دخل أزيد من 300 عامل وعاملة بأربع شركات بمدينة برشيد في اعتصام مفتوح منذ أزيد من أسبوعين احتجاجا على ما أسموه طرق الاستعباد والتضييق النقابي، التي أصبح أرباب تلك الشركات يمارسونها عليهم بدعم من عدة جهات محلية وجهوية. تشهد المنطقة الصناعية ببرشيد أربعة اعتصامات أمام الأبواب الرسمية لأربع شركات، حيث نصب العمال والعاملات، مصحوبين بأطفالهم، الخيام جنب أسوار الشركات على أمل أن تعرج عليهم أياد رحيمة تعيد إليهم بريق الأمل في مستقبل بات غامضا. تصريحات الضحايا التي استقتها «المساء» طيلة زيارتها يوم الثلاثاء المنصرم، تنطق برجاء واحد هو المطالبة بحقوقهم العمالية المشروعة، ووقف نزيف الاستعباد والتصنيف الذي تنهجه الشركات لأهداف مصلحية لا علاقة لها بقانون الشغل وحرية الإنسان. ملفات عالقة فبعد انتظار طال عدة أشهر وبعد توسيع نطاق النزاعات التي نشبت بين أرباب الشركات وممثلي العمال، نقابيين وحقوقيين وعمالا وعاملات، وبعد ولوج قضاياهم ردهات المحاكم والمندوبية الإقليمية للشغل، والوساطة الخجولة للسلطات المحلية، أكد المتضررون أن ملفاتهم لازالت عالقة دون حل، وأن منطق الطرد والتهميش وسياسة (جري طوالك) ظلت هي السائدة داخل تلك المؤسسات الصناعية. اللجنة التحضيرية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي صاحبت طاقم «المساء» طيلة جولته بالمنطقة الصناعية، بعثت برسائل تنديدية إلى وزراء العدل والتشغيل والداخلية وإلى كل الجهات المعنية محليا وجهويا من أجل التدخل ورفع الحيف الذي أصاب عمال وعاملات الشركات الأربع من جراء ما أسموه «جبروت وقسوة المسؤولين عن تلك الشركات وتواطؤ السلطات المحلية والأمنية». وأشارت إلى الاعتداءات والاعتقالات التي طالت بعض العمال والعاملات لا لشيء إلا لانخراطهم في مكاتب نقابية لا تروق لأصحاب تلك الشركات، وأعطت أمثلة بالاعتقال الذي طال الكاتب العام للمكتب النقابي بإحدى هذه المؤسسات الصناعية بعد اعتصام عمالها وعاملاتها،حيث طلبت السلطات المحلية والأمنية مقايضة سراحه بفك الاعتصام. كما طالبت اللجنة بوقف المتابعات القضائية والتهديدات التي تقوم بها جهات داخل السلطات المحلية والأمنية من أجل إخضاع العمال لمنطق التضييق النقابي والابتزاز والاستعباد الذي تسلكه بعض الشركات. ونددت بالأساليب التي يسلكها بعض أرباب المصانع، مغاربة وأجانب، والتي اعتبرتها ماسة بكرامة وحرية العمال وضارة بحقوقهم العمالية المعترف بها دوليا. من جهتها، نددت نقابة اتحاد النقابات الديمقراطية بعمليات الطرد التعسفي التي طالت عمال وعاملات الشركات الأربع. سبعة مطالب لدى عمال وعاملات إحدى هذه الشركات سبعة مطالب لخصتها رسالة المكتب المحلي لاتحاد النقابات الديمقراطية، في رسالة إلى مدير الشركة، في ضرورة احترام وتطبيق قوانين وتشريعات العمل، والزيادة في الأجور بنسبة 15 في المائة، وتوفير وسيلة لنقل العمال من وإلى العمل، وتخصيص تعويض مادي عن ذلك، وتمكين العمال من منحة القفة بنسبة 15 درهما في اليوم، وإرجاع المنح التي كان العمال يستفيدون منها كتعويض عن الإنتاج ومواقع العمل. عدة لقاءات تمت بين المكتب النقابي لاتحاد النقابات الديمقراطية ببرشيد وممثلي الشركة داخل مقر الشركة وبمقر مفتشية الشغل لم تسفر عن أي شيء يذكر. إضراب بحمل شارات حمراء، ثم الدخول في إضراب إنذاري يوم 16 يونيو 2009 وإضراب ثان يومي 11 و12 يونيو 2009، قبل أن يعلن العمال الإضراب والاعتصام المفتوح أمام الباب الرسمي لمقر الشركة المعنية. ممثلو الشركة رفضوا استقبال طاقم «المساء» والحقوقيين الذين حلوا من أجل الاستماع إلى كل الأطراف. حارس الباب الرسمي أجاب بعد ثلاث دقائق من دخوله الإدارة، حاملا بطاقة زيارة «المساء»، أن المسؤولين غير مستعدين للإجابة عن أسئلتنا. فك الاعتصام بالقوة زيارة طاقم «المساء» صادفت يوم تنفيذ حكم قضائي لصالح صاحب شركة للمشروبات الغازية يقضي بفك الاعتصام وطرد العمال بعيدا عن باب المؤسسة. حالات من الإغماء والبكاء والنواح عمت المعتصمين والمعتصمات بعد حضور عناصر التدخل السريع للأمن الوطني والسلطات المحلية وممثل قضائي، بينهم إحدى العاملات التي وجدت في وضعية صعبة بعد إنهاء عملية فك الاعتصام، حيث سقطت مغشيا عليها وتم استدعاء عناصر الوقاية المدنية، وتم نقلها إلى قسم المستعجلات بالمستشفى المحلي. مطالب عمال هذه الشركة تتمثل في تصحيح الوضعية القانونية لعدد من العمال والعاملات، وإرجاع المطرودين بمن فيهم الكاتب العام للمكتب النقابي (ك.دش). وقد تضمن ذلك محضر اجتماع حول النزاع الاجتماعي بالشركة، الذي يحمل توقيعات عدة أسماء منها باشا المدينة وقائد المقاطعة الثالثة ورئيس دائرة الشغل ومدير الشركة وممثل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ومندوب جهوي للشغل. خلاصة الاتفاق بين كل الأطراف أفضت إلى ضرورة الرفع الفوري للإضراب مقابل إرجاع المطرودين وتسوية الوضعية القانونية لكل العمال وإعطاء الأولوية في التشغيل لثلاثة عمال منتهية عقود عملهم (ستة أشهر) وأداء أجور العمال المستحقة عن شهر أبريل، إضافة إلى اتفاقات أخرى ظلت حبرا على ورق. مسؤول الشركة، الذي قبل الرد على أجوبة «المساء»، قال إن ما يراه فوضى وعبثا يقوده أشخاص لا علاقة لهم بالعمال والشركة، وأنه لا توجد نقابة داخل الشركة، مشيرا إلى أن الكاتب العام للنقابة ليس مطرودا وإنما انتهت عقدة عمله ولم يتم تجديدها. وأضاف المسؤول اللبناني أن المعتصمين منعوا خروج منتوجات الشركة (مشروبات غازية) وكبدوها خسائر فادحة، كما كبدوا الشركة المجاورة (الأوكسيجين) عدة خسائر لعلمهم أنه صاحبها، وأن الجهات التي يتعاملون معها أنذرتهم وعلى رأسها وزارة الصحة، موضحا أن سبعة عمال فقط هم الذين أشعلوا فتيل الإضراب بعد أن انتهت عقدة عملهم داخل الشركة، وعاد ليؤكد أنه لا يعلم ماذا يريدون. مطالب عمال وعاملات شركة «ماربلاستيك» لخصها تقرير تفصيلي موقع من طرف المكتب النقابي المحلي التابع للفيدرالية الديمقراطية للشغل، وجاء فيه رد الشركة على المطالب. وكما جاء في تقرير المكتب النقابي، كان الرد هو طرد الكاتب العام للنقابة وكاتبة إدارية وتوقيف ستة عمال دفعة واحدة قبل أن يتم توقيف عاملين آخرين واتهامهما بالسرقة والتخريب، مما جعل العمال يخوضون إضرابا مفتوحا ابتداء من 13 أبريل 2009. كما تمت محاولة فك الاعتصامات، حسب المكتب النقابي، من طرف ممثلي الشركة الذين استعملوا الكلاب ورافعات الأثقال، حيث أصيب عامل بكسر في رجله (30 يوما هي مدة العجز الطبية)، وإصابة عاملة عجزت عن الحراك مدة 28 يوما. وقد وجدوا أنفسهم متابعين قضائيا ومطالبين بالإفراغ وتم تنفيذ الحكم القضائي بإفراغ المؤسسة. وأشار العمال في عريضة توصلت بها «المساء» إلى أن ممثلين عن الشركة نزعوا الوثائق الرسمية للمكتب النقابي ومزقوها أمام أعينهم، وأنهم قاموا بتشغيل عمال شركة أخرى في آلات شركتهم، وتم تشغيل العمال 12 ساعة في اليوم بمن فيهم المؤقتون منذ بداية الإضراب المفتوح، كما قاموا بتوزيع منتوجاتهم بشاحنة هذه الشركة لكي يثبتوا أن المضربين يمنعون خروج المنتوجات بشاحنة الشركة الأخرى، كما تم قطع التيار الكهربائي على العمال المضربين ومنعوا من استعمال المراحيض. وأضافوا أن المشغل رفض قرار فك الاعتصام وعودة المضربين إلى العمل، وهو القرارالموقع من طرف باشا المدينة ومندوب الشغل ورئيس دائرة الشغل بالمدينة. جواب إدارة الشركة جاء على لسان محاسب بها استقبلنا أمام باب الشركة الخارجي، مؤكدا انه هو من سيجيب عن أسئلتنا، وقال إن مطالب العمال مبالغ فيها، فهم يطالبون بزيادة في الأجور بنسبة 25 في المائة، وأن كل ما في الأمر أن الشركة طردت موظفين لأنهم كسروا آلتين، فكان رد الآخرين بالإضراب. الحق النقابي مطالب عاملات الشركة الرابعة لخصوها، في بيان توصلت «المساء» بنسخة منه، في رفضهم القاطع لأي مساومة أو تنازل عن حقهم في ممارسة العمل النقابي وفي اختيار مناديب العمال وممثليهم بكل حرية، ومطالبتهم السلطات العمومية وأجهزة وزارة التشغيل بتحمل مسؤوليتها إزاء ما أسموه الانتهاكات الخطيرة لإدارة الشركة والتدخل لفرض احترام دستور البلاد وقوانين الشغل ووضع حد لمأساة العمال والعاملات. وقرر هؤلاء العمال مواصلة الإضراب والاعتصام أمام مقر الشركة، كما يبرمجون أساليب نضالية أخرى من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة. كما راسل المكتب الوطني للنقابة الوزير الأول عباس الفاسي لإحاطته علما بأن «الحريات النقابية تم إجهاضها داخل الشركة المعنية، بعد أن رفض مسؤولو الشركة تسلم لائحة الترشيح الخاصة بمناديب العمال المقدمة من طرف مركزية النقابة، وانحيازهم لنقابات أخرى، ورفضهم حضور الاجتماعات الأولى للتفاوض والاتفاق التي عقدت بكل من مفتشية الشغل وباشوية المدينة، ورفضهم التوقيع على محاضر الاجتماعات الأخيرة التي حضروها. المنطقة الصناعية كابوس يهدد مستقبل العمال ويهدد المدينة بكارثة بيئية واجتماعية تحولت برشيد إلى واحدة من أهم المناطق الصناعية بالمغرب دون اعتبار لبنيتها التحتية المتدهورة، وأضحت بعض المؤسسات الصناعية بها كابوسا يهدد مستقبل ساكنة المدينة والضواحي. فالمنطقة التي تتوفر على أزيد من 120 وحدة صناعية متنوعة الإنتاج، منشأة ومجهزة على مساحة 35 هكتارا، تقوم بتشغيل ما يفوق 800 عامل وعاملة أغلبهم شبان وشابات قدموا من مدن وقرى بعيدة، بعدما تأكدوا أن أحلامهم سترى النور بعد ضمان فرصة شغل وراتب قار. استقروا داخل غرف ومنازل بالمدينة. منهم من قرر الاستقرار والتأهل لتكوين أسرة، ومنهم من لازال يكافح من أجل ضمان حياة كريمة. لكن المستقبل الغامض داخل الشركات، وعمليات الطرد والتهديدات اليومية التي طالت وتطال عمال وعاملات بعض الشركات، ورؤيتهم للاعتصامات والإضرابات التي شلت العمل، والتي غالبا ما تنتهي بإحالة المضربين على الشارع بدون أدنى تعويض يسدون به رمق العيش، جعلت العمال والعاملات ينظرون إلى مستقبلهم بتشاؤم وإحباط. فرص شغل أغلبها مؤقت، تعتمد على سياسة عقود العمل المحدودة، والتي لا تتعدى مدتها الستة أشهر، وتجدد وفق شروط ومعايير لا علاقة لها بمؤهلات العامل أو العاملة. فمدينة برشيد التي تضاعف عدد سكانها بسبب استقرار الغرباء من عمال وعاملات المنطقة الصناعية، مهددة، بسبب عمليات الطرد المتتالية، بتوسيع رقعة العاطلين عن العمل والذين معظمهم أرباب أسر. كما أن فئات أخرى تمتهن التجارة في المواد الغذائية والملابس والوجبات السريعة (ساندويتش) هي الأخرى مهددة بالضياع بسبب الأزمة. فقد أجمعت جمعيات المجتمع المدني ببرشيد، على أن المدينة في طريقها إلى كارثة بيئية حقيقية، إذا لم تتضافر الجهود من أجل وقف زحف السوائل والأتربة السامة التي تقذفها مصانع المنطقة الصناعية على طول مجار عارية داخل مستنقعات وبرك متعفنة في أماكن مختلفة من ضواحي المدينة، وتنقية أجوائها من الأدخنة والبخار الذي تعمد عدة شركات للقذف به نهارا وليلا فوق الأحياء السكنية المجاورة. كما تعرضت عدة أراض فلاحية بالضواحي للتلف وتضررت تربتها. أزيد من عشرين جمعية راسلت «المساء» بشأن ما تتعرض له مدينة أولاد حريز من انتهاكات جسيمة لحق الحياة، أشاروا إلى مجاري وادي السي الجيلالي ووادي الحيمر اللذين يستعملان من أجل التخلص من المياه السامة والنفايات التي لا تخضع لأدنى معالجة أولية، وإلى المجاري التي أنجزت على طول أزقة المنطقة الصناعية، تصب فيها المصانع أزبالها دون اعتبار لما قد تلحقه من أضرار جسيمة بالمحيط. الضرر وحسب ما توصلت به «المساء» مس الماء الشروب الذي لاحظ السكان أن طعمه ولونه بدأ يتغير من حين لآخر، كما تسربت مياه المصانع إلى المياه الجوفية، وتضررت الآبار وأصبح العديد منها غير صالح للشرب، كما أن العديد من الفلاحين قرروا بيع أراضيهم ومواشيهم التي تضررت من جراء أكل الأعشاب وشرب المياه الملوثة التي اختلطت مع مياه الأمطار بادروا إلى خوض غمار الاستثمار في العقار، لتتحول برشيد إلى مدينة صناعية وعمرانية بدون معامل مستقبلية. ممثلو البلدية يحملون مسؤولية التلوث لأصحاب المصانع، الذين لم ينجزوا محطات للمعالجة الأولية لتلك السوائل والنفايات،الموقعون على الرسالات المتفرقة أكدوا أن الوكالة الأمريكية للتجارة والتنمية قدمت منحة مالية بقيمة 392 ألف دولار لفائدة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب في شتنبر 2007 لتمويل تحليل استثماري أولي يتعلق ببناء منظومة صناعية لمعالجة المياه المستعملة بمدينة برشيد، ومصادر من المديرية الإقليمية للماء الصالح للشرب بسطات أكدت أنه تم عزل مياه المصانع الملوثة عن مياه السكان المستعملة، وأنه تم صرف 400 مليون سنتيم لإنجاز المهمة، وأكدت على ضرورة المعالجة الأولية، وتوفير نظام لمعالجة جماعية لكل نفايات المصانع. أزيد من عشرة مصانع تقذف مواد سامة، عبارة عن مواد صلبة أو سائلة أو بخار، حولت مدينة برشيد التي كانت معروفة بزراعة الحبوب، إلى منطقة ملوثة، أصيب العديد من الساكنة من جرائها بأمراض السل والحساسية (الربو) والأمراض الجلدية.