سائقو سيارات الأجرة يتهمونه بعرقلة عملهم وأصحاب المحلات التجارية يتهمونه بالتسبب في الكساد والشركة المشرفة تقول للجميع «صبرا، الأشغال تتقدم» أينما تولي وجهك بالعاصمة ثمة «حفر» و«حفير» يسهر عليه رجال شداد أشبه بحفاري « القبور» أو «فقهاء الكنوز»، تصم آذانهم وآذان المارة الآلات المستخدمة التي يضاف إليها ضجيج المواصلات، ومع كل يوم يزداد اختناق المارة ويتمنون يوما لا يرون فيه للحفر أثرا ويتملون بطلعة «الطرامواي» البهية. السائقون يتذمرون يوميا من الأشغال، خاصة أصحاب سيارات الأجرة الصغيرة الذين أصبحوا يمتنعون أحيانا عن نقل الزبناء إلى أماكن تتطلب المرور من الشوارع التي تعرف أشغال «الطرامواي». أما الراجلون فأفسدت الأشغال أحذيتهم الأنيقة التي لم تعد لديها القدرة على تحمل آثار عمليات الحفر. إلى جانب المتذمرين من الأشغال، هناك فئة من المتفائلين ترى بأن الصبر مفتاح الفرج في انتظار وسيلة نقل «سريعة ومتاحة للجميع ومريحة»، وأن «الرفيق اليومي» للجميع سيأتي لا محالة في أكتوبر 2010. حنين إلى الدواب عندما يغادر محمد، سائق سيارة أجرة صغيرة، منزله في الصباح الباكر يقول «يا حافظ ياستار»، هو الذي اعتاد أن يفتتح يومه في الأيام الماضية عبر قوله «يافتاح يارزاق»، وبهذا يدعو الله أن يحفظه من حوادث السير بسبب كثرة الأشغال في الطريق والازدحام الشديد الذي خلفته. سائق سيارة الأجرة، الذي أمضى أزيد من عشرين سنة في عمله، يصب يوميا جام غضبه على أشغال «الطرام» التي انعكست سلبيا على سيارته. يقول بانفعال شديد: «ليست سيارتي وحدها ضحية الأشغال، فأنا أيضا يوميا أعود إلى البيت وظهري يؤلمني بسبب رداءة الطريق، ومشكلتنا بالمغرب هي عدم التخطيط الجيد للمشاريع، وهذا ما يؤثر سلبا على العديد من القطاعات». يرفض سعيد (سائق سيارة أجرة صغيرة) أحيانا نقل الزبناء إلى مكان قريب من أشغال «الطرامواي» تجنبا لأي ضغط نفسي يسببه له ذلك، وحفاظا على الحالة الميكانيكية لسيارته. «ما الذي سأجنيه عند نقل زبون إلى مكان كله أشغال؟» يتساءل سعيد ليجيب في الوقت نفسه «سأخسر صحتي وتصبح سيارتي في وضعية سيئة، لذلك من الأفضل ألا أنتقل إلى مكان به الأشغال وإن اقتضى الأمر عدم العمل». محمد وسعيد نموذجان للعديد من أصحاب سيارات الأجرة الصغيرة الذين يفضلون يوميا الخوض في الحديث عن أشغال «الطرامواي» وأملهم أن تنتهي هذه الأشغال بسلام دون تأخير حتى يستعيدوا نشاطهم المعهود، وإن كان بعضهم دائم التفكير في الطريقة التي سيتم بها التعامل في حالة ما أصيبت أي سيارة بعطب في الطريق، إذ أن حركة السير ستتوقف لامحالة، بسبب ضيق الطريق المحيطة بوسيلة النقل البديلة.. يقول مصطفى (سائق طاكسي): «أنا كباقي السائقين متضرر كثيرا من هذه الأشغال التي مازالت مستمرة، ولكن دائما نتساءل عن مصير حركة السير إذا قدر الله وعطلت سيارة وسط الطريق، إذ إن الحركة ستتوقف لا محالة في انتظار البحث عن وسيلة لإخراج السيارة من الطريق قصد إصلاحها. أنا لست ضد المشاريع المفيدة للمواطن المغربي، ولكن ضد غياب التخطيط المحكم ونقل التجارب دون معرفة مدى ملاءمتها للواقع المغربي الذي له خصوصياته في الشبكة الطرقية». أما فاطمة (سائقة) فلم تعد ترغب في سياقة سيارتها وتفضل التنقل على رجليها أو ركوب سيارة الأجرة، فشوارع وأزقة العاصمة كلها أصبحت ممنوعة. تقول مازحة: «أينما ذهبت تجد علامة ممنوع المرور، وهذا يتطلب قطع مسافات طويلة من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، ويستحسن أن نعود إلى أيام زمان ونركب على الدواب حتى نضمن الحفاظ أحذيتنا ونوفر وقود السيارة وتكاليف إصلاحها، بسبب الأشغال، ومعاناتي تتضاعف وارتفاع علامات ممنوع المرور، كل هذا ضاعف معاناتي ودفعني إلى أن أستغني مؤقتا عن استعمالها في انتظار فرج قريب». عدد كبير من السائقين تحدثوا ل«المساء» عن أن أشغال «الطرامواي» جزء صغير من مشكل عام يتمثل في الشبكة الطرقية بالمغرب التي تنعكس سلبا على الحالة الميكانيكية لسياراتهم. كساد تجاري بمدخل مدينة العرفان بالعاصمة، تقف ندى (طالبة) تتأمل لوحة كتب عليها «الطرامواي للجميع»، «يحيا الطرام»، وتشكي همها وحزنها إلى الله المتمثل في تعبها اليومي مع الأشغال التي أثرت على أحذيتها. تنصحها صديقتها بوشرى بأن توفر أحذيتها الجيدة إلى مرحلة ما بعد «الطرام»، لكن ما يقلقها هو طول مدة الإصلاحات، وتتساءل «هل سيقومون بإصلاح كل الحفر التي ستخلفها هذه الأعمال؟ ترد عليها صديقتها «طبيعي أن يتم ذلك، فمن الصعب الحكم على الشيء قبل الوقت، ونحن المغاربة اعتدنا على إصدار الأحكام قبل حينها، فأظن أنه من غير المعقول ترك الوضع هكذا». تنظر ندى إلى صديقتها نظرات تنم عن عدم الرضى، فتجيبها : «نتمنى ذلك صديقتي، فأنت دائما متفائلة في كل شيء وكم من مرة يخيب ظنك». أما عند مدخل المدينة القديمة بالرباط، فيشتد الازدحام، خاصة في المساء، فيختلط الراجل السائق وتظهر فوضى عارمة، والكل يلقي باللوم على أشغال «الطرام» التي لم تنته بعد. أحد المارة ينصح الجميع بضرورة استعمال أحذية عادية طيلة مدة الأشغال والحفاظ على الأحذية ذات الجودة العالية من التلف. يقول ل«المساء»: «إن الجرافات والآليات تسبب الإزعاج والضغط النفسي اليومي للمواطنين، كما أن الحفر تتلف الأحذية، فأنصح الجميع بارتداء أحذية من نوع خاص إلى حين انتهاء المشروع». «الرباط كلو تشرك» يقول محمد، معتبرا أن العاصمة مثل قطعة ثوب قام خياط بتمزيقها مرات عديدة. هذه هي الكلمات التي فضل هذا الشاب الإجابة بها عن أسئلتنا. ويعتبر أن السائقين هم المتضرر الأكبر من الأشغال، يليهم الراجلون والتجار الذين توجد متاجرهم بمحاذاة الأشغال. يقول رشيد (صاحب مقهى): «لقد انخفضت مداخلينا منذ أن شرعت الجرافات في عملها بالعاصمة، فالزبون دائما يبحث عن الهدوء والراحة، فلا يمكن له أن يتناول وجبة غداء في مكان يتطاير بالقرب منه التراب، وهذا حال جميع المحلات التجارية أو المشاريع التجارية التي تقع في الشوارع والأزقة التي شملها المشروع». أما لبنى (صاحبة محل لبيع الملابس) فذهبت إلى حد المطالبة بتعويض التجار عن الأضرار التي لحقتهم بسبب الأشغال، قائلة: «إن الأشغال خلفت أضرار كثيرة. ينبغي أن يتم تعويضنا من الشركات المشرفة على المشروع على حجم الأضرار التي تكبدناها والمتمثلة أساسا في الكساد التجاري». الطرام قادم وبالمقابل هناك من يرى أن لكل تقدم ضريبته، وضريبة «الطرامواي» أشغاله التي ينبغي أن يصبر سكان مدينة الرباطوسلا على آثارها حتى ينعموا بوسيلة نقل مريحة ومناسبة للجميع. يقول عبد الله (أستاذ): «لا يمكن بين عشية وضحاها أن ينتهي المشروع، فالشركة المكلفة لا تتوفر على خاتم سليمان، حتى يتم كل شيء في ثوان، فمثلا، العمارة التي يقوم ببنائها مواطن، يتطلب أن يصبر جيرانه على مخلفات البناء إلى حين إتمامها، والطريق التي يراد إصلاحها على المواطن أن يصبر بعض الوقت من أجل أن يحظى بطريق مناسبة ومماثلة. هذه بعض الأمثلة، التي تبين أنه لا ينبغي انتقاد الأشغال ومخلفاتها، بل الأمر تتطلب شيئا من الصبر». تقاطعه زوجته سليمة قائلة: «مع الأسف لم تعد لدينا القدرة على الصبر في مجتمع طغت عليه السرعة، ولم يعد السائق يصبر على الراجل والعكس صحيح، فلا أحد أصبح يحترم علامات المرور، ولا النظام المعمول به في الإدارات أو الشركات، فنحن تعودنا على الأنانية وكل واحد يقول: نفسي نفسي، وإن اقتضى الأمر خرق القوانين الجاري بها العمل. أظن أن الحديث عن تأثير أشغال «الطرامواي» هو أمر مبالغ فيه، إذ يقول المثل المغربي «اللي بغا العسل يصبر لقريص النحل». الرأي نفسه تذهب إليه سلمى (طالبة) قائلة: «صحيح أن هذه الحفر تؤثر علينا يوميا، ولكن هذا لصالحنا في النهاية، ولا ينبغي استعجال الأمور حتى يقوم المشرفون على المشروع بإتقان عملهم، لأنه ليس من اللائق أن يتحدث المواطنون عن معاناة مصطنعة، فالعجلة من الشيطان والصبر من الإيمان»، وبهذا تستجيب هذه الفئة لنداء الشركة المشرفة التي اختارت أن تعلق لوحاتها على بعض السياجات الحديدية التي كتب عليها «صبرا الأشغال تتقدم». شبكة طولها 20 كيلومترا وتوفر 400 ألف منصب شغل «الطرامواي» في أفق 2010 أعطى الملك محمد السادس انطلاقة مشروع «الطرامواي» يوم الأحد 23 دجنبر 2007، حيث ستمتد شبكة «الطرامواي» على طول حوالي 20 كيلومترا من حي الكريمة وبطانة بمدينة سلا وسيعبر قنطرة مولاي الحسن الجديدة، ليصل إلى حي المحيط ويمر بوسط المدينةالرباط ويصل إلى مدينة العرفان. وسيربط الخط الأول حي الكريمة بسلا بحي أكدال بالرباط، والثاني سيمر عبر الأحياء الأكثر كثافة سكانيا. قدر لمشروع «الطراموي» باثنين وعشرين عربة، تكلفة قيمتها 3 مليارات و100 مليون درهم.مشروع سيوفر مناصب شغل جديدة للشباب ويندرج مشروع «طرامواي» الرباط-سلا، في إطار استراتيجية تطوير النقل العمومي، ومن المتوقع الشروع في استغلاله في أكتوبر 2010. وهو عبارة عن شبكة طويلة الأمد ( 19,5 كلم) بمعبرين على أبي رقراق وأربعة خطوط، الأول والثاني منها يربطان سلا بتمارة والثالث يربط وسط الرباط بعكراش، والرابع وسط الرباطبسلاالجديدة. وسيتم إنجاز المشروع بكلفة إجمالية تقدر 3,9 مليارات درهم وحسب موقع «أمواج» فإن «الطرامواي» يستجيب ب«شكل أمثل للحاجة المتزايدة للمدينة في ميدان النقل، فهو سريع ومتاح للجميع، كما أنه اقتصادي وآمن ومريح. وباعتباره عنصرا بارزا في شبكة النقل الجماعي ووسيلة نقل موثوق بها تجمع بين الفاعلية واحترام البيئة». وبخصوص الساكنة المستفيدة من «الطرامواي» بين الرباطوسلا ضمن دائرة قطرها 500 متر، إلى جانب 400 ألف نسمة، وتوفير حوالي 420 ألف منصب شغل. وبدأت أشغال «طرامواي» الرباطوسلا بتحويل مختلف الشبكات التحتية: الماء والكهرباء واللاتصال والتطهير منذ شهر فبراير 2007. المرحلة الثانية تتمثل في أشغال القاعدة ووضع السكك وبدأت خريف 2007 لتنتهي مع صيف 2010، وهو المخطط الزمني الموضوع لهذا المشروع. وحسب الموقع المذكور، فإنه بعدما كانت قنطرة مولاي الحسن القديمة الرابط الوحيد بين العدوتين الرباطوسلا والتي كانت تعرف اكتظاظا في حركة المرور بشكل يومي، سيعرف ذلك نهايته بفضل قنطرة مولاي الحسن الجديدة بالضفة الأخرى لواد أبي رقراق بالرباط والتي تندرج هي الأخرى في إطار المشروع الكبير لتهيئة وتنمية ضفتي أبي رقراق. القنطرة الجديدة ستمتد فوق مجال طوله يتعدى 1200 متر وارتفاعه سيفوق 13 مترا. كما ستضم طريقين بستة ممرات ومسلكين «للطراموي» الذي سيربط الرباطوسلا وسيتطلب إنشاؤها ثمانية وأربعين ألف متر مكعب من القوالب الإسمنتية حيث سيعمل على بنائها 280 شخصا. يعتبر بناء القنطرة الجديدة جزءا من مشاريع الشطر الأول لمشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق المعروف بباب البحر، وكل هذه المشاريع من المقرر الانتهاء منها في أفق 2010