يستيقظ طارق كل صباح للتوجه إلى الضيعة التي يشتغل بها في منطقة الحاج قدور، ضواحي مدينة مكناس، للإشراف على شتلات العنب والزيتون المغروسة منذ مارس الماضي. بعد أن أنهى سنتين في دراسة الفلاحة بأحد مراكز التكوين ببركان، تلقى طارق برنامج إنماء الحس المقاولاتي في المجال الفلاحي قبل سنتين، ساعده في الحصول على فرصة شغل بمدينة مكناس. «تلقينا دروسا في كيفية تحديد الأهداف والبحث عن الفرص، واستفدت في فترة قصيرة من دروس تطبيقية متنوعة» يقول طارق. كحصيلة لهذه المبادرة التي استفاد منها 300 شاب، قدمت مديرية التعليم والبحث والتنمية التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري قبل أسبوع بمكناس، خلال ندوة اختتام الأنشطة المتعلقة بمحور التشغيل-التكوين لبرنامج ألف، برامج تحديث التكوين المهني الفلاحي التي أعدت بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منذ خمس سنوات. ويهدف مشروع ألف، الذي تنفذه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والذي انطلق في 2005، إلى تحسين قابلية الشباب للتشغيل. وقد أعد مشروع ألف، بالتعاون مع مديرية التعليم والبحث والتنمية، عدة برامج لتعزيز جودة التكوين المهني الفلاحي. كما تهدف هذه البرامج إلى تنمية روح المبادرة لدى المتدربين. وقد أعدت هذه البرامج بتعاون مع مهنيي القطاع، الذين تمت تعبئتهم لتعزيز ملاءمة التكوين مع التشغيل، والمساهمة بالتالي في تنمية الفلاحة المغربية، انسجاما مع أهداف المخطط الأخضر للمغرب. وصرحت بديعة رفاص، منسقة برنامج إنماء الحس المقاولاتي، بأن البرنامج يمنح الطلبة الذين يدرسون أو أنهوا دراستهم تكوينا متخصصا في التواصل والتطور الشخصي وخلق شبكة العلاقات. «نقوي مجموعة من الخاصيات لدى هؤلاء الشباب حسب أحدث الدراسات، ونهيئ برنامجا نتوخى منه الحصول على نتائج مرضية» تتابع رفاص. وقد شارك أكثر من 240 مهنيا ومكونا بشكل نشيط في إعداد برامج جديدة في مجال «تدبير المقاولات الفلاحية» و«تسويق المدخلات الفلاحية» حسب المقاربة باعتبار الكفاءات، وهي برامج سيشرع في تدريسها ابتداء من الدخول المدرسي لسنة 2009-2010. فيما عمد البرنامج، منذ سنة، إلى تطبيق برنامجين آخرين للتكوين أعدا بنفس المنهجية والمتعلقين بمجالي «تقنيات البستنة» و«تربية الأبقار والأغنام والماعز» بمؤسستين للتكوين الفلاحي. ومن جهة أخرى، ومن أجل إعطاء خريجي التكوين المهني الفلاحي فرصا أوفر لإيجاد شغل وتشجيعهم على التشغيل الذاتي، تم إعداد وتطبيق بنجاح لدى 21 مؤسسة، برنامجين خاصين، الأول يهدف إلى تشجيع روح المبادرة لدى الخريجين، والثاني يروم تحسين قابليتهم للتشغيل. وقد استفاد من هذه البرامج أكثر من 2000 متدرب. ويلاحظ، منذ تطبيق هذه البرامج أن المستفيدين منها ينجحون في العثور على شغل بطريقة أسرع، ويشتغلون أكثر في قطاع الفلاحة، ويبادرون أكثر إلى إنشاء مقاولتهم الخاصة، كما يسجل ارتفاع في مستوى الارتياح لدى المتخرجين والمشغلين على حد سواء تجاه مستوى استعداد المتكونين لولوج الحياة المهنية. ولضمان استمرارية هذه البرامج، كون «برنامج ألف» 111 مكونا يعملون حاليا في هذا المجال داخل مؤسسات التكوين المهني الفلاحي. كما عززت المديرية، بدعم من برنامج ألف، تنفيذ سياسة رسمية لترسيخ المقاربة باعتبار الكفاءات، من خلال إحداث «شبكات الكفاءات» التي تهدف إلى تحسين جودة التكوين وملاءمته، وكذا إحياء الضيعات التجريبية ببعض المؤسسات. كما تم وضع نظام «مسار» لتتبع اندماج الخريجين في الحياة العملية والذي يعتبر من خلال وظيفته التقييمية مكملا لسلسلة إعادة هندسة التكوين حسب المقاربة باعتبار الكفاءات. ومن أجل دعم وتوجيه الشباب في مجال التشغيل الذاتي، تم إحداث دليل «المستثمر الفلاحي» لإنشاء المقاولات الفلاحية. ولمواصلة المجهودات الهادفة للتحديث البيداغوجي، والتي شرع في بذلها بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ستعمد المديرية إلى إنشاء مركز لهندسة التكوين المهني الفلاحي، وكذا تطبيق التدابير المرافقة الضرورية للتأهيل التدريجي للمجالات البيداغوجية الخاصة بالتكوين. من جانبه لم يخف هشام شاهير، مسؤول برنامج تحسين تشغيل الشباب، أن الهدف الأساسي من البرنامج هو تلقين المتدربين سلوكات متعددة تتمثل في الثقة والاستقلالية وأخذ المبادرة والقيادة والتواصل، يتم تتويجها بتحقيقات ميدانية يلتقي فيها الطلبة بالمشغلين للتعرف على انتظاراتهم، وتحديد نقط قوتهم وضعفهم لتجاوزها. «يمثل البرنامج ما يشبه خريطة الطريق لكل شاب يسعى لدخول غمار العمل في الميدان الفلاحي، فبعد تخرجه من مدارس التكوين الفلاحي ينجح في الحصول على فرص الشغل بشكل كبير» يتابع شاهير. بالنسبة إلى محمد الذي ما زال يتابع دراسته بمكناس، لم يتوقع أن يساعده البرنامج في تعميق مهاراته بشكل سيساعده بعد التخرج في الحصول على عمل. يقول ل«المساء: «لا تكفي الشهادات وحدها لكي تفتح لك آفاق التشغيل، لا بد أن يتم تعزيزها بمهارات تواصلية متخصصة تجعل كل شاب قادرا على الاعتماد على نفسه وتطوير ذاته».