تابعت باهتمام ومتعة بعض حلقات برنامج «كوميديا»، وتعاطفت مع بعض المواهب ووجدت في أخرى البديل المناسب لبعض الوجوه المثيرة للسخرية التي احتلت شاشة التلفاز «وحلفات واش تخرج منو». وبالرغم من أن البرنامج نسخة من برامج تبث على عدة فضائيات عربية وغربية، فإن فكرة البحث عن مواهب وصقلها ودعمها وتكوينها، على أيدي أساتذة متخصصين، ومنحها فرصة التعبير أمام المشاهدين تستحق فعلا التصفيق والتشجيع بغض النظر عن أسلوب التقديم وطريقة التقييم وملاحظات اللجنة. إلى هنا، يبدو كل شيء على ما يرام.. إلا أنني حينما علمت بفحوى العقود التي تربط الشركة المشرفة على إنتاج البرنامج و«الضحايا» -لأنهم فعلا كذلك- فوجئت كثيرا وإن كنت أعرف، بحكم تجربتي في عالم الفن، خبايا المنتجين؛ إلا أنني أعلم أن هناك بعض أصحاب النوايا الطيبة ممن لازالوا يفرقون بين الإنتاج والسرقة ويشتغلون بنقاء ويتعاملون مع الفنانين بنزاهة. عقد منتج «كوميديا» يبعث فعلا على الضحك، حينما تقرأ بنوده تجد الموقف شبيها بالكوميديا السوداء، ذاك الفن الراقي الذي خنقته السلطات في مهده مع أسماء ستظل عالقة في الأذهان أبرزها «بزيز». فالعقد المضحك يحتكر ضحايا البرنامج «الناجحين» خمس سنوات ويمنعهم من المشاركة في تظاهرات فنية أو سلسلات تلفزيونية أو أعمال دولية «فين غاديين يخدمو، الله وعلم».. كما يمنح الشركةَ الحق الحصري في مناقشة أي اقتراحات تقدم إليهم، والبند الأكثر غرائبية والأشد طمعا وجشعا هو المادة الخامسة التي تنصّ على أن شركة الإنتاج تستفيد من خمسين في المائة من تعويض أي نشاط بعد اقتطاع المصاريف (السفر، الفندق) واحتساب الضرائب على المشارك. المثير للتساؤل هو أن هناك قناة عمومية منتجة للبرنامج، فلم يحتكر هؤلاء فائزين في برنامج من هذا القبيل ويسلبونهم الحرية في العمل؟ إنها ليست خدمة للمواهب، إنه احتكار واحتقار ومص للدماء على طريقة أفلام الرعب القديمة، إنها ليست «كوميديا» بل ضحكا على الذقون، فهؤلاء المستغلون بالكاد سمحوا لهؤلاء الشباب بحق الحياة والتنفس. وعقد «كوميديا» لا يختلف عن العقود التي تبرم مع الفنانين والكتاب والتقنيين بشكل عام، فالقناتان تقدمان تمويلا سخيا لهاته الأعمال يحتكره البعض في ظل غياب عقود نموذجية وانعدام مراقبة القنوات لسير الإنتاج. يحتفظ مصاصو الدماء بحصة الأسد ويرمون بالبقايا إلى ضحاياهم، خصوصا حينما يتعلق الأمر بشباب في بداية الحلم. لكن غالبا ما يصبح الصياد فريسة فيفتضح أمر هؤلاء، رغم أنهم يغتنون بشكل مفاجئ وصاروخي؛ إلا أن ما ينتجونه من ترهات لا يستحق حتى البصق، والشهر الفضيل على الأبواب في انتظار ما يطبخ في الكواليس من سخافات تسبب الغثيان وعسر الهضم. خلف كل تلك الابتسامات المصطنعة والشعارات الزائفة التي واكبت برنامج «كوميديا» هدف وحيد هو استغلال شباب متطلعين إلى الفن والإبداع والنجاح والشهرة واستعبادهم والعبث بأحلامهم والكسب من وراء ضحكاتهم البريئة وحركاتهم الرشيقة وحكاياتهم التي تسعد الناس، لكنها منبعثة من صدور خنقتها الدموع وقلوب أحرقتها الصدمة، فالأذكياء لا يقدمون إلى ضحاياهم هاته العقود الملغومة للتوقيع عليها إلا ليلة النصف النهائي كي يلووا أرواحهم وأعناقهم وألسنتهم. إنهم يبيعون الوهم على الهواء مباشرة، هم فقط من يحق لهم أن يضحكوا ملء الفم، فالموقف فعلا كوميدي بامتياز، لكنها كوميديا الواقع المرير، المذل والمخجل. كان على هؤلاء «المنتجين» أن يصعدوا «الركح» ويقدموا إلينا سكيتشات بنفس المستوى الهزلي لعقودهم، فموهبتهم تفوق بكثير مواهب ضحاياهم.