كانت الساعة تشير إلى التاسعة من مساء يوم الجمعة الماضي، ساعتين بعد إقفال مكاتب الاقتراع في ثاني انتخابات جماعية تجرى في العهد الجديد، حينما ترجل سعيد أمسكان، عضو المكتب السياسي والناطق باسم الحركة الشعبية، من سيارته، ليشرف طريقه بعد أن حيا أنصار حزبه المرابطين أمام مقر الحزب الكائن بشارع باتريس لومبابا بالرباط، نحو مكتبه بالطابق الثالث. تمر الدقائق دون أن يظهر المحجوبي أحرضان، رئيس الحركة ولا الأمين العام للحركة امحند العنصر، الذي آثر تتبع نتائج حزبه من إموزار – مرموشة. بدت القاعة التي خصصها حزب الحركة الشعبية لتتبع سهرة الانتخابات الطويلة، بالطابق السفلي لمقر الحزب غاصة بالوافدين عليها، أنصار وأعضاء من الشبيبة الحركية والعاملين بمقر الأمانة العامة يرتدون قمصانا سوداء تحمل شعار «السنبلة». وإلى جانب موائد الطعام التي نصبت لأنصار حزب السنبلة، انتصبت شاشة كبيرة لتتبع انتخابات 12 يونيو على القانتين الأولى والثانية، صوت الزميلة نادية المؤدن كان يختلط بعبارات التحايا والنقاشات بين الحاضرين الذين كان البعض منهم يستعرض ما سجله من ملاحظات طيلة اليوم الانتخابي الطويل، بينما انبرى آخرون في تقديم تحليلاتهم لما بعد يوم الاقتراع وتوقعاتهم للنتائج التي سيحصدها الحزب. تمر الدقائق ثقيلة، قبل أن يظهر شكيب بنموسى وزير الداخلية على الشاشة الكبيرة، ليعم الصمت القاعة: «نسبة المشاركة في الانتخابات الجماعية التي شهدتها المملكة اليوم قاربت، حسب معطيات مؤقتة،51 في المائة على الصعيد الوطني، عند إغلاق مكاتب التصويت على الساعة السابعة مساء»، تعلو محيا بعض الحاضرين ابتسامة خفيفة، ليبادر أحد أعضاء لجنة حزب السنبلة بالقول: «النسبة التي كشف عنها بنموسى ضربت كل التكهنات.. هناك تناقض بين التكهنات والإعلان الرسمي، حتى واحد من المغاربة كان تيظن بأنها غادي توصل إلى هذا الرقم بفعل برودة الحملة، وعدم وجود انفراج سياسي». جاوزت الساعة التاسعة والنصف، بدأت الهواتف النقالة تشتغل، ومع كل رنة هاتف تأتي أخبار جديدة عن مرشحي الحزب: «حليمة العسالي فازت في جماعة الهري، محمد أوزين والمصطفى المشهوري ربحو وفاطنة الكيحل داتها في سوق الأربعاء»، يخبرنا عبد الحميد مكاوي من لجنة قاعدة المعطيات والمعلومات بعد أن فرغ لتوه من إدخال النتائج التي ترد إلى الفريق المتتبع أولا بأول من مختلف جهات المملكة على الموقع الإلكتروني للحزب. مكاوي بدا منتشيا بما حققه الحزب من طفرة نوعية في ما يخص اعتماد وسائل الاتصال الجديدة في حملته الانتخابية «نفتخر بأننا استطعنا أن نمحو تلك الصورة السلبية عن حزب الحركة المتمثلة في أنه حزب «ديال الجلالب»، واستطعنا التواصل مع الناخبين عن طريق «الفيس بوك» والبريد الإلكتروني والإسمس، كما كنا أول حزب مغربي التجأ إلى الإشهار عبر موقع «الفيس بوك». سألت أحد قيدومي حزب المحجوبي أحرضان عن توقعاته بشأن نتائج مرشحيه، صمت الرجل الستيني برهة، قبل أن يقول: «مازال الوقت مبكرا للحديث عن التوقعات، لكن إذا استحضرنا المجهود الذي بذله الحزب والتأطير ونسبة التغطية المهمة، فيمكن القول إننا متفائلون، بيد أنه تفاؤل مشوب بالحذر بالنظر إلى عوامل عدة منها طريقة الاقتراع وتدبير الوزارة الوصية للانتخابات، وبرودة الحملة الانتخابية والإقبال المحدود عليها، والخوف من عتبة 6 في المائة، فضلا عن المعركة الشرسة التي خاضها البعض لحماية مصالحهم مستعملين في سبيل تحقيق مبتغاهم كل الوسائل غير المشروعة». قيدوم حزب السنبلة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لا يخفي تخوفه من أن يؤثر ما أسماه بالقرصنة السياسية، في إشارة إلى الترحال السياسي لعدد من برلمانيي الحزب نحو حزب الأصالة والمعاصرة، على نتائج مرشحيه في نزال 12 يونيو الانتخابي «لقد كنا ضحية النمو السرطاني لحزب الأصالة والمعاصرة الذي فتك بعدد كبير من الحركيين الذين كان لهم ثقل في الأقاليم والجهات»، يقول محدثنا. بدا أحمد سيبة، عضو اللجنة المركزية للحركة في مكتبه، الأكثر انشغالا بجمع الأخبار الواردة على هاتفيه النقالين من كل حدب وصوب، وخصوصا تلك المبشرة بتقدم مرشحي الحركة في الدوائر التي يسود فيها نمط الاقتراع الفردي: «الأخبار تبشر بالخير.. أخبرت للتو أننا فزنا بجماعتين قرويتين بإقليم أزيلال»، تنفرج سرائر محمد عبد الرحمان الجوهري، عضو المكتب السياسي والمستشار القانوني للحزب «سنحقق مراتب متقدمة، وفي حال العكس سنقول لماذا أخفقنا؟». وقبل أن نطلب منه الكشف عن أسباب الإخفاق في حال حصوله، أردف قائلا «الرحل اللي مشو فازوا لأنهم حركيين وليس لأنهم شيء آخر.. مشاو بالرصيد ديالنا واللي صوتو عليهم قواعد حركية». إلى جانب فريق المعطيات والمعلوميات كان هناك «فريق عمليات»، طيلة ليلة الجمعة، في تواصل مستمر مع كل منسقي الحزب الموزعين في الدوائر الانتخابية وممثلي المرشحين في مكاتب الإحصاء لتلقي النتائج الأولية، والتنسيق مع كل دائرة، حيث يتم العمل على إيجاد حلول للمشكلات التي يواجهها مرشحو الحركة خاصة تلك التي تؤثر سلبا على حظوظهم. «البحراوي غادي مزيان في اليوسفية، السنتيسي الأول في حي مولاي إسماعيل.. وحنا الثانيين في فاس»، بهذه الكلمات تبشر مناضلة حركية المجتمعين بمكتب سيبة، لكن الملفت أن الرجل الذي يتتبع دقيقة بدقيقة أخبار المرشحين لم تظهر عليه علامات الفرح بالنصر التي علت وجوه بقية الحاضرين، مكتفيا بالدعوة إلى التريث إلى حين الانتهاء من فرز كافة الدوائر. الساعة تشير إلى العاشرة مساء، يتلقى عبد الرحمان بوحفص، عضو اللجنة المركزية، اتصالا من منسق الحزب بصفرو، ليخبره بأن عملية إنهاء فرز الأصوات بالمكتب رقم 10 بجماعة سيدي يوسف بن أحمد متوقفة، بعد أن ضبط في جيوب ممثل مرشح الاتحاد الاشتراكي أوراقا تخص مرشح الحركة، وأن الدرك الملكي يحاصر المكتب في انتظار قرار لجنة الإحصاء بعمالة صفرو. رد فعل القيمين على تتبع النتائج الانتخابية لحزب السنبلة أمام ورود هذا الخبر كان«اتصلوا بعامل صفرو واطلبوا تدخله العاجل». تحت ضغط هاجس الترقب إزاء ما ستسفر عنه صناديق الاقتراع، استمرت سهرة تتبع نتائج محطة 12 يونيو الجاري، وإلى الساعات الأولى من صباح يوم السبت، لكن الساعات والأيام القادمة لن تكون نهاية المعركة الانتخابية بالنسبة إلى فريق عمليات حزب السنبلة، فحرب الطعون القضائية وتشكيل المجالس الجماعية على وشك الاندلاع.