؟ بالتأكيد لا، يقول أحد المقربين منه، ويضيف «نجح أقلعي في النجاة بجلده من ذلك المرض الخبيث، وكان لتحمله النفسي دور كبير في ذلك». هناك قصة أخرى لابنة شاعر معروف تحكيها مقربة منها: لقد أصيبت المرأة بالمرض الخبيث وهي متزوجة وأم لطفلة، وكم هو صعب أن يصاب المرء بهذا المرض وهو عضو في أسرة صغيرة ومتحابة، لكن للأقدار قوانينها. حين بدأت أعراض المرض تظهر على المرأة، قررت أن تتصرف بطريقتها الخاصة. قررت أن تقبل المرض كضيف، صحيح أنه ضيف ثقيل، لكنه ضيف موجود والسلام. كانت تذهب إلى مقر العمل ثم تكشف عن شعرها، أو بالأصح تكشف عن رأسها لأن شعرها كله تساقط بفعل المرض. كانت تمارس نوعا غريبا من التحدي مع السرطان، سخرت منه وخافت منه، تحدته وخاضت كل الوسائل للعلاج. كانت تعرف أن وراءها طفلا وزوجا، وفي النهاية حدثت المعجزة وشفيت، لكن شفاءها لم يكن من دون ثمن، لقد تم اجتثاث رحمها في نفس اليوم تقريبا الذي أعلن فيه شفاؤها. ربما لم يكن اجتثاث الرحم ضروريا، لكن المهم أنها عاشت لأسرتها ولنفسها.